المثقف بين الظاهرة والاستثناء

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لكي تسود الثقافة السليمة في المجتمع، ينبغي أن يكون المثقف المنتج ظاهرة ملموسة ومعروفة للجميع، ولا يشكل إستثناءً يُبهر الآخرين، ويجعلهم ينظرون إليه وكأنه مخلوق هبط عليهم من كوكب آخر!!، بمعنى أوضح يجب ان تكون نسبة المثقفين عالية بين افراد المجتمع عموما، ولا يشكل المثقف حالة استثنائية تجعل الاكثرية ينظرون اليه باندهاش وتعجّب!!.

هنا لابد من التأكيد على أن المثقف لا ينحصر بمن يكتب، وينشر نتاجه في كتب ومؤلَّفات، وهو ليس الفنان الذي يرسم اللوحات ولا المفكر فقط، بل المثقف بمفهومه الاوسع، الذي يشترك مع آخرين يتشكل منهم المجتمع عموما، وبهذا يكون المجتمع كله مثقفا و واعيا ومتطورا في التفكير والانتاج، هنا يرد التساؤل التالي: ترى ما هي الاسباب التي تجعل من المثقف حالة استثنائية وليس ظاهرة؟.

هنالك اسباب عديدة تقف وراء هذا الامر، وأول هذه الاسباب أن المثقف نفسه لا يرغب بولادة مثقف آخر؟ حتى لا ينافسه في مجال عمله او نشاطه او ابداعه، وهي حالة مرئية ومعروفة في الوسط الثقافي عموما ومنه الفني وسواه، بمعنى اوضح أن الاشخاص الذين ينشطون في حقول الثقافة، ولديهم حصيلة ثقافية تجعلهم يحملون هوية المثقف، يخشون من المواهب الجديدة فيكبحونها، وهذا يحصل دائما، لذا غالبا ما تتعرض الولادات الثقافية الجديدة الى المضايقات والتهميش، وقد تصل الامور الى شن حروب من نوع خاص، للتخلص من منافسة المثقفين الجدد للقدماء، ولكن بسبب طبيعة الحياة التي تتطلب الامتداد والاستمراية، نلاحظ ظهور الولادات الجديدة بين المثقفين حاضرة في مكانها المناسب، ليس لان المثقف القديم تراجع عن موقفه الرافض واحتضن الجديد، بل لأن الولادات الثقافية الجديدة والظروف المساندة فرضت الجديد على القديم شاء أم أبى !!.

هذه الحالة التي أشرنا لها تعد من امراض المثقفين والثقافة، لذا على المثقفين عموما التنبّه لهذه الحالة غير السليمة، والكف عن محاصرة الجديد ومحاربته، وفتح المساحات والفضاءات أمام الجميع، ليثبت الكل للكل مدى قدراته ومواهبه، وهو أمر حاصل فعلا في ظل الانفتاح الاعلامي ومواقع و وسائل الاتصال المتنوعة، ولكن مع ذلك يجب ان يلغي المثقفون القدماء فكرة وظاهرة محاربة المثقف المولود حديثا، وتحل بدلا من ذلك الرعاية والمساندة، لكي تتحول الثقافة والمثقفين من الاستثناء والندرة، الى الظاهرة والاعتياد.

من الواضح أننا نعيش الان في ظل (المثقف الاستثناء)، لأننا لم نصل بعد الى جعل المثقف ظاهرة مشاعة في عموم مكونات المجتمع، ومن الدلائل البسيطة على اثبات هذا الرأي، أن الكاتب والرسام والمفكر والاعلامي، يُنظر اليه من لدن الآخرين على انه حالة ارفع من الاخرين، كونه مثقفا (كاتبا، مفكرا، رساما) او غير ذلك، ولكن هذه الحالة ليست دليل عافية، بل هي دليل خلل في التكوين المجتمعي، بمعنى اوضح ينبغي أن يكون المجتمع كله مثقفا، وعند ذاك تنتفي حالة (المثقف الاستثناء) وتسود حالة (المثقف الظاهرة)، وهو هدف ينبغي ان يسعى الى تحقيقه الجميع وأولهم المثقفون، وذلك من خلال:

- حث المؤسسات والمنظمات المعنية على نشر الثقافة بين الجميع.

- سعي المثقف الراسخ الى فتح الفرص للجميع، كي ينتمون الى الثقافة السليمة.

- الجهات الرسمية بما في ذلك المؤسسة الثقافية، تتحمل مسؤولية زيادة عدد المثقفين، وجعل الثقافة اكثر انتشارا بين عموم الناس، والكف عن تكريس حالة (المثقف الاستثناء).

- وضع الخطط المدروسة لنشر الثقافة السليمة.. وتحفيز النقابات والمنظمات المعنية بهذا الامر على القيام بدورها التثقيفي بصورة دائمة.

- إشاعة مناهج الثقافة المتطورة في الشارع والمقهى والساحات العامة، وجعلها مناظر وفعاليات مألوفة للجميع، واقامة الندوات الثقافية في الهواء الطلق، ونشر ثقافة المسرح الجوال، وما شابه من وسائل واساليب، تساعد على نشر الثقافة بين عامة الناس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/آذار/2013 - 30/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م