أتذكر بحرقة الفيلم الجميل الذي بقي عالقا للراحل علاء ولي الدين،
الممثل المصري الذي توفي في أول صباه الفني، وقد يكون لوفاته المفاجئة
من سنوات وقع الصدمة على جيل جديد حاول أن يختط فعلا فنيا مغايرا،
ولذلك فإن المتابعين للسينما المصرية، وحين يشاهدون فيلم (عبود على
الحدود) لايعن في خواطرهم أن الرجل قد مات، وشبع موتا، لكنهم يفكرون
فيه مرابطا على الحدود، يعيش مناكفات زملائه، ويقع في كماشة المجرمين،
ويتحرر منهم ثم ينطلق الى تحقيق نوع من الإنجاز المشفوع بالسخرية،
والمختزن لعوامل تحرر منتظرة، ولكنها لم تتحقق، وربما طال إنتظارها، ثم
مات البطل قبل أن يراها واقعا يعيشه من بقي في الحياة، وعلى قيدها الذي
يسجل كل شاردة وواردة دون أن يغفل ذكر الحقيقة ليقول وبصراحة، إن
التغيير لم يحقق المؤمل منه، وإنه ذهب بإتجاه آخر غير الذي أراده وسعى
إليه من ثاروا لقلب الواقع الفاسد والشاذ والمترهل.
عبود في العراق مايزال شابا لم يخبر الكثير من أسباب النجاح، وعوامل
الصمود في زمن التحديات الفوضوية القادمة من شتى الأصقاع، فعبود الشاب
الذي تطوع للإلتحاق بالجيش العراقي الجديد فوجئ بأنه مرفوض من عدد غير
قليل من المناكفين والمتحدين للواقع الجديد، فمنهم من إتهمه بالعمالة
وسماه (جنديا في الحرس الوثني)، ومنهم من قال له، إنك تقاتل الى جانب
الأمريكان، وأنت عضو في جيش يتبع لحكومة عميلة، حتى إني ضحكت حين قرأت
من يومين تعليقا لقناة فضائية عراقية لاأعرف ماتريد، أو كيف يمكن أن
تريد تقول فيه نقلا لخبر زيارة رئيس الوزراء المصري هشام قنديل الى
بغداد: (رئيس الوزراء المصري يزور العراق ويلتقي بحكومة المالكي ! ولم
تقل إنه إلتقى برئيس الحكومة العراقية أي إن تصفه بوصف يشبه وصفها
لرئيس وزراء مصر. فحكومة قنديل مصرية، بينما حكومة المالكي مالكية بحسب
شعار تلك القناة، دون أن تحدد كيف يمكن توصيف حكومة المالكي، وهل هي
حكومة لفئة من الناس مثلا، أو إنها حكومة تمثل المالكي لوحده ؟ وهذا
غريب وخطير..
ذهب عبود ضمن قطعات الجيش العراقي الى معارك عدة مع التنظيمات
المسلحة طوال السنوات الماضية وشارك في الحرب على القاعدة، ودخل في
مناورات حربية، وكان يتابع بقلق تطورات المشهد الأمني والسياسي
والعمليات العنفية المتوالية، وتدخلات دول الجوار وتجاوزها لحدود
بلاده، وشق عليه إنه في منطقة عسكرية على الحدود مع سوريا التي بدأت
فيها الإضطرابات وإشتدت مع الوقت لتتحول الى حرب أهلية حقيقية بين
الجيش الحر وقوات المعارضة من جهة، وحكومة الرئيس بشار الأسد، وآمن
عبود إن مايجري في سوريا غير جيد بالنسبة للعراق، ولم يكن مهتما كثيرا
بمعاداة المعارضة السورية وموالاة الرئيس بشار ونظامه بقدر قلقه على
العراق، وما يمكن أن يصيبه فيما لو إستمرت المعارك وتجاوزت الحدود،
فتدفق اللاجئين ليس هو الخطر، ولكن جر العراق الى المواجهة والتدخل الى
جانب أحد الفريقين هو الخطر الحقيقي، لذلك حاول أن لايكون ضمن لعبة
صراع مفتوح وتمنى أن لاتطال العراق شرارة ذلك الصراع..
لكنه لم ينل المراد فقد قتل على الحدود لتي كان عليها بكمين نصبه
الجيش الحر لجرحى من الجيش السوري النظامي، وهو لم يعد على الحدود ولن
يعود.
|