ان المحظوظين الذين يعيشون في الدول المتقدمة يتذمرون احيانا من
مخاطر ثانوية كثيرة-او احيانا غير محتملة- مثل المواد المسرطنة في
الاغذية والحوادث الجوية وغير ذلك ولكن وضعنا اقل امنا مما نعتقد فنحن
في حالة انكار فيما يتعلق بالسيناريوهات التي يمكن ان تتسبب في دمار
لدرجة ان وقوع حادثة واحدة يمكن ان تتسبب في دمار كبير.
لقد تم كتابة الكثير عن الصدمات البيئية المحتملة التي يمكن ان تأتي
نتيجة للتأثير المتزايد لاحتياجات البشر فيما يتعلق بالمحيط الحيوي كما
تم كتابة الكثير عن التوترات الاجتماعية والسياسية الناتجة عن شح
الموارد او التغير المناخي.
ان من الامور التي تثير القلق بشكل اكبر هي المخاطر السلبية
المرتبطة بالتقنيات القوية الجديدة مثل تقنيات الحاسوب والتقنيات
البيئية وتقنيات التلاعب في المادة على نطاق الذرة. ان عدد قليل من
الاشخاص سواء عن طريق الخطأ او كعمل ارهابي بامكانهم ان يشعلوا انهيار
مجتمعي بسرعة كبيرة لدرجة ان الحكومات لن تستطيع التعامل مع هذا الوضع.
ان حقبة " الانثروبوسين" وهي حقبة تأتي التهديدات الدولية الرئيسة
فيها من البشر وليس من الطبيعة قد اصبحت تنطوي على المخاطرة بشكل خاص
مع الانتشار السريع للاسلحة النووية الحرارية علما انه طيلة الحرب
الباردة كان الانذار الخاطىء والخطأ في الحسابات من قبل القوتين
العظمتين حدث اعتيادي ولقد شكلت بعضا منها مخاطر حقيقية كان يمكن ان
تؤدي الى حرب نووية.
ان اولئك الذين عاشوا بقلق فترة ازمة الصواريخ الكوبية كانوا
ليشعرون بالذعر لو كانوا يعلمون في تلك الفترة مدى قرب العالم للكارثة.
لقد علمنا فقط في وقت لاحق ان الرئيس جون ف كيندي في مرحلة من المراحل
قام بتقييم احتمالات حرب نووية " من واحد لثلاثة ومتعادلة". ولقد ذكر
بصراحة وزير الدفاع ابان عهد كيندي روبرت ماكنمارا بعد ان تقاعد بفترة
طويلة " لقد كنا قريبين جدا من حرب نووية بدون ان ندرك ذلك. ان الفضل
في نجاتنا من تلك الحرب لا يعود لنا- خروتشوف وكيندي كانا محظوظين
بالاضافة الى كونهما حكيمين."
ان الحكمة المتعارف عليها الان هي ان الردع النووي فعال وهذا صحيح
ولكن هذا لا يعني انها سياسة حكيمة فلو لعبت لعبة الروليت الروسي مع
وجود رصاصة واحدة او رصاصتين في فوهة المسدس فإن احتمالية نجاتك هي
اكبر من احتمالية عدم نجاتك ولكن حتى تعتبر ان هذه مقامرة حكيمة يجب ان
تلعب على شيء غاية في الاهمية او انك لا تعير اية اهمية لحياتك.
لكن قد تم جرنا الى مثل هذه المقامرة طيلة الحرب الباردة. سوف يكون
من المفيد ان نعرف ما هو مستوى المخاطرة التي اعتقد القادة الآخرون
انهم كانوا يعرضونا لها وما هي نسبة الاحتمالات التي كان يمكن ان
يقبلها المواطنون العاديون لو تم الطلب منهم الموافقة بناء على
المعلومات المتوفرة.
لو تم سؤالي فلن اقبل باحتمالية واحد من ثلاثة او حتى واحد من ستة
ان تحصل كارثة قد تقتل مئات الملايين من البشر وتدمر مدننا وحتى لو كان
البديل هو غزو سوفياتي لأوروبا الغربية وبالطبع فإن العواقب المدمرة
للحرب النووية الحرارية سوف تنتشر الى بلدان تتجاوز تلك التي تواجه
تهديد مباشر.
لحسن الحظ فإن تهديد الابادة العالمية بمشاركة عشرات الالاف من
القنابل الهيدروجينية قد اصبح الان معلقا ولكن هناك اسباب اكثر للقلق
من ان ترسانات اسلحة نووية اصغر يمكن ان يتم استخدامها في سياق اقليمي
او من قبل ارهابيين ولكن عندما نتذكر التشجنات الجيوسياسية للقرن
الماضي – حربين عالميتين وصعود وسقوط الاتحاد السوفياتي وغيرها –نحن لا
نستطيع ان نستبعد عودة للانحياز الذي قد يؤدي الى مواجهة متعادلة بين
قوتين عظمتين جديدتين. ان جيل جديد يمكن ان يواجه نسخته من ازمة
الصواريخ الكوبية والتي يمكن ان يتم التعامل معها بحرفية اقل –او ان
تنطوي على حظ اقل – مقارنة بالازمة الاصلية.
ان الاسلحة النووية تشكل الجانب الاكثر ظلامية في علوم القرن
العشرين ولكن هناك مخاوف غير مألوفة تنبع من تأثير تقنيات القرن الحادي
والعشرين التي تتطور بشكل سريع. ان عالمنا المترابط يعتمد على شبكات
واضحة مثل شبكات الكهرباء والمراقبة الجوية والتمويل العالمي وتسليم
البضائع بالوقت المحدد وغيرها وما لم تكن تلك الشبكات مرنة بشكل كبير
فإن الاعطال الكارثية وان تكن نادرة قد تتفوق على الفوائد الواضحة لتلك
الشبكات.
ان هذا الانهيار الاجتماعي والاقتصادي سوف ينتشر عالميا من خلال
شبكات الكمبيوتر و"الحريق الرقمي الهائل " بسرعة الضوء. ان المخاوف من
هجمات الكمبيوتر من قبل المجرمين او الدول العدوة تتصاعد بشكل حاد.
بينما من الصعوبة بمكان عمل قنابل هيدروجينية بشكل سري فإن الملايين
ستكون لديهم القدرة والموارد في يوم ما لإساءة استخدام التقنية
البيولوجية كما بإمكانهم إساءة استخدم تقنية الكمبيوتر اليوم. ان
الفيزيائي فريمان دايسون يتوقع ان يأتي الوقت الذي يستطيع فيه الاطفال
ان يقوموا بتصميم وعمل المتعضيات (اورجانيزمز) بشكل اعتيادي يشبه ما
يقوم به الجيل الحالي من اللعب بادوات الكيمياء. لو حصل ذلك فإن بيئتنا
(وحتى الجنس البشري) لن ينجو من دون ان يتأثر بذلك. أما فيما يتعلق
بتقنية الكمبيوتر فهل يجب ان نقلق من سيناريو آخر للخيال العلمي وهو ان
تطور شبكة من اجهزة الكمبيوتر عقل خاص بها وتهددنا جميعا ؟
ان البعض يرفضون مثل هذه المخاوف ويصفونها على انها نواح لا طائل من
وراءه فالمجتمعات البشرية مستمرة منذ الآلاف السنين بالرغم من العواصف
والزلازل والاوبئة ولكن هذه التهديدات التي مصدرها البشر انفسهم مختلفة
فهي تهديدات جديدة مما يعني ان لدينا خبرة محدودة فيها ويجب ان لا نكون
متفائلين بحيث نقول انه لو وقعت الكارثة فأننا سننجو او ان الحكومات
سوف تتعامل مع الموقف فنحن لس لدينا أي أساس للثقة بانه سوف يكون
بإمكاننا ان ننجو من الاسوأ الذي قد تلحقه بنا تقنيات مستقبلية أكثر
قوة.
ان المشهد الإعلامي مشبع بالقصص العلمية المثيرة وافلام هوليود عن
نهاية الزمان وتحذيرات المايا المتعلقة بنهاية الزمان مما يعني انه من
الصعوبة بمكان ان نقنع العامة ان الكوارث المحتملة يمكن ان تنشأ بشكل
غير متوقع مثل الأزمة المالية سنة 2008 وبتأثير اكبر كثيرا. ان المخاطر
الوجودية تلقى اهتماما جديا قليلا بشكل غير متناسب. ان بعض
السيناريوهات المقترحة يمكن استبعادها ولكن من المؤكد انه يتوجب علينا
تقييم أي من تلك السيناريوهات لا يمكن استبعادها ودراسة كيف يمكن
التخفيف منها.
* عضو في مجلس اللوردات البريطاني والجمعية
الفلكية الملكية، ومؤسس مشارك لمركز دراسات الخطر الوجودي في جامعة
كامبريدج
http://www.project-syndicate.org/ |