الاقتصاد ايراني... سير على عكاز مكسور

العقوبات متزايدة التأثير

 

شبكة النبأ: لايزال ملف العقوبات الاقتصادية المفروض على إيران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بسبب برنامجها النووي محط اهتمام وترقب خصوصا لدى بعض البلدان المعتمدة على النفط الإيراني والتي تضررت هي الأخرى بسبب تلك العقوبات بحسب بعض المتخصصين، الذين أكدوا على ان إيران و بالرغم من كل الإجراءات التي اتخذت لتخفيف تأثير هذه العقوبات فأنها تكبدت الكثير من الخسائر خصوصا وان اقتصادها يعتمد اقتصادها بشكل كبير على تصدير النفط الخام.

حيث أدى انخفاض الصادرات النفط وانسحاب مستثمرين وشركات الأجنبية الى إحداث نقص حاد في العملات الصعبة وهو ما أسهم بانهيار العملة الإيرانية وأضعفت التبادل التجاري لهذا البلد، الذي صنف في عام2010 وبحسب بعض المصادر كثالث أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، والتاسع والعشرين في العالم بحجم 337.9 مليار دولار. فقد شكل النفط والغاز 80% من الصادرات الإيرانيّة التي جلبت 60% من دخل الدولة.

 وفيما يخص أخر التطورات في هذا الشأن فقد أعلنت وكالة الطاقة الدولية ان العقوبات الغربية المفروضة على القطاع النفطي الإيراني كلفت الجمهورية الإسلامية 40 مليار دولار من عائدات التصدير عام 2012. وأوردت الوكالة ان مستوى الإنتاج النفطي الإيراني تراجع في كانون الثاني/يناير الى أدنى مستوياته منذ "ثلاثة عقود" ليصل الى 2,65 مليون برميل في اليوم بعدما كان 3,7 مليون برميل في اليوم قبل العقوبات الدولية التي فرضت على ايران اعتبارا من نهاية 2011.

وتابعت الوكالة في تقريرها الشهري ان "الإنتاج الإيراني بات في ادنى مستوياته منذ ثلاثة عقود" مع تراجع جديد بقيمة خمسين ألف برميل في اليوم عن كانون الاول/ديسمبر. وأوضحت ان "عملية حسابية تقريبية تكشف ان إيران خسرت أكثر من أربعين مليار دولار (حوالى 30 مليار يورو) من عائدات التصدير عام 2012، او حوالى 3,4 مليار دولار في الشهر" على أساس سعر لبرميل نفط برنت قدره 111,70 دولارا.

ورجحت وكالة الطاقة ان الإنتاج الإيراني "قد يتراجع أكثر خلال الأشهر المقبلة" بسبب سلسلة جديدة من العقوبات النفطية الأميركية دخلت حيز التنفيذ في 6 شباط/فبراير وتحظر على الدول المستوردة للنفط الإيراني ان تدفع ثمن وارداتها بالعملات الأجنبية. ويترتب على هذا الدول اما إيداع قيمة وارداتها في حساب محلي او مقايضة النفط بالبضائع.

وتبقى الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان المستوردين الرئيسيين للنفط الايراني بعدما حذا الاتحاد الأوروبي حذو الولايات المتحدة وفرض في نهاية 2011 حظرا على النفط الإيراني. ونددت طهران ب"مثال جديد على العداء (الاميركي) لايران" بعدما كانت اقرت بتراجع صادراتها بنسبة 40% منذ اذار/مارس 2012 بسبب العقوبات.

في السياق ذاته قال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية ان الولايات المتحدة سوف تستهدف الشركات التي تساعد في إخفاء شحنات النفط الإيرانية لتفادي العقوبات الغربية. وقال المسؤول الأمريكي "اخفاء منشأ الخام الإيراني أو شحن الخام الإيراني إلى بلد غير مستثنى جريمة تستوجب العقاب." وأضاف قوله "أننا ندرس بعناية وضع مجموعة متنوعة من الشركات التي نرى فيها أمثلة على مخالفات محتملة للعقوبات ونتطلع إلى استهداف الشركات التي تنخرط في هذا العمل." ورفض ذكر اسم أي من هذه الشركات.

ولم يوضح المسؤول ما هي الإجراءات التي ستتخذها واشنطن لمعاقبة الشركة لكنها يمكنها تطبيق العقوبات التي تمنع الشركات من التعامل مع الشركات الأمريكية. وأكد المسؤول الأمريكي ان واشنطن تريد أن ترى المشترين يجرون مزيدا من التخفيض لوارداتهم من النفط الإيراني ليتأهلوا لاستمرار الإعفاء من العقوبات.

وقال "سنستمر في انتظار تخفيضات إضافية كبيرة من مستوى منخفض بالفعل في الوقت الحالي." واضاف المسؤول قوله ان شركات التكرير من كوريا الجنوبية رابع أكبر مشتر للخام الإيراني يجب ان تجري تخفيضات إضافية للتعويض عن مشتريات جديدة من الخام الإيراني من شركة سامسونج توتال بتروكيميكالز.

وقد جدد المشروع المشترك الكوري الجنوبي العقد مع ايران بعد توقف استمر عاما إذ أن هبوط هوامش الأرباح في صناعة اللدائن جعلت من الصعب مقاومة الحصول على نفط رخيص من إيران. وقال المسؤول الأمريكي "الإعفاء من (العقوبات الامريكية) ينطبق على البلدان لا على الشركات. وعلى سبيل المثال فان كوريا او أي بلد مستورد آخر سيتعين عليه تحديد كيف سيجرى مزيدا من التخفيضات حتى يستمر تأهله للإعفاء من العقوبات."

الى جانب ذلك قال مسؤول كبير في شركة هندوستان بتروليوم الهندية التي تديرها الدولة إنها قد تتوقف عن شراء النفط الإيراني إذا توقفت شركات التأمين عن توفير التغطية للمنشآت التي تعالج الخام الإيراني بسبب العقوبات المفروضة على طهران. وتعتزم الشركة شراء مزيد من النفط من العراق لتعويض نقص كميات الخام الإيراني في العام المتعاقد عليه الذي يبدأ في الأول من أبريل 2013.

وسيكون أي خفض لواردات هندوستان بتروليوم من النفط الإيراني متمشيا مع هدف أشمل وضعته الهند رابع أكبر بلد مستورد للنفط في العالم وثاني أكبر مستورد للنفط من إيران بعد الصين لخفض كميات النفط التي تستوردها من الجمهورية الإسلامية. وفرضت الولايات المتحدة إجراء صارما جديدا على تمويل مثل تلك المشتريات. وقال ك. مورالي رئيس المصافي بهندوستان بتروليوم إن الشركة اشترت ما يصل إلى 46 ألف برميل يوميا من النفط الإيراني في العام الذي ينتهي في 31 مارس آذار بمقتضى عقد لشراء 40 ألف برميل يوميا مع خيار شراء 20 ألف برميل يوميا إضافية.

وأضاف مورالي أن شركته ستشتري ثلاثة ملايين برميل من طهران على أقصى تقدير خلال الفترة من ابريل نيسان إلى مايو ايار. وقد لا تتمكن هندوستان بتروليوم ثالث أكبر مشتر هندي للنفط الإيراني من الحصول على غطاء تأميني لتكرير النفط الإيراني في مصفاتين تابعتين لها عندما يحين موعد تجديد التأمين في يونيو حزيران.

ولا تقع شركات التأمين الهندية مباشرة تحت طائلة العقوبات لكنها تعتمد على سوق إعادة التأمين في الغرب في التحوط من المخاطر التي تواجهها. وقال مورالي "لا يقتصر الأمر على القيمة الاقتصادية. ثمة عوامل أخرى مثل التأمين وحين ينجلي الامر يمكننا ان نحدد إذا ما كان بوسعنا شراء النفط الايراني."

وقال مصدر مطلع "تعتمد الكميات من إيران على تأثير العقوبات. إذا تم تخفيف العقوبات أو ساعدت الحكومة في مسألة التأمين فإن الواردات من إيران يمكن أن ترتفع. لكن في الوقت الحاضر لا يريد أحد أن يخاطر." وأضاف المصدر أنه لتعويض هبوط المشتريات من النفط الإيراني فإن هندوستان بتروليوم تريد زيادة مشترياتها السنوية من شركة تسويق النفط العراقية (سومو) لتصل إلى 60 ألف برميل يوميا في العام الذي يبدأ في أبريل من 45 ألف برميل يوميا في العام الحالي.

من جانب أخر شهدت واردات الصين من النفط الخام الإيراني في يناير كانون الثاني تراجعا حادا عن الشهر نفسه من العام الماضي وعن الشهر السابق في الوقت الذي كان من المتوقع أن يؤدي فيه توسعة أسطول الناقلات التي تملكها طهران إلى التخفيف من أعطال الشحن. وأظهرت بيانات من هيئة الجمارك الصينية تراجع واردات الصين من النفط الخام الإيراني في يناير كانون الثاني بنسبة 36.8 بالمئة على أساس سنوي و47 بالمئة على أساس شهري.

وأفادت الأرقام أن الصين - أكبر مستورد للنفط الإيراني - قد اشترت 1.316 مليون طن من الخام الإيراني في يناير بما يعادل نحو 309 آلاف و906 براميل يوميا مقابل 593 ألفا و400 برميل يوميا في ديسمبر كانون الأول. وكانت الصين استوردت 490 ألفا و727 برميلا يوميا من الخام الإيراني في يناير 2012. وفي الربع الأول من 2012 تراجعت واردات الصين من الخام الإيراني بمقدار الثلث عنها قبل عام بسبب خلاف بين البلدين على شروط العقد.

والصين أكبر شريك تجاري لإيران وقد أبدت مرارا معارضتها لفرض عقوبات خارج إطار الأمم المتحدة كالتي تفرضها الولايات المتحدة. وكانت أعطال الشحن  إلى جانب خلافات العقود في الربع الأول وراء تراجع واردات الصين من الخام الإيراني في العام الماضي بنسبة أكبر من المتوقع بلغت 21 بالمئة بالمقارنة بعام 2011 إلى 21.92 مليون طن أي 438 ألفا و448 برميلا يوميا.

وأجبر الحظر الأوروبي على التغطية التأمينية للسفن التي تنقل الخام الإيراني طهران على نقل خامها للصين بسفنها الخاصة اعتبارا من يوليو تموز 2012. وقالت مصادر بقطاع النفط إن الصين قد تخفض مشترياتها ما بين خمسة وعشرة بالمئة إضافية في 2013 وفقا لمؤشرات أولية. ويعني ذلك تخفيضا قدره ما بين 20 و40 ألف برميل يوميا.

على صعيد متصل قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إن إيران ستقلص اعتمادها على إيرادات النفط وتعزز الصادرات غير النفطية في ميزانيتها لمواجهة التأثير "الشديد" للعقوبات. ونقلت وكالة أنباء فارس عن أحمدي نجاد قوله "تطورات من خارج اقتصادنا أثرت وثمة عوامل مؤثرة من الخارج. إذا أضرت تقلبات حادة بدخل النفط فإنها ستؤثر بالتأكيد" وذلك في إشارة على ما يبدو إلى العقوبات التي خفضت صادرات إيران النفطية بمقدار النصف تقريبا. وقال أحمدي نجاد "علينا أن نتجه لخفض الاعتماد على إيرادات النفط في اقتصادنا وزيادة الاعتماد على مصادر أخرى للدخل مثل الصادرات غير النفطية التي تنمو بشكل سريع."

وأدت الضغوط المالية إلى ارتفاع كبير في معدلات التضخم والبطالة وهبوط الإنتاج وتراجع حاد في الاستثمارات. وتسعى الحكومة الإيرانية لخفض إنفاقها من خلال تقييد حصول رجال الأعمال والأفراد على النقد الأجنبي وحظر استيراد المنتجات الفاخرة لاحتواء تدفق النقد الأجنبي إلى الخارج.

لكن أحمدي نجاد قال إن الصادرات غير النفطية إضافة إلى الخدمات الفنية والهندسية يمكن أن تصل إلى 75 مليار دولار العام القادم بزيادة قدرها 50 بالمئة عن الأرقام المتوقعة للسنة الحالية التي تنتهي في 19 مارس آذار. ويقول مسؤولون إيرانيون إن تلك الصادرات تشمل مكثفات الغاز والمنتجات الكيماوية والاسمنت والسيارات والمنتجات الزراعية.

من جانب اخر قال موقع وزارة النفط الإيرانية إن إيران فتحت منشأة جديدة قادرة على تخزين نصف مليون برميل من النفط في منطقة بهركان. ونقل الموقع عن محمد باقر سليمان مدير الانتاج في شركة النفط البري الإيرانية قوله أثناء الافتتاح إن الصهريج الذي تبلغ طاقته الاستيعابية 500 ألف برميل يرفع طاقة تخزين النفط في بهركان إلى أربعة ملايين برميل.

وقال إنه سيجري بناء صهريج تخزين آخر بنفس المنطقة وإن الصهريجين إلى جانب وحدة تخزين عائمة بطاقة 2.3 مليون برميل سيجعلان بهركان منطقة تخزين رئيسية للنفط. ولدى إيرن طاقة تخزين برية للنفط تتجاوز 20 مليون برميل في جزيرة خرج وخمسة ملايين أخرى في جزيرة لاوان لكن من المعتقد أن هذه المنشأت قد امتلأت عن آخرها بسبب تراجع الصادرات في العام المنقضي. وأفادت وسائل إعلام إيرانية في أواخر نوفمبر تشرين الثاني أن شركة النفط البري الإيرانية تعتزم بناء منشآت برية لتخزين ملايين البراميل في 2013 بعد تشديد القيود على الصادرات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/آذار/2013 - 29/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م