قبل أيام من بدأ الحملة الانتخابية للكيانات والقوى السياسية
المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات العراقية المقررة في العشرين من
شهر نيسان القادم، زارني في مكتبي في الجامعة شخص ما عرف نفسه على انه
منتمي إلى إحدى الكيانات السياسية التي ستخوض هذه الانتخابات، وقد
بادرني بالسؤال عن ما هو المقصود بالبرنامج الانتخابي؟ وحين استفسرت
منه عن سبب السؤال، قال: أنه من المرشحين إلى الانتخابات ومطلوب منه
إعداد برنامج انتخابي، فأجبته إن البرنامج الانتخابي هو الفلسفة
والمبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سيدخل الانتخابات من
اجل تحقيقها، فقال: وما هو المقصود بهذه الفلسفة والمبادئ، فقلت: إنها
الأجندة التي ستنافس الآخرين من اجل أن تظهر ميزتك عليهم، فقال: لكني
لم أفهم بعد، فقلت: إنها وعودك الانتخابية التي ستعد بها الناس، والتي
إذا فزت في الانتخابات، سوف تحققها لهم، عندها أجابني الآن فهمت، سأذهب
الآن من أجل تبليغ هذه الوعود للناس. فقلت في نفسي، هل وصل حال التنافس
الحزبي في بلدنا حد ترشيح بعض القوى السياسية لشخصيات لا تعرف معنى
البرنامج الانتخابي، والفلسفة والمبادئ التي يوضع على ضوئها هذا
البرنامج؟.
لا جديد تحت الشمس
إن بدء الحملات الانتخابية للقوى السياسية في 1/ 3/2013 اظهر انه لم
يتغير شيء في سماء الحياة السياسية العراقية للتقدم بالعملية
الديمقراطية إلى الأمام، فتقريبا جميع القوى والكيانات السياسية تدخل
الانتخابات بدون برامج سياسية واضحة، وتركز حملاتها الانتخابية على
الاعتبارات الشخصية - السلطوية، والمناطقية، والقبلية – العشائرية،
ومدار التنافس بينها قائم على التمحور على شخصيات معينة بحكم وجود هذه
الشخصيات في السلطة وما تمنحه السلطة لهؤلاء من هالة خادعة لشعب اعتاد
الخضوع للسلطة ورجالها كجزء من ثقافته السياسية وتكوين عقله الجمعي، أو
على الانتماء المناطقي، أو الانتماء العشائري – القبلي، فلا تجد في
دعايات أغلب الأحزاب التفات إلى هموم المواطن العراقي المرتبطة بالبنى
التحتية المهدمة والتي تحتاج إلى برنامج إصلاح اقتصادي متكامل يقلب كفة
المعادلة الاقتصادية في العراق من حالة من الفوضى والتيه الاقتصادي،
والفساد المالي والإداري، الذي يصب في مصلحة نخبة معينة إلى مصلحة
الأغلبية المحرومة من العراقيين، كما لا تجد برنامجا سياسيا واضحا،
ينقذ البلد من الأزمات والصراعات السياسية التي تهدد بتقسيمه وتشرذم
مكوناته بتأثير عوامل داخلية وخارجية عدة، كما لا تجد برنامجا اجتماعيا
يحمي المواطن، ويحفظ حقوقه وحرياته الأساسية، ويكفل المساواة بين الناس،
ويرسم حدود العلاقة بين الرجل والمرأة، وعلاقة الدين بالدولة، ويعمل
على تقليص نسب الطلاق والجريمة، وتوسيع برنامج الضمانات الصحية
والاجتماعية..
نعم لا توجد هكذا برامج، وان وجد بعضها فمقتصر على الوضع في أدراج
المكاتب لإغراض تسجيل الكيانات السياسية وتيسير دخولها إلى حلبة الصراع
الانتخابي، فمن يتجول في شوارع المدن العراقية هذه الأيام يجد أنها
تزدان بصور المرشحين، التي يتفاخر أصحابها بانتماءاتهم الضيقة لجعلها
وسيلة للنجاح في الانتخابات، ويبدو أن هناك اعتقاد بين المرشحين مفاده:
انه كلما كبر حجم الصورة كان النجاح في الانتخابات مضمون أكثر.
بصراحة إن هذا الواقع الذي تجري فيه الانتخابات لا يبشر بخير، فحلم
كل شعب هو أن يعيش في دولة مدنية تحقق رفاهه الاقتصادي، وتضمن حرياته
العامة، وقديما قال جون لوك في عقده الاجتماعي: إن بناء الدولة المدنية
لا يكون إلا عندما يشعر الساسة بأن المصلحة العامة مقدمة على المصالح
الشخصية الضيقة، وهذا ما لا تراه في ثنايا وخبايا الحملات الانتخابية
الجارية حاليا.
لكي لا تتكرر أخطاء الأمس القريب
تواجه العملية السياسية في العراق منذ عام 2003 حقيقة أن التنافس
الحزبي بين القوى السياسية كان منقوصا، وكان التصارع على السلطة بديلا
عن التنافس الحر النزيه، فقاد هذا التصارع إلى أخطاء كارثية تهدد وحدة
وأمن البلد بمجمله، ابتداء من الاستعجال في كتابة دستور تثار حوله
الشبهات، مرورا بعدم الالتزام بنصوص هذا الدستور عند تشكيل الحكومة،
وعدم وضوح الفلسفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يقوم عليها
نظام الحكم، وعدم التوزيع العادل للثروة والدخل، واستمرار العجز في
بناء المؤسسة العسكرية والأمنية، وتصاعد معدلات الفساد المالي والإداري
والعنف والجريمة والبطالة والتباعد بين المكونات السياسية للشعب،
وترسيخ قاعدة الولاء الشخصي والحزبي والطائفي بديلا عن قاعدة الجدارة
والكفاءة، وعدم النجاح في تطبيق برنامج واضح للعدالة الانتقالية، وعدم
إجراء إحصاء عام للسكان على الرغم من تهيئة كافة مستلزمات إجرائه بحسب
وزارة التخطيط العراقية، وتأخر مخل في تشريع القوانين الجديدة وتعديل
أو إلغاء القوانين القديمة، وضياع بوصلة الساسة في رسم ملامح واضحة
تحدد اتجاه السياسة الخارجية للبلد.. وغيرها من المشاكل والتحديات
الكثيرة التي زادت وتفاقمت بسبب عدم استناد التنافس الحزبي بين القوى
المتسيدة على الساحة السياسية إلى برامج سياسية واضحة.
ويحتاج صانع القرار والقوى السياسية في العراق إلى عدم تكرار
الأخطاء الماضي عند خوض الانتخابات القادمة سواء كانت على مستوى مجالس
المحافظات أم على مستوى البرلمان الاتحادي، لان تكرارها سوف تكون
نتائجه غير محمودة على الجميع، لاسيما عندما تأتي الانتخابات بشخصيات
هزيلة لا تعرف ألف باء السياسة، ولا تكون متعقلة وحكيمة في اتخاذ
قراراتها، فمن شأن هكذا نتيجة أن تفاقم النقمة الشعبية المتصاعدة،
وتوسع الفجوة المتسعة أصلا بين الشعب وحكومته، وتغرق البلد في صراعات
أشد تبدو بوادرها واضحة جلية بين قواه السياسية في وقت تظهر أكثر
التحليلات تفاؤلا أن المنطقة مقبلة على صراعات متميزة مدعومة بنتائج
الصراع في سوريا، ومخرجات الملف النووي الإيراني، وحالة الاستقطابات
الشديدة بين القوى الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط.
ما هو المطلوب في إعداد الأحزاب والقوى
السياسية لبرامجها الانتخابية؟
تحتاج القوى السياسية التي ستخوض الانتخابات أن لا تقع رهينة
الاعتقاد بأن توفير الخبز للعراقيين يكفي لوحده لبناء الدولة، وإخماد
الاحتجاجات لدى الرأي العام، فالتنمية الاقتصادية بلا تنمية سياسية
واجتماعية موازية ستكون خاطئة، فبقدر ما يحتاج الناس إلى رفع دخلهم
المعاشي، وتأمين حاجاتهم الأساسية، و ضمان أمنهم الاقتصادي وأمن
عوائلهم، وتحقيق العدالة في توزيع الدخل والثروة، فهم بحاجة إلى ضمان
حرياتهم العامة، وإصلاح نظامهم السياسي، وترسيخ منظومة صالحة للقيم
السياسية، وقواعد صحيحة للممارسة السياسية، وحفظ كيانهم الاجتماعي،
ومساواتهم السياسية بصرف النظر عن الدين والمذهب والعرق والعشيرة
والمنطقة.. وما هذه الثورات في الدول العربية منذ عام 2011 إلا نتيجة
الاعتقاد الخاطئ لأنظمتها بأن تحقيق التنمية الاقتصادية لوحدها يضمن
البقاء السياسية لنظام الحكم.
إذن تحتاج القوى السياسية إلى اعتماد نظرية التنمية متوازية
المسارات وهي تضع برامجها السياسية، وأن تكون جادة في تطبيق هذه
البرامج، واعتماد هكذا نظرية يتطلب منها عدم التركيز قصير النظر على
الفوز في الانتخابات بأي ثمن، ونسيان ضرورة بناء الدولة، كما يتطلب
منها عدم وضع برامجها بشكل مستعجل خلف الكواليس، ومراجعة الخبراء
والمستشارين وأهل الكفاءة للاستفادة منهم وجعلهم في موقع المسؤولية
للنجاح في هذا المسعى.
هل سيشارك الشعب بفاعلية في الانتخابات؟
يبدو عند استقراء رأي الشارع العراقي، أن هناك إحباطا لدى المواطن
من نوابه السابقين والحاليين، ستنعكس نتائجه على الانتخابات القادمة،
التي ستكون نسبة مشاركة المواطن فيها محدودة قياسا إلى الانتخابات
الماضية، وستكون نتائج ذلك في حال تحققه فعلا، عدم بروز قوى سياسية
مؤثرة جديدة في المشهد السياسي العراقي، مما يبقي الحال على ما هو
عليه، ونتائج ذلك ستصب في غير صالح العراقيين على مستوى القمة
والقاعدة، لأن عدم حصول تغيير حقيقي سيبقي الخلافات والصراعات القائمة
ويزيدها حدة، كما أنه لن يشجع أو يجبر القوى السياسية على اتخاذ خطوات
جادة باتجاه التغيير لمصلحة بناء الدولة وخدمة المواطن.
* مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات
الإستراتيجية
www.fcdrs.com
khalidchyad@yahoo.com
Phone: 964+7812515381 |