في يومها العالمي... المرأة تنتفض لأجل قامعها

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل عام في مثل هذه الايام يعود الحديث بكثرة عن المرأة وانتهاك حقوقها، ثم يخفت تدريجيا الا من بعض الاحاديث القليلة بين فترة واخرى، عن حالات معينة، كالاغتصاب والعنف والانتحار والقتل، وغيرها من مواضيع لاملاء حيز مكاني في الصحف او التلفاز لا اكثر او اقل.

الحملات التي تنتفض لاتساهم في الحد من الانتهاكات، والارقام تؤكد ذلك.. فهي في ارتفاع مستمر ومتواصل... هناك اسباب كثيرة يؤكد عليها المتحدثون عن تلك الانتهاكات، منها الاسباب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية في حالات الاضطراب السياسي والنزاعات المسلحة.. وهي اسباب يكاد يتفق الجميع على دورها الكبير، مجتمعة او متفرقة على استمرار هذا الانتهاك المتواصل لكيان المراة ومكانتها.

لكن قليلين يتطرقون الى دور المراة في مثل هذه الانتهاكات وتشجيعها الرجل على ارتكابها بحقها عن جهل او علم بذلك... اعرف الكثير من تلك الحالات، وارتبط معهم بعلاقات صداقة او قرابة، احداها لشدة تعجبي منها دائما ما اردد عبارة (هنيئا لك يافلان) فرغم جميع مايفعله بزوجته الا انها تنقاد اليه انقيادا اعمى، وتحرص على مشاعره، وتداري رغباته، والادهى والامرّ من ذلك انها حملت منه ثانية، بعد عشرين عاما من الذل والقهر، وهي سعيدة بهذا الحمل الذي افرح قلب جلادها.

خلال الايام القليلة الماضية، ثلاثة اخبار تحكي الصورة المرة لهذا القبول من قبل المراة باتباع الرجل اتباعا اعمى، وعدم الرغبة بالخروج من تحت عباءته الذكورية.

الخبر الاول من الفلوجة، حيث نساءها يتظاهرن ويهددن الحكومة بـ(انتفاضة لاترحم). ليس حديثي في وارد الانتفاض والثورة، بل مارفعته المتظاهرات من شعارات، كتبها الرجال لهن وتطوعن لحملها دون تفكير او تدبير، وهي نفس الشعارات التي يرفعها الرجال حصرا في اماكن اخرى في سوق عكاظ للتظاهرات.

رفعت المتظاهرات لافتات وشعارات منها (ارحل ارحل يا ظالم انت وكل صفوي قادم) و(جمعة ورة جمعة المالكي انطلعة) و (ايران برة برة بغداد تبقى حرة) و (قادمون يابغداد) و (اين انت يامعتصم لقد تأخرت علينا).

من علم المراة، الزوجة والام والابنة والاخت، ان تكون طائفية هكذا؟ وكيف ارتضت ان تحمل مثل تلك الشعارات؟

الخبر الثاني سبق ذلك بايام، حيث ذكرت منظمة وارفين للدفاع عن قضايا المرأة أن نسبة العنف الموجه ضد المرأة في باقي مناطق العراق وصلت إلى 70%.

وكشفت المنظمة الكوردية عن نتائج استطلاع قامت به في 15 محافظة عراقية باستثناء محافظات إقليم كوردستان الثلاث.

وعن سبب اختيارها 15 محافظة عراقية خارج نطاق اقليم كوردستان اجابت رئيسة المنظمة بالقول (هم دائما يقولون في المحافل الدولية ان العنف الموجه ضد المرأة في الاقليم في ارتفاع وبدأوا يستخدموه كأداة سياسية ضد الإقليم وللإساءة الى سمعة الإقليم، قمنا باجراء هذا الاستطلاع لنعرف مدى صدقهم في اقوالهم).

واستطردت رئيسة المنظمة (في هذا الاستبيان تم الاستناد على النماذج العشوائية الكثيرة والمراحل المتتالية ومجتمع البحث عبارة عن العراق ماعدا اقليم كوردستان لان الاقليم له طبيعته الخاصة وفي الكثير من الاوجه له اختلافات مع الاجزاء الاخرى من العراق).

المنظمة الكردية المذكورة، لم يستفزها حجم العنف ضد المراة وانتشاره في المجتمع العراقي، بل استفزها ذكر حجمه في الاقليم تحديدا، مما يعني تشويه سمعة الاقليم، وكانها ايضا تحاول التبرير للعنف او التعمية عليه، باستطرادها ان الاقليم له وضعه الخاص واختلافه عن باقي مناطق العراق، والعنف فيه ضد النساء خفيف ولطيف وظريف.

الخبر الثالث من العام الماضي وهو اقرب الى الهلوسات منه الى الحقائق، وهي هلوسات تعودنا عليها من (النائبات – النايبات) العراقيات، حيث عدت النائبة عن كتلة الفضيلة سوزان السعد حالات العنف ضد المرأة في العراق فردية ولا يمكن تعميمها على المجتمع باكمله.

وقالت السعد إن (المجتمع العراقي ملتزم ومتخلق باخلاق الاسلام الحنيف الداعية الى رعاية حقوق المرأة وعدم بخسها لانها نصف المجتمع وعماده).

وأكدت السعد ان (ما يتناقل عن وجود انتهاكات اجتماعية واسعة لحقوق المرأة في العراق مبالغ فيها لانها تمثل حالات فردية لا يمكن تعميمها على المجتمع).

والنائبة هنا قد لاتعرف شيئا، او انها تعرف وتنكر ذلك، مثلما يحدث كثيرا في المماحكات والمناكفات السياسية، وقلب الحقائق والوقائع.. وهي في انكارها كأنها تشجع على تلك الانتهاكات، وتطالب بالمزيد منها لكي تكون ظاهرة لاوجود للمبالغات فيها..

ما يجمع تلك الاخبار الثلاثة، ان المراة في المجتمع العراقي، لازالت تابعة للرجل في حله وترحاله، وفي قهره واستبداده، وهي لاتتوانى في الدفاع عن وضعها المستلب وعن كيانها المهدور ارضاء للنزعة الذكورية السائدة في هذا المجتمع..

شعارات الخبر الاول، ومناكفات الخبر الثاني، وانكار الخبر الثالث، هو مايجعل من كل حراك اجتماعي تقوم به الكثير من النساء او الرجال في الدفاع عن المراة وحقوقها، لايؤتي اكله، ولايتقدم نحو الامام خطوة واحدة، بل ان ذلك يساهم في التراجع الكبير الذي قد تحققه المراة في ميادين الحياة والعمل.

وهو ما يظهر جليا في احدث استبيان اجراه منتدى الإعلاميات العراقيات، واظهر تعرض 68% من بين 200 صحفية شملهن الاستبيان للتحرش الجنسي، سواء اللفظي او محاولة الاعتداء عليهن. وواصلن 42% من أولئك الصحفيات العمل بعد تعرضهن للتحرش، فيما تركن 45% منهن العمل، و13% تم طردهن بعد التحرش بهن.

وأظهر الاستبيان أن 67% من الـ200 صحفية المشمولات به شكون من غياب تكافؤ الفرص في مواقع المسؤولية ومواقع صنع القرار. وأشار الى أن هناك مشاكل أخرى تتعرض لها الصحفية شخصت في نتائج الاستبيان الذي أعده المنتدى والذي تضمن أرقاما مخيفة عن مشاكل حقيقية تواجهها المرأة الصحفية في العراق، لعل أهمها التحرش الجنسي الذي يزداد في الأعمار ما بين 20- 30 عاماً، فضلا على مشكلة غياب تكافؤ الفرص للنساء العاملات في المجال الإعلامي.

الاستبيان يكشف عن تجذر النظرة الدونية للمراة في المجتمع العراقي، وهي قد وصلت الى مايفترض ان تكون نخبة التغيير وهي المؤسسات الصحفية، ويكشف عن حقيقة اخرى، وهي انه لولا هذا الاستبيان لبقيت المشكلة طي الكتمان، وهو مايكشف بالتالي عن حجم المشكلة في قطاعات اخرى من المجتمع، لم تخضع لدراسة او تقديم نتائج استبيانية عن حجم الانتهاكات فيها... وقد يكون مرد ذلك الى اسباب اجتماعية بالدرجة الاولى، ومنها الخوف من الفضيحة، التي عادة ماتكون المراة ضحية لها.

نحتاج الى انتفاضة من المراة ضد القوالب الجاهزة التي وضعها الرجل فيها، وقتها يمكن الحديث عن تقدم ملموس في نيل حقوقها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 10/آذار/2013 - 28/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م