الحرب في مالي... حسم بعيد المنال

 

شبكة النبأ: يتواصل القتال بين الجيش الفرنسي وباقي القوات المتحالفة ضد الجماعات الإسلامية المسلحة التي كانت تسيطر على بعض المدن في مالي، وبحسب بعض المحللين فأن النتائج الأخيرة قد تكون هي نتائج الحسم النهائي لجولة المعركة الميدانية الأولى، خصوصا بعد التقدم الميداني ملموس الذي تحقق جراء المعارك السابقة التي أسهمت بأضعاف قدرات الجماعات المسلحة وأجبرتها على ترك مواقعها، لكنهم أكدوا على ان هذه المعركة ستشهد تحول في الخطط القتالية للمجاميع المتطرفة المنتمية لتنظيم القاعدة والمنتشرة في العديد من المناطق والدول خصوصا بعد ان فقدت بعض قادتها في هذه المعركة، الأمر الذي قد يحفزهم للقيام ببعض العمليات الانتقامية التي قد تسهم بتغير النتائج الحالية وقد يؤدي الى إطالة أمد المعركة التي تسعى فرنسا الى إنهائها بأقل الخسائر. وفي هذا الشأن ويواصل 1200 جندي فرنسي معززين ب800 جندي تشادي ملاحقة المسلحين الاسلاميين وقادتهم في شمال شرق مالي. يشاركهم الجنود الماليون أساسا كإدلاء للجنود الفرنسيين والتشاديين. وبحسب قيادة أركان الجيش الفرنسي فان المنطقة الرئيسية للعملية تقع جنوب شرق تيساليت في جبال ايفوقاس. وهي منطقة شاسعة طولها 25 كلم وكذلك عرضها تقريبا، يحاول المسلحون الإسلاميون إبقاء سيطرتهم عليها باي ثمن.

وهي منطقة تتميز بالمضائق والأودية التي تتيح الاختباء. وقال العقيد تييري بوركار المتحدث باسم قيادة الاركان الفرنسية اثناء لقاء اعلامي لوزارة الدفاع الفرنسية "اننا نواجه ارهابيين مصممين جدا يعولون على معرفتهم الجيدة بالمنطقة التي اقاموا فيها مواقع دفاعية" مثل مراكز القتال ومواقع تحت الارض. واضاف المتحدث ان الاسلاميين ينفذون "عمليات يائسة" مشيرا الى "رسم عملياتهم لا يشير الى فك اشتباك. كما انه ليس هناك في خطتهم رغبة في محاولة للتسلل" خارج منطقة القتال. وعلق المتحدث "انه قتال للدفاع عن النفس دون تفكير في التراجع، لكنه مكلف جدا في مستوى الارواح البشرية".

في السياق ذاته أعلنت قيادة أركان الجيش التشادي في بيان ان الجيش قتل الزعيم الإسلامي مختار بلمختار في جبال ايفوقاس في شمال مالي. وجاء في البيان ان "القوات التشادية في مالي دمرت بشكل كامل القاعدة الأساسية للجهاديين في ادرار في جبال ايفوقاس وبالتحديد في وادي اميتيتاي موضحا ان عدة إرهابيين قتلوا بينهم زعيمهم مختار بلمختار المعروف بالأعور".

وكان بلمختار احد قادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قبل ان ينشق عنها في تشرين الاول/اكتوبر الماضي. وفي مطلع كانون الاول/ديسمبر، اعلن بلمختار تأسيس كتيبة جديدة من المقاتلين تحمل اسم "الموقعون بالدماء"، وهي الكتيبة التي اعلنت مسؤوليتها عن الهجوم الذي استهدف موقعا للغاز في ان اميناس في جنوب شرق الجزائر في كانون الثاني/يناير الماضي ما ادى بعد تدخل الجيش الجزائري الى مقتل 34 رهينة و15 من المهاجمين الخاطفين. وتنشر تشاد اكثر من الفي جندي في مالي وهم يقاتلون مع الجيش الفرنسي في جبال ايفوقاس حيث يتمركز المقاتلون الاسلاميون منذ انسحابهم من المدن في شمال مالي اثر تدخل الجيش الفرنسي.

وجاء مقتل بلمختار بعد يوم من إعلان الرئيس التشادي ادريس ديبي أن القوات التشادية قتلت عبد الحميد ابو زيد، وهو احد ابرز قادة القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي خلال مواجهات شمالي مالي. وقيل إن أجهزة الأمن الجزائرية قد اخذت عينات من الحمض النووي من اثنين من اقارب من ابو زيد لمقارنتها مع جثته. وذكرت صحيفة الخبر الجزائرية ان ضباطا في اجهزة الامن الجزائرية عاينوا الجثة التي قيل انها لابو زيد في موقع عسكري في شمال مالي وتعرفوا على سلاحه الشخصي واضافت "ان الضباط الذين كانوا يلاحقون ابو زيد منذ اعوام تعرفوا على سلاحه الذي كان في حوزة الفرنسيين، لكنهم لم يتمكنوا من التحقق رسميا من انها جثته". واوضحت نقلا عن مسؤول امني جزائري ان لا القوات الفرنسية ولا المالية تمكنت ايضا من التعرف على الجثة. ويبدي ايضا بعض الخبراء شكوكا في ان يكون ابو زيد قتل فعلا.

وايا كان الامر فان الاعلان عن مقتل ابو زيد يؤجج المخاوف على مصير الرهائن الفرنسيين في الساحل وبينهم ستة على الاقل في ايدي القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي. ويقول باسكال لوبار رئيس لجنة دعم الرهينتين اللذين خطفا في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 في مالي انه يخشى ان يتعرضا للقتل اذا كان ابو زيد قتل فعلا. وقال "يمكن جدا ان يقرر الخاطفون قتلهما انتقاما لموت زعيمهم". ويرى غيدار انه "عندما يتعرض الجهاديون للهجوم فانهم يلجاون بانتظام الى الانتقام من الرهائن".

وقال رينيه روبرت جد بيار لوغران احد الرهائن الفرنسيين في يد القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي ان قلقه "تضاعف". وقال ان "التدخل العسكري يعرض بوضوح حياة الرهائن للخطر" مشيرا الى العملية التي اطلقها الجيش الفرنسي في 11 كانون الثاني/يناير مع الجيش المالي لطرد القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وباقي الجماعات الاسلامية من شمال البلاد. في المقابل اشار مسؤول امني مالي الى ان وفاة ابو زيد اذا ما تاكدت ستكون "ضربة قاسية للقاعدة في بلاد المغرب الاسلامي" محذرا في الوقت نفسه من ان ذلك "لا يعني على الاطلاق موتها او انتهائها".

على صعيد متصل كشف وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن تكلفة الحرب التي تشنها فرنسا ضد الإرهابيين في شمال مالي وصلت إلى 70 مليون يورو. لكن فابيوس يأمل أن تأخذ القوات المالية والأفريقية المشعل لكي تخفف من العبء الاقتصادي الذي تعاني منه بلاده. وصلت تكلفة الحرب الفرنسية في مالي حسب لوران فابيوس إلى حوالي 70 مليون يورو، أي حوالي مليونين ونصف مليون يورو يوميا.

وزير الخارجية الفرنسي اعترف في حوار مع قناة "بي أف أم" الفرنسية أن هذا المبلغ يشكل عبئا على الخزينة الفرنسية، لكنه في الوقت نفسه سمح بالقضاء على عدد كبير من الإسلاميين المتطرفين في شمال مالي". وكان وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان أكد بدوره أن 50 مليون يورو من بين 70 مليون خصصت فقط لنقل القوات الفرنسية وعتادها العسكري. وقال: "لقد قمنا بإيصال حوالي 1000 طن من العتاد العسكري إلى مالي في غضون 15 يوما فقط"، مضيفا أن 5 مليون يورو قدمت كعلاوات إضافية للجنود الفرنسيين المتواجدين هناك.

ويرى الصحافي المتخصص في الشؤون الأفريقية في إذاعة فرنسا الدولية جان جاك لوارن، أن رغم امتلاك وزارة الدفاع لحوالي 600 مليون يورو تخصصها فقط لتمويل العمليات العسكرية الفرنسية في الخارج، إلا أن صرف 70 مليون يورو خلال شهر واحد فقط يبدو مرتفعا نوعا ما مقارنة بما تم صرفه خلال العمليات العسكرية في ليبيا والتي دامت سبعة أشهر.

وأضاف أن ثقل النفقات جعل الحكومة الفرنسية تبحث عن خيار ثان، كإرسال قوات أممية لحفظ السلام وأخرى أفريقية إلى شمال مالي، مشيرا أن باريس تحاول أن تتقاسم هذا العبء المالي مع بعض الدول الأوروبية وأمريكا كونها تحارب الإرهاب، وهو خطر يمكن أن يمس جميع الدول، لا سيما الدول الأوروبية التي تطل على المتوسط.

وفي خطوة لتخفيف تكلفة التدخل العسكري الفرنسي في مالي، أكد لوران فابيوس أن فرنسا لن تبقى إلى الأبد في هذا البلد وستبدأ في تقليص عدد جنودها تدريجيا ابتداء من شهر مارس/آذار ، موضحا أن هذا لا يعني أن فرنسا ستغادر كليا مالي، لكنها ستسلم المشعل للجنود الماليين والأفارقة". وكان جان لوك ملنشون، زعيم جبهة اليسار، انتقد التدخل الفرنسي في مالي كونه، حسب رأيه، من جهة غير ضروري ومن جهة أخرى يكلف أموالا باهظة لدافعي الضرائب الفرنسيين. وكان ملنشون من بين السياسيين الأوائل الذين كشفوا أن الحرب في مالي تكلف حوالي مليوني يورو للفرنسيين يوميا، وهذا ما جلب عليه انتقادات لاذعة من قبل الطبقة السياسية الفرنسية آنذاك.

الى جانب ذلك عثر صحفيون على وثيقة خلفتها الجماعات المسلحة في تمبوكتو، شمالي مالي، تحتوي على نصائح وتوجيهات لهم بعدم التسرع في فرض الشريعة الإسلامية. وقد كتب نص الوثيقة زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، عبد المالك دروكدال، بتاريخ 20 يوليو/تموز 2012، أي بعد أربعة أشهر من سيطرة تحالف الجماعات الإسلامية المسلحة مع المتمردين الطوارق على شمال مالي. ويقول دروكدال في توجيهاته "إن مشروع الجهاد في مالي لا يزال رضيعا يحبو في أيامه الأولى". وينتقد أتباعه لأنهم سمحوا بتدمير الأضرحة، التي يعتبرونها طريقا للشرك بالله. وكان تدمير الأضرحة هو الذي أثار انتباه العالم إلى شمالي مالي.

وتنبأ دروكدال أيضا بتدخل الجيش الفرنسي في شمالي مالي، وهو ما حدث فعلا، حيث قامت القوات الفرنسية بإبعاد الجماعات المسلحة من أكبر المدن في مالي مطلع هذا العام. وتبين توجيهات دروكدال أنه يرى بعض الجماعات المسلحة متهورة في سلوكها، ولابد من كبح جماحها لتتبع منهجا لينا من أجل الوصول إلى هدف إقامة الدولة التي يتصورونها.

ويصف دروكدال رسالته بأنها "جملة من التوجيهات والنصائح .. إلى الإخوة الأمراء في الصحراء".

وتدعو، في جوهرها، إلى توخي الحذر لتجنب "تدخل مرتقب إن لم يكن مؤكدا من القوى الغربية". وينصح زعيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أتباعه، وأغلبهم جزائريون، "بالاختفاء عن الواجهة".

فالاستراتيجية التي يراها دروكدال هي ضم عناصر من أهل المنطقة وإشراكهم في قيادة الجهاد، وتبعاته إذا تدخلت القوى الغربية وحصلت الهزيمة. "فالهدف من ذلك هو تفادي عزلة مجاهدينا في المجتمع وتحقيق اندماجهم مع مختلف الفصائل، بما فيها القبائل الكبيرة وأبرز حركات التمرد وزعماء العشائر".

فالغاية من رسالة دروكدال جهادية خالصة ولكن أسلوبها تكتيكي وقيادي، على عكس الصورة المتحمسة والمتطرفة، التي ينقلها الغرب عن الإسلاميين المتشددين. وينتقد دروكدال بشدة "السياسات الخاطئة والتسرع الذي طبقتم به الشريعة". ويذكر خطأين كبيرين "أود ألا تقعوا فيهما مرة أخرى": أولهما تدمير الأضرحة، "لأننا لا نتمتع بالقوة داخليا، وهناك إمكانية لتدخل خارجي تنجر عنه نتائج وخيمة، والثاني تطبيق الحدود، حيث منعتم النساء من الخروج والأطفال من اللعب، وهو مخالف لسياستنا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7/آذار/2013 - 25/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م