الكنيسة الكاثوليكية... من بنديكت السادس عشر الى المجهول

 

شبكة النبأ: تستعد الكنيسة الكاثوليكية الشاغرة اليوم الى اختيار زعيم جديد يخلف البابا بنديكت السادس عشر الذي استقال من منصبة بشكل المفاجئ أثار الكثير من الأسئلة والاستفسارات حول هذا القرار الصعب و الخارج عن التقاليد المتبعة في الكنيسة، وبحسب بعض المراقبين فأن استقالة البابا تؤكد وبالدليل القاطع مدى خطورة الوضع داخل الكنيسة التي تعج بالصراعات والخلافات والفضائح التي تفاقمت بسبب ضعف البابا بقيادة وإدارة شؤون الكنيسة، مضيفين في الوقت ذاته على ان هذا القرار ربما يكون خطوه استباقيه خوفا من ظهور المزيد من الفضائح الخاصة التي قد تمس شخص البابا نفسه التي قد تطرح في المستقبل بعد سرقة العديد من الوثائق السرية المهمة.

وغادر البابا بنديكتوس السادس عشر منصبه على رأس الكنيسة الكاثوليكية رسميا، في انتظار أن ينتخب خليفة له. وتعهد البابا المستقيل، بأن يظهر "طاعة واحتراما غير مشروطين" لخليفته في الكرسي الرسولي. وكان بنديكتوس السادس عشر يتحدث في مقر الكرسي البابوي إلى الكرادلة الذين سيكون عليهم اختيار خليفته، قبل ساعات من سريان قرار استقالته.

وقد أعلن بنديكتوس السادس عشر تنحيه عن الكرسي الرسولي وهو في الخامسة والثمانين من العمر، ليكون أول بابا يستقيل منذ القرون الوسطى. وخاطب بنديكتوس السادس عشر الكرادلة قائلا "بينكم يوجد أيضا البابا القادم الذي أعده بأن أظهر له طاعة واحتراما غير مشروطين". وودع البابا مساعديه، قبل أن تنقله مروحية إلى دير في قرية كاستيل غوندولفو المقر الصيفي للبابوات، والتي لا تبعد كثيرا عن الفاتيكان، وحيث سيقضي نحو شهرين، ريثما يختار الكرادلة خليفته.

وقد ألقى بنديكتوس السادس عشر عظة وداع في ساحة القديس بطرس ألمح فيها إلى صراعات داخلية داخل الفاتيكان، وشكر فيها "المؤمنين" لاحترامهم قراره بالاستقالة، وهو قرار قال إنه لمصلحة الكنيسة. وقال بنديكتوس "كانت هناك لحظات من السعادة شعَ فيها النور، لكن كانت هناك أيضا لحظات أخرى لم تكن سهلة".

لكن بعض الأصوات في الكنيسة الكاثوليكية ارتفعت تنتقد قرار بنديكتوس السادس عشر بالتنحي. فقد شكك الكاردينال جورج بيل كبير أساقفة أستراليا في قدرة البابا المستقيل على قيادة الكنيسة الكاثوليكية. وقال بيل متحدثا من روما لقناة تلفزية إن البابا المستقيل كان "معلما فذا"، لكن "الإدارة لم تكن نقطة قوته"، مبديا أمله في أن يرى خليفة له "يقود الكنيسة ويلملم أطرافها". كما أبدى بيل تخوفه من أن ترسي الاستقالة سابقة مقلقة للكنيسة الكاثوليكية، لأن "الناس الذين لن يوافقوا، مثلا، البابا القادم الرأي، سيشنون حملة لدفعه إلى الاستقالة".

وقد أضرت مجموعة من الفضائح الجنسية تورط فيها قساوسة كاثوليك بسمعة الفاتيكان، إضافة إلى تسريب وثائق سرية تتحدث عن فساد وصراعات داخلية. وسيكون على البابا القادم معالجة مشكلة البيروقراطية في الكرسي الرسولي، الذي بدا حتى الآن متلكئا في تناول هذه الفضائح علنا. وسيسلم مقاليد إدارة أمور الكنيسة الكاثوليكية التي ينتمي إليها 1.2 مليار نسمة إلى خليفته المؤقت الكاردينال تارتشيزيو بيرتوني.

وقال بنديكتوس السادس عشر إنه لن يتدخل في شؤون البابوية مستقبلا، لكنه أشار إلى أنه قد يقدم النصح. وانتهت رسميا بابوية بنديكتوس السادس عشر، وهو ما سينعكس رمزيا في انسحاب الحرس السويسري الذي يرابط عند بوابة كاستل غاندولوفو ليعود الحرس إلى الفاتيكان. وقرر الفاتيكان منح البابا المستقيل البابا بنيديكتوس السادس عشر لقباً فخرياً هو (البابا إميريتوس) مع احتفاظه بلقبه الشرفي صاحب القداسة كما يواصل الاحتفاظ أيضا باسم البابا بنيديكتوس السادس عشر، وعادة ما يُمنح لقب إميريتوس للأساقفة والأساتذة الأكاديميين الذين يتخلون عن مواقعهم ليتسنى لهم الحفاظ على ألقاب البروفيسور والأسقفية.

وقال الناطق الرسمي للفاتيكان الأنبا فيديريكو لومباردي أن "البابا الذي سيخلى عن كرسي البابوية سيكون بإمكانه وضع الرداء البابوي المتميز ولكن بغير الزركشات المعهودة أو التاج البابوي". ويتعين على البابا تسليم خاتم البابوية الذهبي، وسوف يتوقف عن ارتداء الأحذية الجلدية المريحة التي تتميز بكونها بلا كعب التي صنعت خصيصا له ليرتدي بدلا عنها أحذية يدوية الصنع بنية اللون صنعها له حرفي بالمكسيك عند زيارته لها في العام الماضي.

وتبدأ مؤتمرات للكرادلة ابتداءاً من الرابع من مارس/آذار المقبل للبحث في المشكلات التي تواجها الكنيسة الكاثوليكية وتحديد موعد لبداية عملية الانتخابات السرية لخليفة البابا، وسينتخب البابا الجديد مئة وخمسة عشر كردينالا جميعهم دون الثمانين في الكنيسة السيستينية الصغري. وعين البابا الحالي سبعة وستين منهم أما البقية فقد عينهم سلفه البابا جون بول الثاني، ويتطلب إعلان البابا الجديد فوزه بثلثي الأصوات مضافا اليها صوت واحد. ويمثل الأوربيون بين الناخبين ستين كردينالا منهم واحد وعشرون ايطاليون سبق للكثيرين منهم العمل في الجهاز الإداري للكنيسة.

في السياق ذاته انتقد كبير المتحدثين باسم الفاتيكان وسائل الإعلام لنقلها "معلومات مضللة" عن استقالة البابا. وقال الاب فيديريكو لومباردي إن البعض حاول ان يتكسب من وقت تخبط في الكنيسة الكاثوليكية لنشر "الشائعات" و"الافتراءات". وجاءت تعليقات لومباردي في افتتاحية نشرت في موقع اذاعة الفاتيكان على الانترنت. ونشرت الصحف الايطالية والدولية مقالات تزعم وجود فساد في الفاتيكان.

ويشير تقرير غير مؤكد في صحيفة ريبوبليكا، وهي واحدة من اشهر الصحف الايطالية، الى ان البابا استقال بعيد عرض ملف يحوي تفاصيل عن مجموعة من قساوسة الفاتيكان "يجمعهم ميلهم الجنسي" ويتعرضون للابتزاز. وقال لومباردي "الذي يسيطر على عقله الجنس والمال والسلطة يرى العالم من خلال هذه المعايير ولا يمكنه رؤية خلاف ذلك حتى في نظرته للكنيسة". وأضاف "نظرتهم لا تصل الى الاعالى او الأعماق لفهم الأبعاد الروحية ودوافع الوجود". وفي العام كل البابا ثلاثة كرادلة متقاعدين للتحقيق في فضيحة عرفت باسم "تسريبات الفاتيكان". كما ادين خادم البابا بسرقة اوراق من مكتبه، ثم عفي عنه.

وولد الكاردينال راتسينجر في عام 1927، واختير ليكون بابا الفاتيكان تحت إسم البابا بنديكت السادس عشر عام 2005. كانت عائلته البافارية متمسكة بالتقاليد تمتهن الزراعة، لكن والده كان يعمل شرطيا. وكانت دراسته في معهد للاهوت قد انقطعت بسبب الحرب التي جند خلالها للخدمة في وحدة للدفاع الجوي في ميونيخ. وكان راتسينجر عضوا بارزا في كلية الكرادلة. وعمل أسقفا لمدينة ميونيخ قبل انتقاله إلى روما في عام 1981.

ومنذ ذلك الوقت، كان أحد أقرب مستشاري البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، وكان مشرفا على الهيئة المنوطة بمراقبة نقاء العقيدة على مدى 20 عاما. ويقول أنصاره إن ما مر به في ظل الحكم النازي أقنعه أنه يتعين على الكنيسة أن تقف إلى جانب الحق والحرية. لكن منتقديه يقولون إنه يقف ضد النقاش داخل الكنيسة. وكان وولف جانج كوبر، وهو معلق على الشؤون الدينية في ألمانيا، قد قال قبل انتخاب راتسينجر إن الكاردينال قد يصبح شخصية مثيرة للخلاف والشقاق.

وأضاف أن الكاردينال "عالم يفضل المناقشات العلمية" بينما يفضل كثير من الكاثوليكيين قساوسة وأساقفة "يمسون القلوب بكلماتهم". وتخللت فترة تبوئه منصب البابا أحداث عاصفة مست الكنيسة الكاثوليكية، منها اتهام رجال دين كاثوليكيين بالضلوع في انتهاكات جنسية لأطفال، وقد بدأ مهامه في فترة صعبة تخللتها تغييرات جذرية في العالم.

وقد ميز موقف البابا من فضائح انتهاكات الأطفال دعوته الى تحمل المسؤولية، في الوقت الذي كان آخرون داخل الفاتيكان يتحدثون عن مؤامرات، تهدف الى تشويه سمعة الكاثوليكية. وترسخت آراء البابا المحافظة خلال فترة الستينيات التي شهدت الثورات الطلابية وحركات الرفض للبنية الاجتماعية السائدة ،وقد عمل في التدريس في جامعة بون من 1959 إلى 1966.

 وفيما يخص اعدد الكاثوليك حول العالم فهناك ما يقدر بـ1.2 مليار شخص من اتباع الكنيسة الكاثوليكية بحسب إحصاءات الفاتيكان، وأكثر من 40 في المئة منهم يعيشون في أمريكا اللاتينية، لكن أفريقيا شهدت أكبر تزايد في عدد أفراد الكنيسة خلال السنوات الأخيرة. يصل عدد الكاثوليك في أمريكا اللاتينية 483 مليون شخص وهم يمثلون 41.3 في المئة من إجمالي عدد الكاثوليك حول العالم، وهناك أربع دول في أمريكا اللاتينية من بين الدول العشر الأعلى في العالم من حيث السكان الكاثوليك.

ويوجد في البرازيل أعلى نسبة من أتباع الكنيسة الكاثوليكية مقارنة بأي دولة أخرى ويتجاوز عددهم 150 مليون شخص، بينما تضم إيطاليا أكبر عدد من الكاثوليك في أوروبا ويصل عددهم إلى 57 مليونا، في حين يوجد في الكونغو الديمقراطية أعلى عدد من السكان الكاثوليك في أفريقيا وتحتل الكونغو المركز التاسع على مستوى العالم بنحو 36 مليونا شخص.

ومنذ عام 1970، شهد انتشار الكاثوليكية نقطة تحول عالمية ناحية الجنوب، حيث تراجعت نسبة الكاثوليك الذين يعيشون في أوروبا بينما شهدت أفريقيا نموا في عدد الكاثوليك من 45 مليونا في عام 1970 إلى 176 مليونا عام 2012. وشهدت آسيا نموا أيضا بلغت نسبته نحو 12 في المئة من إجمال عدد السكان الكاثوليك في العالم، أو نحو 137 مليون شخص.

وهناك 117 من الكرادلة يحق لهم المشاركة في تصويت مجمع انتخاب البابا، لكن 115 شخصا منهم سيشاركون فيه. واختار البابا بنديكتوس السادس عشر 67 من الكرادلة لاختيار البابا المقبل، بينهم 60 من أوروبا يضمون 21 إيطاليا. 117 من الكرادلة لهم حق التصويت وبحسب قوانين الكنيسة، فإنه يحق انتخاب أي كاثوليكي معمد لمنصب البابا، لكن خلال ال600 عام الماضية كان دائما يتم اختيار البابا الجديد من بين الكرادلة. وتم تحديد عشرة كرادلة بوصفهم الأوفر حظا لخلافة البابا المستقيل من بينهم ثلاثة من أوروبا، وهناك تكهنات بأن البابا الجديد ربما يأتي من بين المناطق التي شهدت أكبر تزايدا في أعداد المنتمين للكنيسة الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية وأفريقيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/آذار/2013 - 23/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م