ليبيا بعد عامين... ثورة تقضم نفسها

هيمنة الميليشيات المسلحة وتراجع الأمن والديمقراطية

 

شبكة النبأ: اختلفت مشاعر الليبيين بعد مرور عامين على بدء الثورة في ليبيا بين التفاؤل والاستياء، إذ يشعر أغلب الليبيين بالاسف بسبب هيمنة الميليشيات المسلحة وعدم صيغة دستور جديد للبلاد، في حين لا يزال البعض منهم متفائلين لرحيل القذافي لكن  تفاؤلهم مصحوب بحذر بشأن مستقبل بلادهم.

إذ تعاني لبيبا اليوم من العنف السياسي وقيادات تفتقر إلى الخبرة واقتصاديات ضعيفة، تلوح بآفاق سياسية مضطربة، نتيجة لصراع إثبات الوجود، مما قد يفاقم من هشاشة الدولة، ويعرقل التطور السياسي، إذ تشكل الميليشيات الإسلامية جبهة جيدة للصراع الداخلي هناك، ويمثل سيطرة الميليشيات الكثيرة على مناطق ليبيا التحدي الابرز للحكومة الليبية الجديدة.

وتتهم السلطات بانها فشلت في فرض سيطرتها في مواجهة ميليشيات مسلحة تفرض قوانينها الخاصة، كما فشلت في تشكيل جيش واجهزة امن محترفة موحدة.

حيث يمثل انعدام الأمن ابرز الاخطار التي تهدد مستقبل ليبيا الجديدة، حيث اصبح العنف ضد الأجانب واغتيال رجال الشرطة شائع الحدوث، ولعل الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي الذي قتل خلاله السفير الأميركي يشكل أهم الخروقات الأمنية فضلا الاخطار الامنية التي تهديد المنشات النفطية بشكل مستمر، مما يثير قلق المستثمرين الأجانب ويعكر صفو مستقبل البلاد المنتجة للنفط.

إذ يرى اغلب المحللين ان ازدياد الانقسامات السياسية وتتعثر الحلول الناجعة وتراجع الاقتصاد وازدياد العنف، جميع هذه الامور تقف امام الحصول على الاستقرار الدائم في المجلات كافة، وأهمها امتلاك مؤسسات حكومية رصينة، من اجل مجتمع أفضل وحياة كريمة.

فيما يرى حقوقيون  أن لا شيء تحقق من مطالب الثورة الليبية من أجل الحرية والكرامة وتوفير فرص العمل والحد من المعضلة الكبرى الفساد، بينما يرى المحللون آخرون أن انعدام الثقة هو أساس عدم الاستقرار في البلاد، وقد فاقمه نقص الخبرة في الحكم وإدارة الشأن العام.

بينما ناشطون حقوقون عن اسفهم لكون الديمقراطية التي يطالب بها الليبيون، لا تزال هدفا بعيدا ولعدم انجاز شيء لتحقيق العدالة الاجتماعية.

وعليه ففي الوقت الحالي تحتاج ليبيا حلول ومعالجات اكثر فعالية على المستوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية كي تنعم بالاستقرار وتمنع الإخطار المحدقة بها على الأصعدة كافة من تبديد منجزات الثورة. وكذلك لكي تستوعب ما ترتب على التغيير السياسي في الآونة الاخيرة.

لذا تسعى ليبيا اليوم جاهدة الى ايجاد أيديولوجيا سياسية جديدة توحد جميع الكيانات، كي تنفض عن كاهلها تركة خلفها حكم القذافي الذي دام 42 عاما.

حيث وعدت السلطات الليبية بتسريع وتيرة الاصلاحات في الذكرى الثانية لانطلاق الثورة التي اطاحت في 2011 بنظام معمر القذافي، وذلك على خلفية مخاوف من اعمال عنف في هذا البلد المضطرب.

وبلغت الاحتفالات ذروتها في تجمع في ساحة التحرير بمدينة بنغازي مهد الثورة وذلك في حضور محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني العام اعلى سلطة في البلاد والعديد من اعضاء الحكومة، واعلن المقريف في كلمة القاها ان ليبيا لن تكون "مرتعا ومصدرا للارهاب وحاضنا له"، واعلن مبادرة لحوار وطني من اجل "الوفاق" بين القوى السياسية في بلاده.

واشار الى ان اولى الاولويات هي اصدار "قانون الميزانية للعام الحالي وقانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية"، مضيفا ان المؤتمر "سيعمل على اصدار التشريعات المهمة لهذه الحقبة وعلى راسها قانون العزل السياسي وقانون النظام القضائي والمجتمع المدني والقوانين التي تسعى الى الرفع من معيشة المواطن وتضمن رفاهيته".

واكد المقريف ان "الاسلام هو دين الدولة وهو المصدر الرئيسي للتشريع"، لافتا الى ان لجنة الستين التي ستعد الدستور الدائم للبلد ستضع ذلك في حسابها "ولن تقر قوانين تخالف شرع الله"،

وتأتي مواقف المسؤولين الليبيين ردا على دعوات الى التظاهر اطلقتها مجموعات ومنظمات عدة من المجتمع المدني بينها انصار للفدرالية في شرق البلاد، لكنها قررت ارجاءها خشية حدوث اعمال عنف.

وبحسب محتجين فان السلطات الجديدة لم تحرز تقدما في تحقيق "اهداف الثورة". ويرى هؤلاء ان النظام الجديد تأخر في تفعيل العدالة واطلاق الاقتصاد وصياغة الدستور الجديد الذي سيحدد النظام السياسي للبلاد.

على الصعيد نفسه عادت ميلشيا إسلامية على صلة بهجوم القنصلية الأمريكية في بنغازي إلى المدينة الليبية بشكل واضح لتتولى إدارة نقاط التفتيش وتبني لنفسها قاعدة شعبية بتعهدها بحفظ الأمن الذي يحتاج اليه المواطنون بشدة.

ويسيطر شبان ملتحون من جماعة أنصار الشريعة على المدخل الغربي لثاني كبرى المدن الليبية ويحرسون أحد المستشفيات ويقومون بتفتيش السيارات والشاحنات التي تمر عبر نقطة تفتيش أخرى في الجنوب.

ويقول شهود عيان إن أعضاء جماعة أنصار الشريعة كانوا في مسرح هجوم الحادي عشر من سبتمبر أيلول الماضي الذي أودى بحياة أربعة أمريكيين بينهم السفير كريستوفر ستيفنز رغم أن الجماعة نفت أي دور لها في الهجوم.

وتؤكد عودة الجماعة بشكل واضح بعد خمسة أشهر من طردها مدى تعقيد الوضع الأمني في ليبيا بعد عامين من اندلاع الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي.

ويعتبر الكثيرون في الغرب أن المتشددين الإسلاميين يشكلون أكبر تهديد لأمن هذا البلد المنتج للنفط والمنطقة بأسرها ويتهمونهم بتنفيذ سلسلة من الهجمات على الشرطة والأجانب في المدينة خلال الأشهر الماضية.

وتتفق مخاوف هؤلاء مع المخاوف الدولية من صعود الإسلاميين في دول أخرى اجتاحتها انتفاضات الربيع العربي بما فيها مصر وتونس.

غير أن بعض السكان المحليين ينظرون إلى أفراد هذه الجماعات على أنها أبطال الانتفاضة الليبية ويقولون إنهم يعملون على حمايتهم بشكل أفضل من الحكومة في طرابلس.

من جهة أخرى قال قيادي في حزب العدالة والبناء (اسلامي) الليبي ان الحزب يدرس امكانية سحب وزرائه من الحكومة الليبية المؤقتة وذلك للتنديد ب "هيمنة" الليبراليين.

على صعيد ذو صلة كل صباح يسأل ابنا ابتسام الصغيران امهما متى تعود الأسرة لمنزلها في بلدة تاورغاء الليبية.. ترغب الام في طمأنتهما لكنها تخشى طول الانتظار.

وابتسام محمد سالم (32 عاما) واسرتها ضمن الاف من سكان البلدة التي كانت معقلا للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي اثناء الانتفاضة في عام 2011 ولكنهم فروا منها مع اجتياح المعارضة المنتصرة اياها.

وبعد أكثر من عام لا يزال مصير هؤلاء النازحين غامضا ويقولون إن الدولة تخلت عنهم بعد أن وصمتهم ظلما بأنهم من انصار القذافي.

ويقول السكان إنهم يخشون الاضطهاد والهجمات الانتقامية والاعتقالات العشوائية إن هم عادوا لديارهم وهو شعور ولدته حرب عمقت الانقسامات وأججت المخاوف من عمليات انتقامية في معاقل اخرى للقذافي مثل سرت وبني وليد.

وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان أن نحو 1300 شخص من سكان تاورغاء اعتقلوا أو فقدوا أو قتلوا ووصفت الانتهاكات بحق سكان البلدة بأنها "ربما تمثل جرائم ضد الانسانية ويمكن أن تنظرها المحكمة الجنائية الدولية."

ويبرز ذلك التحديات التي تواجه الحكام الجدد في ليبيا لمعالجة المظالم واحتواء من اختاروا عدم مساندة الانتفاضة سواء خوفا من القذافي أو لتأييدهم إياه فعليا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/آذار/2013 - 23/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م