عندما يكون السياسي مثقفا

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ربما يجهل بعض السياسيين أهمية أن يكون السياسي مثقفا، ولكن هذا الجانب ينطوي على اهمية كبيرة، لكي تتكون لدى السياسي رؤية جيدة لادارة مسؤولياته على نحو أفضل، فالثقافة والمعرفة تزيد من آفاق الرؤية للانسان عموما السياسي او غيره، وتطرح بدائل كثيرة، وخيارات صحيحة في الغالب، لمن يتمتع بالعمق الثقافي والفكري، وهكذا يكون السياسي أكثر حاجة للثقافة والمعرفة من غيره، كون مسؤولياته وقراراته تتعلق بأمور لا تخصه هو حصرا، بل تهم عامة الناس، وهذا يعني ان القرار الخاطئ للسياسي يؤدي الى ضرر بالمصلحة العامة، والسياسي غير المثقف يخطئ اكثر من السياسي المثقف بطبيعة الحال، ليس فيما يتعلق بالقرارات ذات الصلة بالثقافة او الوسط الثقافي، بل حتى تلك القرارات التي تهم حياة الناس البسطاء، إذ أنها تتطلب سياسيا واعيا مثقفا، يؤدي واجباته ومسؤولياته بمنظار عقلية مثقفة، تنطوي على آفاق واسعة وخيارات كثيرة.

ليس الثقافة ان تجلس او تقف خلف المنصة، وتبدأ بالكلام الموزون الصحيح فحسب، وليست الثقافة ان تمسك القلم، وتكتب كلاما جميلا ومفيدا على الورق او على شاشة الحاسوب، الثقافة هي ايضا اتخاذ القرار الصائب والصحيح، وهذا لن يتحقق قط، إذا لم يكن السياسي مثقفا عارفا مطلعا، وذا عقلية منفتحة متفاعلة مرنة ذكية متطورة، من خلال تحصيل السياسي للثقافة والتثقيف، من المناهل والمنابع الصحيحة، والسبب كما هو واضح هو الاستفادة من التجارب الاخرى العالمية و المحلية.

هنا لابد من الاشارة أن الثقافة وسعة الاطلاع، والمعرفة وبناء الشخصية القيادية المتوازنة والناجحة، لا علاقة لها بالتحصيل العلمي او الدراسي، بمعنى ان السياسي لا يمكن ان يكون مثقفا وعارفا وذا شخصية راكزة متفاعلة، اذا استطاع الحصول على شهادة عليا في الكيمياء او الفيزياء او التاريخ، او حتى في العلوم السياسية على سبيل المثال، بل الشهادة مع الاحترام الذي نكنه ويكنه الجميع لها، تمنح حاملها تأشيرة مرور الى الوظيفة أولا، وتساعده على اتقان جانب معين من العلوم والمعارف، ولكن أحيانا حتى الجانب العلمي الذي يتعلق بالشهادة، لا يستطيع أن يتقنه حاملها بسبب ضعف التدريس وما شابه.

لذلك مع الاعتزاز بالشهادة وحاملها واهميتها ايضا، لكنها لا تعبر عن قيمة الثقافة والمعرفة في شخصية السياسي القيادي، نعم يحتاج السياسي وغيره للحصول على الشهادة العليا او الادنى، ولكن حاجة السياسي للثقافة والتثقيف الذاتي تكون أهم وأكبر، لأنها كما تقدم القول، تمنح القائد السياسي رؤى وخيارات كثيرة وبديلة، لاتخاذ القرارات العملية والنظرية التي تصب في الصالح العام، بغض النظر عن المجال الذي تُتَّخذ فيه تلك القرارات، وثمة معادلة أثبتتها التجارب الراهنة وسواها، أن السياسي كلما كان مثقفا عارفا واعيا، كلما قلَّت أخطاؤه السياسية، وهذا أمر أثبتته التجارب العالمية والمحلية.

لكننا للأسف نلاحظ اهمالا واضحا للثقافة والمعرفة من لدن السياسيين، وكأن الامر يتعلق بالسلطة والاستحواذ عليها فقط، أو ان الامر يتعلق بتحسين الوضع المالي المادي للسياسي وعائلته وذويه ولا يتعدى هذا الهدف، لكن الامر ابعد من ذلك بكثير، إن قضية اتخاذ القرارات الصائبة والقيادة الناجحة تتعلق بعموم الناس، لاسيما الفقراء منهم، وكذلك تتعلق بالمستقبل السياسي للقائد، وهو امر يحسب له السياسيون في المجتمعات المتطورة ألف حساب، لذلك اذا كان السياسي مثقفا فإن التحصيل النهائي سيكون في صالح الشعب، بسبب الادارة الناجحة والقرارات الصحيحة التي يتخذها القائد السياسي المثقف، وهو يمارس مسؤوليته وقيادته.

وهكذا لابد أن يتنبّه السياسيون، الى أهمية أن يكونوا مثقفين مطلعين عارفين، بكل مجالات العلم والمعرفة بشتى فروعها، وليس صعبا أن يتحقق هذا الشرط، من خلال بذل ما يكفي من الجهد والمثابرة، في مجال تحصيل الثقافة والعلم والمعرفة، وذلك بالسعي الذاتي والتنظيم والاصرار على بناء الشخصية، المتوازنة الذكية ذات الابعاد المتعددة، خدمة ليس للذات وحدها، بل للمجتمع، الذي سيتقدم ويتطور اكثر اذا كان قادته السياسيون مثقفين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/آذار/2013 - 23/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م