ايطاليا وصدمة الانتخابية... نتائج قد تزيد من تصدع منطقة اليورو

شبكة النبأ: تسجل ايطاليا حالة اضطراب غير مسبوقة في الشؤون السياسية والاقتصادية خاصة في الآونة الأخيرة، على الرغم من امتلاكها بنية اقتصادية وارث سياسي رصين يضعها ضمن أهم المجتمعات المتطورة حول العالم، لكن المستجدات والتطورات الأخيرة الممتثلة بالانتخابات التشريعية، التي لم تؤد الى حصول حزب على اغلبية واضحة في البرلمان، وضع ايطاليا امام مأزق سياسي أدى إلى تراجع الأسواق المالية الأوروبية وزرع القلق في منطقة اليورو، حيث تعاملت الاسواق المالية بسلبية بالغة مع هذا المازق الحكومي في ثالث اقتصاد في منطقة اليورو.

فكما يبدو ان من الصعب التكهن بمدة الازمة الحالية بينما لا يلوح في الافق اي حل في الوقت الراهن. ويرى بعض المراقبين انه من الضروري ومن مصلحة كل اوروبا ان تشكل ايطاليا حكومة مستقرة، حيث تلعب ايطاليا دورا محوريا في تسوية ازمة الديون الاوروبية بنجاح.

ورأى الخبراء في هذا الشأن ان سيناريو تنظيم انتخابات جديدة سيكون أسوأ في نظر السوق بسبب طول امده والغموض الذي يكتنفه، واضافة الى خطر تدهور درجة تصنيفها بقرار من وكالات التصنيف الائتماني وتوقف اصلاحاتها، فان ايطاليا من دون حكومة ستجازف في ترك نفسها تنزلق في مطبات مالية، بحسب خبير اخر.

فيما يتساءل البعض عما اذا كان بامكان ايطاليا ان تشكل خطرا على مجمل منطقة اليورو. حيث قال هؤلاء الخبراء ينبغي ان نتذكر لماذا تتمتع ايطاليا بهذه الاهمية بالنسبة الى استمرارية اليورو. لقد وضع سيلفيو برلوسكوني جانبا قبل عامين وحل محله التكنوقراطي ماريو مونتي الذي كان هدفه الوحيد اصلاح البلد. وهذا لم يحصل فعلا باستثناء بعض الاصلاحات الضريبية، وبالتالي فان ايطاليا مع عبء ديونها الضخمة تبقى قنبلة موقوتة في قلب منطقة اليورو.

فيما اعتبر المحللون ان تطبيق الاصلاحات المؤسساتية الضرورية وخصوصا الاتحاد النقدي، كان شديد الصعوبة مهما حصل. لكن التوصل الى ذلك مع حكومات ضعيفة، شاردة وتحظى بالقليل من الشرعية سيكون اكثر صعوبة ايضا. وانطلاقا من هذه الحال، فان ايطاليا ضعيفة ستشكل ثقلا اضافيا الى مشاكل اوروبا.

لكن في الوقت ذاته يرى بعض المحللين انه  في حال العجز عن ايجاد تحالف بين الكيانات السياسية الايطالية، يمكن للرئيس جورجو نابوليتانو تشكيل حكومة جديدة حتى يتم اصلاح النظام الانتخابي الذي يقول كثيرون انه غير منصف والسبب الاساسي للمأزق الحالي.

وعليه فيبقى المصير السياسي لايطاليا بين يدي الرئيس جورجيو نابوليتانو الذي قد يعتبر هذا الوضع غير مستقر تماما ما يدفعه الى تشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية قبل اجراء انتخابات جديدة.

وقد بلغت ايطاليا مأزقا سياسيا مقلقا بالنسبة الى باقي اوروبا من دون فائز واضح في انتخاباتها التشريعية، كما اقر زعيم يسار الوسط بيير لويجي بيرساني الذي فتح الباب للحركة المعارضة التي يقودها الكوميدي السابق بيبه غريلو.

وقد تحدث مرشح اليسار لمنصب رئيس الوزراء للمرة الاولى منذ اعلان النتائج واظهر انفتاحا نحو حركة "خمس نجوم" التي احدثت مفاجأة كبيرة بفوزها بربع مقاعد البرلمان.

واثار بيرساني قضايا سبق ان ركزت عليها خمس نجوم مثل اصلاح المؤسسات والاخلاق والدفاع عن الفقراء، داعيا بيبه غريلو الى ان يقول "ما يريده بالنسبة الى البلاد".

من جهته، اعلن بيبه غريلو ان حركة خمس نجوم لا ترغب في التحالف مع اي حزب بل ستصوت على الاصلاحات في البرلمان بحسب كل حالة على حدة.

وتؤشر هذه التصريحات الى امكان تاييد مشاريع القوانين التي ستقدمها حكومة يسارية، من دون اتفاق رسمي على ائتلاف مع يسار الوسط الذي يتمتع بغالبية صلبة في البرلمان. وفي حال انضموا الى زملائهم في اليسار، فان اعضاء مجلس الشيوخ ال54 المنتمين الى حركة خمس نجوم سيتيحون تأليف غالبية في هذا المجلس.

لكن الخبير السياسي ستيفانو فولي اعتبر ان اقتراح بيرساني "غير واضح الى حد بعيد" وقد يفضي الى "حكومة اقلية تتعرض لاخطار شتى في البرلمان"، وعلق بيرساني "ندرك الطابع المأسوي للوضع والاخطار التي تواجهها البلاد".

واعرب وزير الخارجية الالماني غيدو فسترفيلي عن الامل في ان تشكل "سريعا" حكومة "مستقرة" في ايطاليا لمواصلة سياسة الاصلاحات "التي تصب في مصلحة كل اوروبا"، في حين اكدت المستشارة انغيلا ميركل ان "ايطاليا ستجد طريقها".

والخاسر الاكبر في الانتخابات الايطالية هو نفسه من كانت اوروبا تعول عليه، اذ لم يحصد ماريو مونتي سوى عشرة في المئة من مقاعد البرلمان. اما برلوسكوني الذي حسن موقعه في شكل لافت فبدا مستعدا للتحالف مع اليسار لكنه رفض في المقابل اي اتفاق مع مونتي.

وراى مدير مجلة "ميكروميغا" السياسية باولو فلوريس داركيس ان اليسار "قد يتوصل الى اتفاق مع غريلو عبر اعطائه رئاسة احد المجلسين مع اقتراح حكومة تضم عددا كبيرا من التقنيين" وتطبق برنامجا "مشتركا لا يخلو من تطلعات اليسار التقليدية".

حيث افاقت ايطاليا على وضع فريد في تاريخها مع اغلبية في مجلس النواب مختلفة عن الاغلبية في مجلس الشيوخ ما يطرح نظريا صعوبات جمة في مستوى حكم ثالث اقتصاد في منطقة اليورو.

واعتبر رئيس تحرير صحيفة "لا ستامبا" ماورو كالابريزي ان "ايطاليا الحقيقية افرغت غضبها. مع هذا التصويت، نسمع اصوات وروايات اولئك الذين لا يجدون عملا، لا يملكون ما يكفي لينقفوه حتى نهاية الشهر مع رواتبهم التقاعدية، يعتقدون ان لا مستقبل لهم ويهربون الى الخارج، واولئك الذين اغاظتهم الضرائب الجديدة التي لا تطاق"، وقال كالابريزي "لقد قللت الحكومة والاحزاب من حجم الاثر الاجتماعي لسياسات التقشف". واضاف انه حاليا "من اجل اعادة ترتيب الوضع، المطلوب الصبر، والتحلي بروح التضحية والحكمة".

في سياق متصل ذكر العنوان الرئيسي في صحيفة المساجيرو التي تصدر في روما "الفائز هو: اللا حكم" مرددا الاحساس بالمأزق الذي سيتعين على البلاد مواجهته خلال الاسابيع القليلة المقبلة عندما يضطر خصوم الداء العمل معا لتشكيل حكومة.

وفي غضون ثلاث سنوات نمت حركة خمسة نجوم التي يتزعمها جريلو والتي يدعمها بقوة جيل محبط من الايطاليين الشبان لم يتمكن من الحصول على وظيفة دائمة من مجرد جماعة هامشية الى واحدة من اكثر الحركات التي تتحدث عن القوى السياسية في اوروبا، ولأن موافقة مجلسي النواب والشيوخ كليهما ضرورية لاقرار القوانين فان يسار الوسط سيحتاج الي الدخول في ائتلاف مع حركة (خمسة نجوم) او يمين الوسط بزعامة برلسكوني. وإذا لم يمكن الوصول الي اتفاق فانه سيتعين اجراء انتخابات جديدة.

الى ذلك تلقت الاسواق المالية العالمية بتخوف شديد الانباء المؤكدة عن تحقق احد اسوأ السيناريوهات السياسية في ايطاليا اي عدم انبثاق غالبية قادرة على الحكم اثر الانتخابات التشريعية، وبات شبح ازمة جديدة يخيم على منطقة اليورو.

وقال الخبير الاقتصادي في "اودو ايكوييتيز" برونو كافالييه "لا توجد غالبية". ومع تلاشي اخر الامال في امكانية ان يشكل اليسار غالبية في مجلس الشيوخ بدعم من حركة ماريو مونتي، جاء رد الفعل عنيفا وانهارت البورصات لدى الافتتاح وخصوصا في ميلانو، وتراجعت بورصات كل من باريس وفرانكفورت ولندن ومدريد وبروكسل ايضا. وكانت بورصتا وول ستريت وطوكيو اقفلتا في وقت سابق ايضا على تراجع كبير.

وفي اسبانيا الدولة الاخرى الضعيفة في منطقة اليورو، اقر وزير الاقتصاد لويز دو غيندوس بان خطر عدم الاستقرار السياسي الناجم من الانتخابات في ايطاليا له مفعول العدوى على الاسواق، لكنه اعرب عن امله في ان يكون هذا الخطر "قصير الامد"، وقال "الامر الجيد لايطاليا جيد لاسبانيا"، مبديا "قناعته" في ان "الارادة السياسية" لاخراج اوروبا من الازمة "ستسود"، والاسواق المالية التي كانت تأمل منذ فترة طويلة وكانت لا تزال تراهن مع بعض الثقة على تحالف مؤيد للاصلاحات بين زعيم يسار الوسط بيير لويجي برساني ورئيس الوزراء المنتهية ولايته ماريو مونتي، خاب املها.

واعتبر الخبراء الاقتصاديون في كومرزبنك ان "الفاعلين في السوق سيحافظون على تيقظهم انطلاقا من ان نتيجة (الانتخابات) الايطالية افضت الى اسوأ النتائج الممكنة"، ولاحظ زملاؤهم في بنك باركليز ان "عدم الاستقرار السياسي سيتواصل على الارجح على المدى القصير وسيبطىء تطبيق الاصلاحات الهيكلية الضرورية الا اذا تم تشكيل تحالف واسع بين الحزب الديموقراطي وحزب سيلفيو برلوسكوني والوسط بزعامة ماريو مونتي".

واضافوا ان "ايطاليا لا يمكن ان تسمح لنفسها بالوقوع في مأزق سياسي لفترة طويلة. اذا استمر الوضع واذا فشلت الاحزاب في التفاهم حول تحالف واسع، فان ارجحية ان تطلب ايطاليا خط ائتمان ستزداد".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/آذار/2013 - 22/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م