سوريا... نياح يحجبه اصوات الرصاص

ازمة انسانية متفاقمة

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: مع اشتداد وطيس المعارك الجارية على الاراضي السورية الدائرة بين الجماعات المسلحة والقوات الحكومية، تتدهور بشكل مستمر الاوضاع الانسانية للسكان من المدنيين، خصوصا بعد ان طالت لظى الحرب شرائح واسعة من المجتمع السوري، سقط على اثرها عشرات الاف من الضحايا.

حيث تعرضت العديد من المدن والقرى السورية الى هجمات مسلحة من جميع اطراف الصراع الدموي القائم، دون اي رادع اخلاقي او قانوني يحد من تلك التداعيات، مما تسبب بموجة كبيرة من عمليات الهجرة والتهجير القسري من بعض المناطق السكانية.

وتتبادل المعارضة والحكومة السورية في اغلب الاحيان الاتهامات حول مسؤولية تلك الاحداث، فيما حملت المنظمات الحقوقية والدولية الجهتين مسؤولية ذلك، بعد ان تم نشر بيانات شبه دقيقة عن حصيلة اعداد القتلى والجرحى بالاضافة الى احصائية اللاجئين من السوريين ممن فروا الى دولة الجوار هربا من المعارك.

وسجلت الى جانب ذلك العديد من حالات الانتهاك الشخصي لافراد من المدنيين، فضلا عن انتشار الامراض والاوبئة في المناطق الخارجة عن سيطرة القوات الحكومية، بعد تدهور الخدمات الصحية والمعيشية بشكل كبير.

حيث أبلغ مسؤول كبير بالامم المتحدة مجلس الامن الدولي أن أكثر من 40 ألف شخص يفرون كل اسبوع من القتال في سوريا وان العدد الاجمالي للاجئين قد يتجاوز المليون في أقل من شهر.

وقال انطونيو جوتيريس رئيس المفوضية العليا للامم المتحدة لشؤون اللاجئين انه حتى تم تسجيل 936 ألف سوري لجأوا الى دول في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وهو رقم يزيد 30 مرة تقريبا عن عدد اللاجئين في ابريل نيسان من العام الماضي.

وأبلغ جوتيريس مجلس الامن المؤلف من 15 دولة "نتوقع ان يكون لدينا 1.1 مليون لاجيء سوري بحلول يونيو (حزيران). إذا استمر العدد في الزيادة بالمعدل الحالي فان الامر سيستغرق أقل من شهر للوصول الي ذلك الرقم. الليلة الماضية فقط فر 4585 شخصا من البلاد إلى الاردن فقط." واضاف قائلا "اعداد اللاجئين مذهلة لكنها لا يمكنها ان تعكس الحجم الكامل للمأساة. ثلاثة أرباع اللاجئين نساء واطفال. وكثيرون منهم فقدوا ذويهم. ومعظمهم فقدوا كل شيء." بحسب رويترز.

وتدفق معظم اللاجئين السوريين الي تركيا ولبنان والاردن والعراق ومصر. وتقول الامم المتحدة إن حوالي 70 ألف شخص قتلوا في الحرب الدائرة ضد الرئيس السوري بشار الاسد.

كما قالت زينب بانجورا الممثلة الخاصة للامين العام للامم المتحدة بان جي مون بشأن العنف الجنسي في الحروب إنه حدث استخدام ممنهج للعنف الجنسي في سوريا لكنها اضافت ان وكالتها لا يمكنها الحصول على معلومات من معظم المناطق التي تحت سيطرة جماعات المعارضة المسلحة.

وأبلغت بانجورا الصحفيين بعد ان قدمت إفادة الي مجلس الامن "العنف الجنسي ضد النساء وضد الرجال وضد البنين والبنات منتشر." واضافت ان ضحايا اعتقلتهم الحكومة أبلغوا وكالات تابعة للامم المتحدة ان العنف الجنسي استخدم "كأسلوب للحصول على معلومات."

وقال بشار الجعفري سفير سوريا لدى الامم المتحدة ان الحكومة السورية ستعمل على ضمان تقديم مرتكبي العنف الجنسي الى العدالة.

في حين قالت منظمة الصحة العالمية إن مرض التيفود تفشى في منطقة تسيطر عليها المعارضة السورية بسبب تناول مياه شرب ملوثة من نهر الفرات. وقالت المنظمة التابعة للامم المتحدة ان عددا يقدر بنحو 2500 شخص في محافظة دير الزور بشمال شرق سوريا اصيبوا بالمرض المعدي الذي يسبب الاسهال ويمكن ان يصبح قاتلا.

وقالت ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا اليزابيث هوف "لا يوجد ما يكفي من الوقود أو الكهرباء لتشغيل المضخات ولذلك يشرب الناس المياه من نهر الفرات الذي اصبح ملوثا ربما بمياه الصرف الصحي."

وحمى التيفود عدوى تصيب الامعاء ومجرى الدم وتسببها بكتريا السالمونيلا. ويصاب الناس بالمرض بعد تناول أطعمة أو مشروبات خاصة بشخص مصاب أو شرب مياه ملوثة. وينتشر مرض الالتهاب الكبدي الوبائي (أ) وهو مرض آخر تنقله المياه الملوثة ويمكن ان يصبح وبائيا في مناطق مثل حلب وادلب وفي المناطق المزدحمة التي تؤوي النازحين في دمشق.

وقالت هوف "يحدث هذا عندما ترى شبكات المياه والصرف الصحي منهارة تماما. يشترك عدد يتراوح بين 50 و70 شخصا في المراحيض في العديد من اماكن الايواء في دمشق." وأضافت هوف انه نظرا لان دير الزور في أيدي المعارضين فانه لا يمكن للسلطات الصحية الحكومية السورية الوصول الى المنطقة لكن منظمة الصحة العالمية اعتمدت على منظمات المساعدات المحلية في جلب الامدادات الطبية. واضافت "الاشخاص المسؤولون (المعارضة) يحتاجون الى البدء في اتخاذ اجراء ما في المناطق التي يسيطرون عليها."

وقالت هوف "انه عدد كبير للغاية وينتشر مع تحركات الاشخاص. وجلبه النازحون محليا من حلب الى طرطوس." وتستضيف الامم المتحدة المنتدى الانساني بشأن سوريا في جنيف الذي يحضره مسؤولو مساعدات كبار من وكالات الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي ومنظمات انسانية اخرى.

وقال المتحدث باسم الامم المتحدة ينس ليركه في افادة صحفية ان الحكومة السورية وافقت على نشر ثلاث منظمات دولية اخرى للمساعدات. وسمح لثماني منظمات غير حكومية دولية بالعمل حتى الان.

وفي مدينة حلب التي كانت يوما مدينة تجارية ثرية وقف رجل في الستين من عمره يرتدي ملابس ثقيلة مع أحفاده الذين يرتجفون من البرد في طابور لشراء الخبز وهو تقليد يومي يستنفد معظم ساعات يومه دون أن يحقق منه مراده في الغالب.

ويقول علاء الدين حوت الذي يحمي نفسه من المطر في حي بستان القصر الخاضع لسيطرة المعارضين جنوب غرب حلب كبرى المدن السورية إن نقص الغذاء والوقود يبث اليأس في نفوس أسرته والكثير من السكان الآخرين. بحسب رويترز.

وقال حوت الذي يرتدي قبعة شتوية ووشاحا يحميه من البرد "إننا نتضور جوعا. يمكنني تحمل ذلك ولكن ماذا عن أولادي؟ أقف من الساعة الثالثة بعد الظهر وحتى الحادية عشرة مساء ولا أستطيع دائما الحصول على الخبز." وأضاف "لم يعد أمامنا سوى التسول أو السرقة."

وبعد قيام مقاتلي المعارضة بنقل معركتهم مع الرئيس السوري بشار الأسد إلى قلب حلب صارت مساحات شاسعة في شرق وجنوب المدينة عبارة عن مناطق مهجورة غير تابعة لأحد.

ولجأ مقاتلو المعارضة إلى الاحتماء بالمستودعات لوقف الهجمات التي تشنها قوات الأسد في الحرب الأهلية. وغالبا ما يقف المئات في طوابير أمام المخابز القليلة التي حالفها الحظ في حلب للاستمرار في الإنتاج آملين في الحصول على عدد قليل من أرغفة الخبز.

ولدى أبو عبده صهر حوت ثلاثة أطفال أصغرهم رضيع في الشهر الثاني من عمره يرتعد جسده الملفوف بالأغطية من شدة البرد.

وقال أبو عبده وهو عامل بناء سابق "هذه أصعب فترة مررت بها طوال حياتي. ليس هناك عمل أو صناعة أو كهرباء أو وقود. فكيف سيعيش الناس؟" وأضاف "للناس الحق في المطالبة بحريتهم فهذا أقل مطلب وأنا أؤيد إسقاط النظام."

وقلت حدة المعارك التي اندلعت في الصيف حول حلب غير أن السوريين في هذه المدينة - التي انخفض عدد سكانها الذي بلغ وقت السلم 2.5 مليون نسمة بسبب هجرة مئات الآلاف منها - يواجهون الآن تحديات جديدة ناجمة عن برد الشتاء ونقص الإمدادات في وقت الحرب.

وهناك بعض المناطق تتعامل مع الوضع بصورة أفضل حيث يعرض فيها باعة الخضروات الطماطم واليوسفي بينما تقدم محال بيع الفول أقراص الفلافل. غير أن الكثير من السكان بلغوا من شدة الفقر ما لا يطيقون معه تحمل تكلفة شراء هذه السلع.

وقال رجل في حي الشعار "لا يمكننا الحصول على أي خبز. هناك مجاعة. الناس يموتون ونصف المخابز مغلقة. لا يوجد دقيق." وقال أحمد (42 عاما) وهو أب لستة أبناء إنه يقف في الطابور من الساعة الثامنة صباحا. وأضاف "نحصل أحيانا على الخبز وأحيانا أخرى لا نحصل عليه. ليس هناك مياه ولا غاز ولا كهرباء. وتنفد إمدادات المياه كل يومين."

ورغم ذلك ليس كل سكان المدينة يحملون الأسد مسؤولية معاناتهم. فقد جرت العادة أن تنقسم حلب بين تأييد الأسد ومعارضته وحتى في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضين عانى بعض السكان نقصا يوميا في الإمدادات ويلقون مسؤولية هذا النقص على معارضي الرئيس.

وتقول أم صالح التي ترتدي النقاب ومعطفا صوفيا طويلا أسود اللون "لا نغادر منازلنا بعد الساعة السادسة مساء. لا نريد سوى عودة السلام."

وألقت أم صالح اللوم على مقاتلي الجيش السوري الحر بشأن استغلال طوابير الخبز للحصول على أرغفة الخبز لأسرهم. وقال زوجها أبو صالح إن هناك "أخطاء" ارتكبها مسؤولو الأسد ولكنه أضاف "لا يمكن معالجة الخطأ بالخطأ."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/آذار/2013 - 22/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م