الاحزاب وطبيعة البناء المؤسساتي للدولة

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: يؤكد الخبراء والمعنيون بالسياسة وبناء المؤسسات الدستورية القوية، على أهمية نوع النظام الحزبي السياسي الذي يحكم الدولة، وأعطى هؤلاء أهمية كبيرة للمؤسسات ودورها الكبير في بناء الدولة المدنية، على أن لا يكون هذا الدور شكليا، كما تفعل الانظمة القمعية التي يقودها نظام الحزب الواحد غالبا، او الانظمة العسكرية، حيث تحرص مثل هذه الانظمة التي غاليا ما تسيطر على الحكم، بالقوة الغاشمة او الانقلاب العسكري، تحرص على اقامة مؤسسات شكلية في الدولة تقوم بأدوار شكلية، مثل انشاء مجلس نواب او برلمان او مجلس وطني، يقوم بتمثيل الشعب بصورة شكلية، باتخاذ القرار والتشريع او المشاركة فيه، إذ غاليا ما يكون مثل هذا البرلمان، إلعوبة بيد الحاكم وحكومته القمعية.

وقد اثبتت التجارب التي سبقتنا في الدول والمجتمعات المتقدمة، ان النظام الديمقراطي القائم على الاستشارة وتبادل الآراء، بغض النظر عن اختلافها، مع وجود الضوابط الدستورية التي تحكم الحراك السياسي، هي الانظمة التي اثبتت نجاحا في ادارة العمل السياسي، على العكس من انظمة الحزب الواحد، حيث يتم اقصاء الجميع واستغلال السلطة لصالح الحزب وقادته، على حساب المصالح الاساسية للشعب.

الأحزاب والمؤسسات الحكومية

هنالك انواع عدة من الاحزاب يمكن توزيعها على جانبين، الديمقراطي الاستشاري، والدكتاتوري القمعي، يقول الامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الشورى في الاسلام)، حول هذا الموضوع: (يقال لحزب انه ديمقراطي فـي حال ما إذا انتخب زعماؤه، من قبل أعضاء الحزب من خلال انتخابات حقيقة وبالاقتراع السرّي أو العلني، والمنهج والسياسة العامة لمثل هـذه الأحزاب سواء على صعيد التنظيمات أو القرارات، يتم تعيينهما وتحديدهما في المؤتمر العام للحزب،  ويقال لحزب إنه ديكتاتوري، في حال ما إذا تم تعيين قادته بحلول النائب مَحلَ القائد، وهلمّ جرا، ويكون منهجُ الحزب تجسيداً لما يريده قادة الحزب، ويكون الرأي المخالف للمنهج العام فيه ممنوعاً، فيحظر فيه تعدد الأفكار والآراء ويطرد أي شخص له علاقة بالفكر المعارض، وفي مثل هذه الحالة ينساق الحزبُ نحو الاستبداد والديكتاتورية والتفرد السلطوي).

وهكذا يمكن يحدد نظام الحزب وتشكيلته وافكاره، النظام السياسي للدولة، لاسيما اذا استطاع الحزب الوصول الى السلطة، من هنا يوجد هناك تأثير مباشر لفكر الحزب، وطبيعة تنظيمه على بناء المؤسسات التي تحكم الدولة وتدير شؤون المجتمع.

لذلك يؤكد الامام الشيرازي، في كتابه المذكور نفسه على: (إنّ تعدد الأحزاب السياسية وطبيعة تنظيماتها لهما تأثير كبير جداً في انتخاب الهيئة الحاكمة، وان هذا التأثير ملحوظٌ بشكلٍ اكبر في الهيكلية الداخلية للمؤسسات الحكومية. ومن هنا فان الأحزاب السياسية، لا تكتفي بتصنيف الناخبين والمرشحين بل تسعى أيضاً، إلى التأثير في اختيار الوزراء ونواب الوزراء وأعضاء البرلمان).

لذلك لابد أن تتنبه الاحزاب الى أهمية بناء المؤسسات الرصينة، التي تضبط حراك الدولة بجميع السلطات التي تتحرك فيها، بمعنى أن المؤسسات ذات بعد معنوي قوي، قادر على التأثير في ضبط حركة السلطات التي تقود الدولة، بما فيها السلطة التنفيذية التي تشكل اهم السلطات، من حيث الجانب التنفيذي العملي.

مخاطر تعدد الاحزاب

ويذهب المعنيون، الى أن تعدد الاحزاب في الدولة الواحدة ينطوي على مخاطر كثيرة، أهمها أن كثرة الاحزاب تساعد في تفتيت الجهود، وتضعف دور المؤسسات في بناء الدولة، كما انها تفرق جهود المعارضة وتقوم بتفتيتها، الامر الذي يجعلها ذات تأثير ضعيف على صانع القرار، ولا تشكل قوة ضغط كافية، تمنع الضرر الذي قد يلحق بالشعب، نتيجة لاتخاذ قرار غير صائب، تفرضه مصلحة الاحزاب بعيدا عن مصالح عامة الناس.

يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب، في كتابه المذكور نفسه: (وهناك من يرى أن تعدد الاحزاب قد لا يساعد على بناء مؤسسات الدولة كما يجب)، وتُعطي الافضلية في هذا المجال لنظام الحزبين، فيما يذهب بعض المفكرين والمعنيين الى العكس من ذلك، كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي: (هناك خلاف بين المفكرين في أفضلية النظام القائم على حزبين على القائم على عدة الأحزاب، اذ يذهب بعض المفكرين إلى الرأي الثاني انطلاقاً من علل عديدة منها: أصالة الحرية والتي يوفرها بشكل اكبر وجود عدة أحزاب، إضافة إلى وجود مجـال أوسع وخيارات أكثر للأمة فـي عملية انتخاب الإطروحات).

ولكن ثمة خطر أكبر يلوح في الافق، يتمثل بسيطرة الحزب الواحد على السلطة، وبالتالي فرض الرأي الواحد والفكر الواحد، واقصاء الافكار الاخرى، وضرب الصوت والرأي المعارض حماية للسلطة وامتيازاتها، وهنا يتحول نظام الحزب الواحد من نظام سياسي يدير الدولة وشؤون الشعب، الى نظام يكرّس السلطة له فقط، ولا يتورع عن استخدام ابشع السبل واغرب الوسائل واشدها قمعا، في سبيل الحفاظ على السلطة، والتاريخ يتحدث لنا كثيرا عن مخاطر مثل هذه الاحزاب، خاصة عندما تلجأ الى انشاء المؤسسات الشكلية التي تبغي تجميل وجه النظام لا اكثر، لان تلك المؤسسات لا تملك في حقيقة الامر أي دور مؤسساتي حقيقي، يُسهم في بناء الدولة الدستورية بصورة حقيقية.

لذا فإن مكمن الخطر يتمثل في اهمال دور المؤسسات في بناء الدولة، وقد اثبتت التجارب أن اشد المؤسسات فشلا هي تلك التي تنشأ في ظل الانظمة القمعية (الفردية، العسكرية، وانظمة الحزب الواحد.

لذلك يؤكد الامام الشيرازي، في كتابه نفسه على أن: (من لوازم النظام القائم بحزبٍ واحد هي العقيدة الواحدة وممارسة سياسة الإرهاب والعنف واحتكار السلطة. إنّ هذه النظم تعتبر مناهضي إيديولوجيتها اخطر من الجناة العاديين، وتُعامِلَ المُنفصلين عن الحزب الواحد فيها كمعاملة المعارضين بكل شدةٍ وقسوة مثلما عامل زعماء الأحزاب الفاشية رفاقهم المنشقين عنهم في الحزب).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/آذار/2013 - 22/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م