مَنْ يسرق الآخرين يسرقهُ الآخرون

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: عندما تضعف سيطرة الانسان على أهوائه ونفسه ورغباته، عند ذاك تبدأ التجاوزات الكثيرة، ومنها سرقة الآخرين تكديسا للمال في الجيب والبنوك ومضاعفة الثروة بطرق غير مشروعة، وعندما يرافق ضعف السيطرة على النفس خلل آخر يتمثل بعدم قدرة القانون على ضبط الامور، ومحاسبة السرّاق، فإن الوضع سوف يزداد خطورة، لأن الضابط الذاتي غائب (الضمير)، والضبط الخارجي ضعيف، عندها يكون الانسان بلا ضوابط ومحددات تحكم سلوكه ونزواته واهوائه، فيبدأ بسرقة الآخر بشتى السبل والاساليب.

ومع استفحال ظاهرة سرقة الآخرين وعدم إيجاد السبل التي تحد منها وتكافحها بنجاح، سوف تتعاظم الخطورة وينهار المجتمع ككل، وتفشل منظومة القيم وكل اساليب وادوات الاصلاح في السيطرة على السراق، وبالتالي ينهار الاقتصاد كليا ويخسر السارق والمسروق معا، ويقع المجتمع والدولة في مشكلة الفقر والفوضى والفشل في ادارة الموارد والثروات.

من الملاحظ أن المجتمعات المتقدمة وجدت حلولا لهذه الظاهرة، ليس بطرح الاخلاقيات والمثالية في السلوك ورفض السرقة بدواعي الاعراف والدين وما شابه، بل وجدت تلك المجتمعات أن عدم سرقة الآخر تؤدي بالنتيجة الى ربح الجميع، بمعنى اوضح عندما أتيح لك أن تربح فإن المجال سيصبح واسعا بل أكيدا لكي اربح أنا، وهكذا وفقا لهذا التصور والرؤية والسلوك سيربح الجميع، لذلك عمل الاغنياء والمتطورون والمخططون في المجتمعات الناجحة على اتاحة الفرصة للجميع كي يربحوا، وأغلقوا الطرق أمام السرقات، بمعنى أن الاغنياء والاثرياء واصحاب القرارا ومن يمسك بزمام الامور في المجتمعات المتقدمة، يمكنهم سرقة الاخر الأضعف او الأفقر منهم، ولكنهم أغلقوا هذا الحيّز الخاطئ، وفتحوا المجال للجميع كي يربحوا، وبهذه الطريقة ضمن الجميع الربح بديلا لظاهرة السرقة التي كانت تطيح بالجميع في وحل الخسارة والفقر.

من هنا ينبغي أن نتعلم الربح في مجتمعاتنا الثرية الفقيرة، كما هو الحال مع العراق، حيث تبلغ ثرواته مئات بل ملايين ومليارات الدولارات، ولا يزال شعبه فقيرا وخدماته تصل درجة الصفر، والترفيه غائب كليا او بنسبة عالية، والبطالة تطيح بالشباب والخريجين، وثمة الكثير من المؤشرات التي تدل على فقر الشعب او نسبة كبيرة منه، بسبب وجود ظاهرة سرقة الآخر بشتى السبل والتحايل والمخادعة وتحويل الطرق اللامشروعة الى مشروعة، وتبريرها وفقا لقيم جديدة دخيلة على المجتمع العراقي، مثل (الشطارة/ الرشوة/ تكوين النفس) وما شابه من مصطلحات وقيم خطيرة، أشاعها الفاسدون والمفسدون، بين العراقيين في المرحلة الراهنة.

لذلك على الجميع أن يتنبّه لخطورة سرقة الآخرين، لأن من يسرق الآخر سوف يتعرض هو نفسه للسرقة في نهاية المطاف، وحينذاك سوف يتعرض الجميع للسرقة بدلا من الربح، لذا ينبغي أن يتم العمل على رفض السرقة بشتى اشكالها وصورها وأساليبها، ورفع الاغطية عنها وعدم شرعنتها اطلاقا، وتفعيل الضوابط المختلفة للحد من هذه الظاهرة، ومنها تفعيل الاعراف والاخلاق والقيم السليمة، وتعضيد القانون نصاً وتطبيقا، واتاحة فرصة الربح للجميع، كونها السبيل الى القضاء على ظاهرة سرقة الآخرين.

ولابد أن يتقدم الجهد الرسمي جميع الجهود في هذا الصدد، على أن تقوم المنظمات والمؤسسات المدنية المعنية، بدورها في مجال توضيح مخاطر منهج السرقة المبرَّر، حيث يظن كثيرون أن اللهاث وراء جمع المال والثروة بشتى الطرق أمرا صحيحا، وبعضهم يعتقد أنه لا يرتكب إثما عندما يستخدم المخادعة والتبرير والتحايل، من اجل كسب المال، خاصة عندما يعود المال للشعب، أو ما يُطلَق عليه بالمال العام، حيث يتسابق المفسدون الى ايجاد شتى الحجج، لشرعنة التجاوز على المال العام، والاثراء على حساب الفقراء، ولكن بالنتيجة ستكون كل هذه السرقات، عاملا مساعدا لافقار الدولة والمجتمع برمته، بمن في ذلك الذين يسرقون ويظنون أنهم لا يُسرَقون.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/آذار/2013 - 21/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م