افغانستان... دولة لا تزال في الدائرة الحمراء

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: اثنى عشر عاما انقضت على الاطاحة بنظام طالبان في افغانستان، ولا تزال مظاهر العنف والارهاب تهيمن على المشهد العام في البلاد وان كانت معدلاته تتباين بين فترة وأخرى.

فجهود تطويق التنظيمات المتشددة واحتوائها كانت في اغلبها تذهب ادراج الرياح، نظرا لتداخل الاجندات الاجنبية مع اهداف جماعات العنف على حساب الدولة الافغانية كما يرى المراقبون.

وتتوزع اعداد ضحايا العنف داخل تلك الدولة بين من هجمات جماعات الارهاب وممن يسقطون بنيران القوات الحكومية والاطلسية المرابطة هناك.

وتنشر الولايات المتحدة والحلف الاطلسي حوالى 100 الف جندي في افغانستان سيغادر اغلبهم هذا العام بعد ان تتسلم القوات الافغانية تدريجيا مسؤولياتها.

وغالبا ما تستهدف الجماعات الارهابية مؤسسات الدولة ومفاصل ادارتها في عملياتها المسلحة، الى جانب استهداف بعض الشرائح الاجتماعية، حيث سجل عدد موظفي الدولة الافغان الذين اصيبوا او قتلوا في هجمات ارتفاعا بنسبة 700% بين 2011 و2012 فيما تراجع عدد الضحايا المدنيين في 2012 لاول مرة منذ ست سنوات، على ما افادت الامم المتحدة مؤخرا.

واعتبرت بعثة الامم المتحدة في افغانستان في تقريرها السنوي عن الضحايا المدنيين ان عدد الاغتيالات التي استهدفت بها حركة طالبان بشكل محدد موظفات في الدولة "مقلق للغاية".

وقتل 2754 مدنيا في النزاع في العام الفائت ما يشكل تراجعا بنسبة 12% من 2011، ويرفع الحصيلة في السنوات الست الاخيرة الى 14728 مدنيا بحسب التقرير. وقال التقرير "انه فيما تراجع العدد الاجمالي للقتلى المدنيين عام 2012 تزايد استهداف العناصر المعارضة للحكومة للمدنيين في مختلف انحاء البلاد حيث شنوا الهجمات في استهتار تام بالحياة البشرية".

وارتفع عدد القتلى المدنيين بين صفوف مؤيدي الحكومة ومن بينهم الموظفون الرسميون ورجال الدين واعيان القبائل والناشطون في جهود السلام بنسبة 108% ليطال 1077 شخصا.

وقال التقرير انه "من بين هؤلاء ارتفع عدد القتلى والمصابين بين موظفي الحكومة المدنيين بنسبة 700%". وتابع "المثير للقلق بشكل خاص هو الاغتيالات التي استهدفت النساء ونفذها معارضو الحكومة على ما حدث في عملية قتل رئيسة ونائبة رئيسة دائرة الشؤون النسوية في لقمان في تموز/يوليو وكانون الاول/ديسمبر 2012".

بالاجمال يتحمل المتمردون مسؤولية 81% من القتلى المدنيين فيما سقط 8% بيد القوات الافغانية والاطلسية. وتعذر تحديد المسؤولية بالنسبة الى ال11% المتبقية.

وفي النصف الاول من عام 2012 شهد عدد القتلى المدنيين تراجعا بنسبة 15% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وصرح الممثل الخاص للامم المتحدة في افغانستان يان كوبيس ان "تراجع القتلى المدنيين الذين رصدتهم بعثة الامم المتحدة في افغانستان عام 2012 مرحب به".

وتابع "لكن الثمن البشري للنزاع ما زال غير مقبول" مشيرا الى استخدام المتمردين العبوات الى جانب الطرقات من دون اي تمييز ما يجعلها السبب الابرز وراء سقوط قتلى مدنيين.

وقال ان الارتفاع الهائل في استهداف المدنيين الذين يعتبرون مؤيدين للحكومة يشكل "انتهاكا خطيرا اخر للقانون الانساني الدولي". كما اضاف "الامر المروع بشكل خاص هو اللجوء الى الهجمات الانتحارية ولا سيما التي ينفذها اطفال تم غسل ادمغتهم لقتل مدنيين ما يشكل ايضا مخالفة لتعاليم الاسلام".

فيما علق مسؤولون اميركيون ان تقرير عن انخفاض الهجمات ليس صحيحا، مشككين في مزاعم الحلف الاطلسي حول احراز تقدم في الحرب، مؤكدين على ان تلك المعلومات خاطئة، وان عدد هجمات طالبان في ذلك العام يساوي عددها في العام الذي سبق.

وذكر مسؤول في وزارة الدفاع الامريكية طلب عدم الكشف عن هويته ان "الخطأ يعود الى الاعداد الكبيرة للوحدات الافغانية التي تدخل على موقع الانترنت، وتولي هذه الوحدات القيادة في 2012 لاول مرة في غالبية المناطق".

وتراجع عدد الغارات الجوية التي تشنها الطائرات الاميركية بنسبة تقارب الربع العام 2012 ولكن مع ازدياد الغارات التي تشنها طائرات من دون طيار، في انعكاس للانسحاب الجزئي للقوات الاميركية من افغانستان وتغيير مهامها.

والقت الولايات المتحدة 4092 قنبلة وصاروخا العام الماضي وقامت ب28 الف طلعة جوية مقابل 5411 غارة العام 2011، اي بتراجع 24% بحسب بيانات سلاح الجو الاميركي.

الا ان الطائرات من دون طيار استخدمت بشكل اكبر في هذه الغارات: ففي العام 2012، اطلقت طائرات "بريداتور" و"ريبر" نحو 506 صواريخ على افغانستان مقابل 294 العام 2011 بزيادة بنحو 72%.

كما تطورت مهمة هؤلاء الجنود نحو دور يتمحور خصوصا على مؤازرة الجيش والشرطة الافغانيين اللذين ازداد عديدهما الى 350 الف عنصر يتولون المسؤولية الامنية في غالبية اراضي البلاد. وتسعى القوة الدولية الى تحسين قدرات الجيش الافغاني في المجال اللوجستي والاجلاء الطبي او الصيانة.

ورغم انه يملك بعض المروحيات الروسية الصنع، على الجيش الافغاني الاعتماد بشكل اساسي على مؤازرة نارية على الارض اكثر من المؤازرة الجوية عندما يتولى العمل بشكل منفرد، بحسب ما اوضح مسؤول رفيع المستوى من الائتلاف، الجنرال الاميركي جيمس تيري.

وعلى الرغم من ذلك كرر الرئيس الاميركي باراك اوباما وعده بتسريع نقل المسؤوليات الامنية من حلف شمال الاطلسي الى القوات الافغانية في الربيع، في مؤشر الى امكانية تسريع انسحاب القوات الاميركية من هذا البلد.

وبعد لقاء مع نظيره الافغاني حميد كرزاي، قال اوباما ان قوات حلف شمال الاطلسي سيكون لها "دور محدود جدا" في البلاد بعد 2014، مؤكدا ان واشنطن انجزت هدفها الاساسي ب"ضرب رأس" تنظيم القاعدة.

وقال اوباما في مؤتمر صحافي مشترك مع كرزاي "اعتبارا من هذا الربيع ستكون لجنودنا مهمة مختلفة هي التدريب وتقديم المشورة ومساعدة القوات الافغانية". واضاف "ستكون لحظة تاريخية ومرحلة جديدة باتجاه سيادة تامة وكاملة" للافغان.

وصرح اوباما الذي يريد سحب الجزء الاكبر من 66 الف جندي اميركي منتشرين في افغانستان، ان القوات الاميركية ستكون لها بعد 2014 مهمة "محدودة جدا" في تدريب القوات الافغانية ومنع عودة تنظيم القاعدة.

الا ان هذه التصريحات واثار هذا التصريح مخاوف من ان تواجه افغانستان اذا تخلت عنها الاسرة الدولية مجددا، وضعا يشبه ما حدث بعد انتهاء الغزو السوفياتي في 1989.

فقد ادى فراغ السلطة الى صعود حركة طالبان وتحول البلاد الى ملاذ لتنظيم القاعدة الذي شن اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001 ما دفع الولايات المتحدة الى غزو افغانستان بعد حوالى شهر من ذلك.

وقال اوباما انه على الرغم من الكلفة البشرية والمادية الهائلة ل12 عاما من الحرب، من المهم الاعتراف انها جرت ردا على هذه الهجمات وحققت اهدافها المركزية. واضاف "لا شك ان امكان السلام والازدهار في افغانستان اليوم اكبر مما كانت عليه حتى قبل ان ندخلها". وتابع "هل انجزنا كل شىء يمكن تصور اننا نريد انجازه في افضل السيناريوهات؟ على الارجح لا. تعرفون انها عملية بشرية ولا يمكن ان تبلغ الهدف الاسمى".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/آذار/2013 - 21/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م