شبكة النبأ: تشغل موضوعة العنف
والارهاب حيزا واسعا من اهتمامات الكتاب والباحثين في مختلف ارجاء
العالم، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا. ولايعني هذا الانشغال المتواصل الا
تاكيد حقيقة واحدة وهي غلبة العنف على جميع شؤون الانسان الحياتية، في
السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع، وهو عنف آخذ بالاتساع والاطراد
رغم كل الدعوات الناهضة ضده.
هناك كثير من العوامل التي تساعد على تنمية العنف، وقبلها تنمية
التطرف الذي يقود الى التعبير عن نفسه بمظاهر عنفية شتى، بدءا من العنف
اللفظي وانتهاءا بالعنف الجسدي.
تتوزع العوامل المغذية للعنف بين اجتماعية وتربوية واقتصادية
وسياسية، الا ان الغالب الاعم منها هو مايتعلق بالخواص النفسية
والتربوية للانسان، والتي تشمل الضعف النفسي، وغلبة التطبع على الطبع (الفطرة
الانسانية)، والتربية الخاطئة على مغذيات التطرف في الاقوال والسلوك.
هي معضلة، فرغم كل الادانات للعنف الا انه يستشري كثيرا في حياتنا
ويتنقل بين تفاصيل ساعات يومنا، حتى احلامنا ماعادت احلاما بل هي
كوابيس صحوة متواصلة نعيشها رغما عنا..
وهي معضلة لان اغلب الحلول حاولت ان تبني وتشيد عمارات التسامح
والسلم واللاعنف خارج الارضية الخصبة لكل شيء وهي روح الانسان ونفسه.
وهي مثلها في الفشل مثل افكار التنوير والنهضة التي لم نستطع قبولها
والترحيب بها، لان ما اراد تشييده روادها كان منبتا عن ارضه وتربته وهي
روح الانسان ونفسه.
هناك ملاحظة مثييرة للاهتمام يتطرق اليها الباحث محمد الرميحي في
تعقيبه على ورقة مقدمة من الباحث حيدر ابراهيم علي حملت عنوان(تجدد
الاستبداد في الدول العربية ودور الامنوقراطية) والتي صدرت ضمن مجموعة
بحوث في كتاب حمل عنوان (الاستبداد في نظم الحكم العربية المعاصرة)
والصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في العام 2005.
يقول الباحث محمد الرميحي (لما نقرأ عن الطهطاوي مثلا نجد انه عنصري
في الدرجة الاولى، فقد تحدث عن السودانيين على انهم سود، وتحدث عن
الاقباط على ان لهم رائحة، بما يدل على ان هناك مشاكل في فكر الطهطاوي).
وهي ملاحظة صائبة جدا، تريد ان تقول لنا تلك الملاحظة ان سبب فشلنا
بالاضافة الى اسباب اخرى، هو بعدنا عن التمثل الحقيقي لما ننادي به
ونطالب الاخرين بتطبيقه.
وهي ايضا ملاحظة صائبة، من ناحية ان المنادين بالتغيير والاصلاح
يفشلون في ذلك اذا لم يبدؤا بانفسهم اولا.
للامام الشيرازي الراحل كتاب يحمل عنوان (ممارسة التغيير لإنقاذ
المسلمين) يضع فيه الاس اللازم لهذا التغيير، منطلقا من الآية القرآنية
الكريمة (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم) سورة الرعد /
الاية 11.
وفصول الكتاب كلها تنصب على تغيير النفس اولا، ومنها يتسنى تغيير
العالم باسره.. وهو تغيير طالما اعتبر نوعا من التهديد، تهديد للساكن
والقار من افكارنا وتصوراتنا نحو انفسنا ونحو العالم.
تهديد اشارت اليه باربرا ويتمر في كتابها (الانماط الثقافية للعنف)
والصادر عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية سنة 2007 حيث تقول في الجزء
الاول من كتابها والذي عنونته ب (العنف في الخطاب الثقافي) والذي تصف
فيه حال الثقافة الغربية (لقد اختارت ثقافتنا ان تفسر التغيير على انه
تهديد بدلا من جعله اختلافا).
في كتاب ممارسة التغيير تبدأ الخطوة الاولى والتي عنونها الامام
الراحل ب (المقدمات الاساسية للتغيير) تبدأ بالوعي السياسي، وتنتهي
بالزهد والورع، وهي نهاية الكتاب، لكنها ليست نهاية مشروع الامام
الراحل، فهو مشروع استغرق فيه طيلة حياته، ضد العنف والتطرف والارهاب،
فهو شذوذ في فطرة الانسان التي فطره الله عليها، والاصل هو السلم
والتسامح واللاعنف.
والكتاب وان تبادر الى الذهن من اللمحة الاولى انه يتوجه الى القادة
والداعين والممارسين للتغيير، الا ان القراءة المتانية له، تكشف
مستويات اخرى من الخطاب، والذين يتوجه اليهم هذا الخطاب.
انه يتوجه الى الانسان بصورة عامة، كائنا ماكان هذا الانسان، قائدا
او مقودا، تابعا او متبوعا، لان ثمار التغيير يقطفها الجميع طالما ان
الجميع يمارس عملية التغيير من داخله اولا.
مقدمات التغيير التي يتطرق اليها الامام الراحل هي في المحصلة
النهائية، خارطة تغيير للانسجام مع الدعوة الى التغيير والبدء بالنفس
اولا، وهي خارطة طريق لتربية النفس على كل الفضائل التي ترتقي بانسانية
الانسان، بعيدا عن مصادر التطرف والعنف والتي يجملها الامام الراحل في
سياق عبارة ترد في كتاب له عنوانه (السبيل الى انهاض المسلمين) حيث
تقول تلك العبارة (اما ان يرى الانسان كل خير وفضيلة في نفسه ومجموعته،
ويرى الاخرين مجردين عن الفضيلة، بل ويراهم منغمسين في الرذيلة، فهذا
الفكر لابد ان ينتهي الى غير السلام.. الى العداوة، البغضاء، السنآن،
الهمز، اللمز).. وهي كما لا يخفى البوابة الرحبة لجميع انواع التطرف
والعنف. |