واشنطن إذ تهب لمساعدة مرسي!!

عريب الرنتاوي

واشنطن تضغط على المعارضة المصرية لدفعها للمشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة.. والأرجح أن وزير وخارجيتها جون كيري الذي سيحط في القاهرة غداً، سيمارس ضغوطاً مباشرة على كل من يلتقيهم من قادة "الإنقاذ".. وكما هو معروف فإن جدول أعمال رئيس الدبلوماسية الأمريكية مُحمّل بمواعيد مع عمرو موسى والسيد البدوي وربما البرادعي، أما حمدين صباحي ومعه "فصيلة" من قادة الحراكات الشبابية الطلابية، فقد قرروا مقاطعة الزيارة والزائر، كما قرروا المضي في قرار مقاطعة الانتخابات.

وإذا ما نجح الأمريكيون في مسعاهم هذا، فإن من المتوقع أن "شقّ" المعارضة وتذليل عقبة المقاطعة، وتمرير الاستحقاق الانتخابي في موعده المقرر (الذي أعطته واشنطن طابع القداسة)، وفي خدمة "جليّة" و"جليلة" للإخوان ومرسي، ومن ضمن سياسة قديمة – جديدة، تعظّم شأن الأمن والاستقرار من جهة، وتضع أمن إسرائيل في صدارة الأولويات.

السياسة الأمريكية حيال مصر، واستتباعاً حيال الربيع العربي، دولاً وشعوباً وإسلاميين، لم تتغير أبداً.. لسنوات وعقود طوال، ظلت واشنطن تضع "الاستقرار والتعاون الأمني" في صدارة أولوياتها الشرق أوسطية، حفاظاً على أهم مصلحتين لها في المنطقة: إسرائيل والنفط.. وهذا ما دفعها لسنوات وعقود للاصطفاف خلف أكثر النظم ديكتاتورية وفساداً في المنطقة.

التاريخ يعيد نفسه، واشنطن في سنيّ الربيع العربي، تأنس لمواقف النظم الجديدة (ذات الصبغة الإخوانية) من إسرائيل ومعاهدات السلام معها وحفظ أمنها و"تهدئة" حدودها.. في المقابل، نراها تعطي أذنا من طين وأخرى من عجين، لكل نداءات الإصلاح والإصلاحيين في المنطقة، تماماً مثلما كانت تفعل مع حسني مبارك وزين العابدين بن علي.. يبدو أن لواشنطن "ذاكرة سمكة"، فأحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر لم يمض عليها سوى "دزينة" من السنوات، ومع ذلك تعاود واشنطن، إنتاج السياسة ذاتها، والأخطاء ذاتها.

صحيح أن "حفلة" الضغوط على المعارضة المصرية، تزامنت مع اتصال هاتفي بين أوباما ومرسي، تباينات "الصياغتان" الأمريكية والمصرية في عرض مضمونه، وصحيح أيضاً أن أوباما ربما يكون حث الرئيس المصري على احترام قواعد اللعبة الديمقراطية.. لكن الصحيح كذلك هو أن ما قاله أوباما لمرسي، جاء نسخة مكررة، غير مزيدة وغير منقحة، عمّا كان يقوله رؤساء أمريكيون سابقون لنظيرهم، نشدد على نظيرهم، وليس نظرائهم المصريين.

ولأن العلاقات بين الدول، كما الأفراد، تحتاج كرقصة "التانغو" لشريكين، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: ما الذي يقدمه النظام المصري الجديد لواشنطن، لحفزها على التدخل لصالح برنامجه وأجندته؟!.. وما هي الوعود التي قطعها على نفسه، سراً وعلانية، من أجل إقناع سيد البيت الأبيض، برفع سماعة الهاتف، وتحريك السفير، وإيفاد رئيس الديبلوماسية الأمريكية لتقديم العون والإسناد لخطة مرسي واستحقاقاتها؟.. وقبل هذا وذاك، ما الذي تلقته واشنطن من عهود وتعهدات، نظير قرض الخمسة مليارات دولار لمصر من صندوق النقد الدولي، وهو الصندوق الذي تحظى فيه واشنطن، بحق "الفيتو" مثلثاً ومربعاً، وبما يفوق سطوة "الفيتو" في مجلس الأمن؟.

هل هي مكافأة لتجديد الالتزام بكامب ديفيد واحترام التزامات مصر السابقة؟.. هل هو التنسيق الأمني والعسكري المصري – الإسرائيلي الذي لم يهتز للحظة واحدة، برغم الثورة والربيع وصعود الإسلاميين؟.. هل هو الأداء المُتخطي، لعلاقات الأخوة القومية و"الإخوانية" زمن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة؟.. هل هي سياسة "إغراق إنفاق غزة بالمياه العادمة" وتشديد الحصار على القطاع المجوّع والأسير؟.. هل هي المواقف النارية من نظام الأسد والأزمة السورية؟.. أم هي كل هذا وذاك وتلك، مما نعرف ومما لا نعرف؟.

أذكر في مناظرة مع دبلوماسي أوروبي رفيع، في منتدى لصحيفة محلية، أنني طالبت مبكراً بعيد الانتخابات المصرية، بضمانات وتطمينات من الأوروبيين والأمريكيين، بعدم تكرار تجربة التعامل مع النظم "الأوتوقراطية"، بعد حلول نظم "ثيوقراطية" محلها.. وعدم تغليب الأمن والاستقرار على الإصلاح والتحول الديمقراطي، يومها بدت مطالبتي غريبة وناشزة، بل وخروجاً عن السياق الجاد للجلسة.. اليوم يتجسد أسوأ ما في كوابيسنا ونحن نرى التاريخ يعيد نفسه، وإن على شكل مهزلة.

* مركز القدس للدراسات السياسية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/آذار/2013 - 21/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م