العرب وشيوع انغلاق المنظومة الفكرية

 

شبكة النبأ: المنظومة الفكرية للمجتمع، هي التي تحكم طبيعة الحركة المجتمعية في الانشطة كافة، وكلما اتسمت هذه المنظومة بالانفتاح والتحرر والاقتراب من الاخر، كلما كانت أكثر حيوية وافضل انتاجا، على مستوى الفكر والمنتج الفعلي العملي، لهذا يُنصح بالابتعاد عن التحجّر الفكري، ويطالب المفكرون الاحرار المنفتحون على ميادين الحياة المختلفة، بنبذ الانغلاق الفكري والمعرفي، حتى يمكن للمجتمع أن يتفاعل مع غيره من الخبرات الاخرى، الفكرية والعملية.

وفي حديثنا عن المنظومة الفكرية للمجتمع العربي عموما، فإننا سنلاحظ تخوّفا من الآخر، ومن ثم التحرك نحو الانعزال والتقوقع في الذات الجمعية، ما يؤدي بالتالي الى البقاء في حيز مغلق لا جديد فيه، بل يتخوف من الجديد، ويمقت الاخر ويبتعد عنه ويحاربه احيانا، والسبب واضح تماما، حتى تبقى مؤسسات السلطة الفكرية والسياسية، هي التي تتحكم بحركة المجتمع، وتستفيد من عزلته وتخوفه وبقائه في منظومة فكرية ومعرفية مغلقة.

من هنا لابد من الاعتراف بالمأزق الذي يعاني منع العرب، ونعني به مأزق السلطة، وبالتالي مأزق المجتمع ككل، على أن المسبب الاساس لهذا المأزق هو الانغلاق الفكري المعرفي، ومحاولة شن الحرب على الافكار الاخرى، لاسيما اذا كانت مؤثرة ولدينا المثال الاقرب، ما حدث في مصر بعد مجيء الاسلاميين (بقيادة الاخوان المسلمين) وتسلمهم للسلطة، لقد كان المتوقع من هؤلاء المعارضين للاستبداد العسكري للنظام المصري السابق، أن يفتحوا صفحة جديدة لحرية الفكر والرأي والمعتقد، ويمنحوا الشعب المصري رئة جديدة كي يتنفسوا الحرية فعلا، بعد أن قدم الشعب المصري بكل مكوناته كثيرا من التضحيات والخسائر، بحثا عن حياة افضل وحرية اكثر، لكن الذي حدث جاء مخالفا للمتوقَّع، بل واكثر من ذلك ان السلطات الجديدة قامت بعدة خطوات، كي تثبت بأنها ذات منظومة مغلقة بالفكر والمعرفة ايضا، لذا هي متخوفة من الجميع، وبدأت باتخاذ خطوات سريعة وغريبة، لتحصين السلطة وتثبيتها وحصرها بيد الاسلاميين، مع محاولات مفضوحة لاقصاء الاخرين، وضربهم بما في ذلك الاقليات التي كان من المفترض ان يتم حمايتها.

لقد هاجمت السلطة المصرية الحالية على سبيل المثال، الاقلية الشيعية في مصر، وتم وصفهم بأنهم أسوأ الفرق !!، مع ان الشيعة هم الذين يقفون وراء تأسيس الدولة الفاطمية في مصر، والتي اثبتت بأنها من ارقى الدول آنذاك، حيث انتشر العلم والادب وتطورت مصر لتضاهي آنذاك افضل الدول، تُرى لماذا يتم التعامل مع هذه الاقلية بهذه الطريقة المجحفة التي تدل بصورة واضحة، على تحجر فكر الاخوان المسلمين، وانغلاق المنظومة الفكرية للعرب وتخوفهم من الاخر، لان الاخوان المسلمين نشأوا في نزعة سلطوية عربية، تحاول ان تحمي نفسها من الانفتاح والمعاصرة، معتقدة أن فضاء الحرية الفكرية والمعرفية يشكل خطرا جسيما عليها.

وهكذا حدث مع أقليات اخرى في مصر وغيرها، الامر الذي يدل بشكل قاطع على حالة مفرطة من الانغلاق على الذات السلطوية، والتخوف من الاخر، وهذا ما يجعل استمرار المأزق العربي مستمرا وقائما، طالما بقي القائمون على السلطة مغلقين متحجرين متخوفين من الاخرين، لاسيما من الاقليات التي ينظرون لها بعين الريبة، ويتعاملون معها بلغة العزل والاقصاء، ويصفونها بصفات سيئة تصل حد التشهير والقذف والتسقيط، وهو اسلوب يمارسه ذووا العقليات المغلقة التي لا تتمتع بالحكمة وسعة البصيرة.

وطالما بقيت الحال كما هي عليه، فيما يتعلق بالمنظومة الفكرية للعرب، لاسيما من يتصدون للسلطة وقيادة المجتمع، فإن المأزق السياسي والاجتماعي سيبقى قائما، واذا لم يتنبّه اصحاب الشأن الى معالجة هذه الظاهرة الخطيرة، فإن الاوضاع آخذة نحو التدهور لا ريب، وأن المأزق القائم يبقى مستمرا، فيما يبقى المجتمع العربي في مصر او سواها، هو الذي يتعرض للخسائر والتضحيات التي تنتج عن العقلية المتزمتة المغلقة على ذاتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/آذار/2013 - 20/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م