ايران بين الداخل والخارج

الصراعات المستترة بين اقطاب السلطة

 

شبكة النبأ: مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في إيران، تتصاعد الصراعات الداخلية بين النخبة السياسية الإيرانية، مما أدى إلى طرح سيناريوهات كثيرة متباينة على المشهد السياسي الإيراني مؤخرا.

فكما يبدو بأن الانتخابات في هذه السنة ستشهد صراعات ونزاعات حامية الوطيس لاقتناص كرسي السلطة الإيراني، وذلك من اجل هيمنة الطرف الفائز على مراكز صنع القرار الإيراني و البرلمان الجديد، لكن يرى بعض المتخصصين في الشؤون الايرانية بأن القيادة العليا في إيران تهدف للحصول على المزيد من السيطرة، وذلك من خلال توحيد المواقف داخليا ووضع السلطات كافة بيد واحدة من اجل توحيد موقفها خارجيا، اي  التعامل مع التحديات الخارجية مثل البرنامج النووي الايراني ومشاكل الداخلية مثل الفساد.

لكن الكثير من الأمور مرهون بالانتخابات الايرانية القادمة التي يمكن أن تقضي على اي فرص لإحراز تقدم سريع في المستقبل القريب على شراكة السلطة او توحيد المواقف بالمستويين الداخلي والخارجي.

وعلى الرغم من تلميحات صناع السياسة الإيرانيين إلى الحاجة لاتباع نهج مبتكر في التواصل مع القوى الغربية فإن توقيت الانتخابات ربما يملي ركودا لعدة اشهر اخرى في المحادثات النووية، كون ايران تنشغل في الوقت الراهن بصراع داخلي محتدم على السلطة على نحو يجعل احتمال توصلها إلى اتفاق مع القوى العالمية على سبل إنهاء خلافهما النووي أمرا غير مرجح.. فالخروج من هذا الصراع الذي يسبق الانتخابات سيكون الأولوية الأولى لنخبتها المنقسمة.

فمع إجراء الانتخابات الرئاسية في يونيو حزيران القادم قد لا تكون جولة المفاوضات القادمة أكثر من مجرد "محادثات" ليظل باب الدبلوماسية مفتوحا. ومن المنتظر أن تعرض القوى العالمية على طهران خلال المفاوضات تخفيف بعض العقوبات إن هي كبحت الأنشطة التي يمكن استخدامها في إنتاج سلاح نووي.

ويرى بعض المحللين بأن موقف النظام يتذبذب بين الرغبة في مفاوضات حقيقية والرغبة في التعطيل لكسب الوقت. على الرغم من ان العقوبات مؤلمة... فإنها لا تحدث أثرا كافيا لتغيير وجهة نظر القيادة من القضية النووية. إنها ليست مؤلمة بدرجة تستحق تحمل ذل الرضوخ للضغوط بعد بناء البرنامج النووي على مدى سنوات والترويج له باعتباره عملا بطوليا.

لذا تفاوتت آراء المحللين حول ماهية صراع السلطة في ايران مستقبلا بين هدف تصدير أزمة وتفجير أزمة جديدة، فمنهم من يقول بأن هذا الصراع المحموم يسعى لتحقيق أجندة إقليمية من خلال تصدير الأزمة الإيرانية الى البلدان الاخرى من اجل توسيع رقعة الصراع وابعاد الازمة عن ايران، في حين يرى محللون آخرون بان ذاك الصراع يهدف لخلق قوى جديدة بين الإطراف السياسية أكثر توازنا، وقد يعلن الصراع المحموم في ايران عن تحدي وصراع جديد يضع جميع اللاعبين الرئيسيين تحت وطأة المؤامرات في المرحلة القادمة.

وعليه يجمع المراقبون بأن ايران تعيش اليوم نزاعات وتحديات جديدة تلوح بآفاق سياسية مضطربة، نتيجة لصراع إثبات الوجود، مما قد يفاقم من هشاشة الدولة، ويعرقل التطور السياسي، خصوصا بعد صاعدة السخونة السياسية حول برنامج إيران النووي مع تزايد العقوبات الدولية على دولة إيران، مما يضعها إمام تحديات كبرى على أكثر من صعيد في المستقبل القريب.

وفي ذات الشأن قال دبلوماسي غربي مقيم في طهران "ايران في حالة إنصات. سيعودون الى طهران ويبحثون العرض... لكن من غير المرجح أن يبحثوا القضايا بعمق الى أن تتبدد حالة انعدام الأمن الناجمة عن الصراع الداخلي على السلطة."

وربما تجد الحكومات الغربية ما يدعو للتفاؤل حين تنظر للأمر عن كثب. فقد أظهرت القيادة الدينية بإيران مؤخرا بوادر اهتمام بالانخراط مع الغرب بصورة أوثق مما مهد لوجود طهران في عاصمة قازاخستان السابقة.

وراقت فكرة المحادثات المباشرة بين ايران والولايات المتحدة والتي ظهرت بعد تصريحات أدلى بها نائب الرئيس الامريكي جو بايدن هذا الشهر لصناع القرار الإيرانيين ولم يستبعد هذا الاحتمال سوى قلة قليلة.

ويؤيد الرئيس محمود احمدي نجاد منذ فترة طويلة الانخراط مع الولايات المتحدة وانضمت له شخصيات سياسية أخرى لها ثقل مثل رئيس البرلمان علي لاريجاني الذي كان قد قال إنه "لا خط احمر" أمام المحادثات المباشرة، وخلال ايام قضى خامنئي على مثل هذه الرسائل حين قال إن الجمهورية الإسلامية لن تتفاوض "تحت تهديد السلاح".

 لكن محللين يقولون إن طهران تركت لنفسها مساحة للتراجع، وقال سكوت لوكاس مؤسس موقع إي.إيه وورلدفيو وهو موقع إخباري يتابع وسائل الإعلام الإيرانية "ترك الزعيم الاعلى الباب مفتوحا. حين نحلل تصريحاته نجد أنها تظهر أن إيران تريد إجراء بشأن العقوبات وأنه ما لم تتخذ خطوة جادة بهذا الشأن فإنه (الزعيم الأعلى) لن يستطيع الوثوق في الولايات المتحدة"، ويدين احمدي نجاد بحياته السياسية لخامنئي بعد أن اجتاز احتجاجات حاشدة إثر فوزه بولاية ثانية في انتخابات 2009 التي ثارت خلافات حول نتائجها لكن مسعاه الجديد للاستحواذ على النفوذ والشعبية أثار خلافات بينهما منذ ذلك الحين.

فالموالون لخامنئي يخشون أن يكون احمدي نجاد -بوصفه اول رئيس للجمهورية الإسلامية من غير رجال الدين منذ عام 1981- يناور لتقويض مكانة آيات الله وإضعاف نفوذ الزعيم الأعلى، وقال لوكاس من اي.إيه وورلدفيو "قضية سلطة خامنئي في الداخل تتقدم على المحادثات النووية. فالزعيم الاعلى عليه أن يخوض معركة ليضع احمدي نجاد في مكانه. والسؤال هو: هل هو مسيطر على الموقف"، وقبل ايام من عرض مسؤولين امريكيين رفع العقوبات على تجارة الذهب قالت ايران إنها تحول جزءا من مخزونها من اليورانيوم المخصب لدرجة أعلى الى وقود للمفاعلات.

ويقول محللون إن هذه وسيلة لتبطيء ايران من نمو مخزونها من المادة التي يخشى الغرب أن تتيح لها امتلاك القدرة على إنتاج أسلحة نووية وإن كانت طهران تؤكد أنها لا تسعى الا لطاقة نووية تستخدم في اغراض مدنية.

لكن البعض يرى ان هذه حيلة لإطالة أمد المفاوضات.

ويقول دبلوماسيون إن هذا ينم عن أن إيران تريد تجنب مواجهة عسكرية لكن الأمر قد لا يغير شيئا في قواعد اللعبة لأن تحويل جزء من المخزون إلى وقود للمفاعلات لا يؤثر في الوقت الحالي على مخزون اليورانيوم المخصب ككل. كما يقولون إنه يمكن أيضا العدول عن عمليات التحويل هذه رغم أن العملية معقدة فنيا.

في السياق ذاته قدم النواب الايرانيون "اعتذارات" علنية للمرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي الذي انتقد بشدة مناقشات عنيفة جرت خلال اقالة وزير العمل، وقال النواب في بيان وقعه 265 من اعضاء مجلس الشورى الذي يضم 290 نائبا "نحن نواب البرلمان (...) نقدم اعتذاراتنا على ما حدث خلال جلسة حجب الثقة (عن الوزير) ونعتبر الامتثال لتصريحات المرشد الاعلى واجبا شرعيا ودينيا".

وشهدت الجلسة جدلا حادا بين احمدي نجاد ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، اذ ان الرئيس الايراني بث تسجيلا يلمح الى ان لاريجاني وشقيقه صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية، عرضا على مرتضوي تقديم دعمهما مقابل رشاوى، وبعد انتقادات خامنئي، عبر علي وصادق لاريجاني واحمدي نجاد عن "امتثالهم" للمرشد الاعلى الذي يعد الحكم الفعلي في المؤسسات والحياة السياسية الايرانية.

وكان لاريجاني -وهو على عداء سياسي معلن مع الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد- يتحدث في موقع ديني في مدينة قم المقدسة لدى الشيعة وهي المدينة التي يمثلها في البرلمان بمناسبة الذكرى 34 للثورة الاسلامية الايرانية التي اندلعت عام 1979.

وفي كلمة ألقاها الرئيس الإيراني بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين للثورة الإسلامية تحدث أحمدي نجاد بنبرة تصالحية أكثر من الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الذي رفض في السابع من فبراير شباط دعوة أمريكية لإجراء مفاوضات مباشرة لبحث الخلافات بين البلدين.

وليس من سلطة أحمدي نجاد السماح بإجراء مفاوضات بشأن البرنامج النووي وهي من سلطة خامنئي. ووافقت إيران بالفعل على إجراء جولة جديدة من المحادثات مع القوى العالمية لكنها لم توافق على إجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة في قازاخستان يوم 26 فبراير شباط.

ويعتقد كثير من الخبراء أنه ليس من الممكن التوصل إلى اتفاق نووي بدون تحسن في العلاقات الأمريكية الإيرانية مما يتطلب محادثات مباشرة تتناول مصادر متعددة للريبة والعداء المتبادل وهي مشاعر مستمرة منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 وأزمة الرهائن في السفارة الأمريكية بطهران.

من جهة أخرى قالت مواقع الكترونية تابعة للمعارضة الايرانية إن السلطات اعتقلت اثنتين من بنات الزعيم المعارض المحتجز مير حسين موسوي وابن الزعيم المعارض مهدي كروبي ثم أطلقت سراحهم بعد استجوابهم على مدى عدة ساعات.

وخاض موسوي وكروبي الانتخابات الرئاسية في عام 2009 كمرشحين إصلاحيين وأصبحا رمزين لمظاهرات حاشدة تحتج على مزاعم تزويرها فيما عرف بالحركة الخضراء، والزعيمان المعارضان المحتجزان رهن الإقامة الجبرية منذ نحو عامين إلى جانب زهرة رهنورد زوجة موسوي ممنوعان فعليا من القيام بأي دور في انتخابات جديدة تجرى في يونيو حزيران، واحتجز موسوي وكروبي رهن الاقامة الجبرية في 2011 بعدما دعوا انصارهما للنزول إلى الشارع في مسيرة دعما لانتفاضات الربيع العربي.

ومع اسكات الاصلاحيين من المرجح ان تقتصر المنافسة في انتخابات يونيو حزيران على الفصائل المتشددة المتنافسة في الجمهورية الاسلامية.

من جانب آخر قضت محكمة إيرانية بإعدام أربعة متهمين رئيسيين فيما وصف بأنها أكبر قضية تزوير بنكي شهدتها إيران منذ قيام الثورة الإسلامية قبل أكثر من ثلاثين عاما، وأدين المتهمون الأربعة باختلاس مبالغ تقدر قيمتها بثلاثة مليارات دولار وذلك عبر تقديم قروض لشركات وهمية، ويرى محللون أن إيران تسعى من خلال صدور هذا الحكم القاسي إلى توجيه رسالة إلى أنها لن تتهاون في مثل هذه القضايا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/شباط/2013 - 18/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م