أَنفاقنا وأَنفاق العالم

زاهر الزبيدي

كنت متابعاً جيداً لقناة "ناشيونال جغرافك أبو ظبي"، بل من المدمنين على مشاهدتها، ولكن بمرور الوقت بدء ينحسر هذا الإدمان، وأعتقد أنه سيصل يوماً الى حد كرهي لها، ولسبب بسيط هو أن ما تقدمه من مشاريع عملاقة يشعرني بالألم الكبير على ما يجري في وطننا من مشاريع لا تتناسب وحجم طموح شعبنا الذي يحدوه الأمل الكبير في أن تكون لديه مشاريع عملاقة تفوق ما نراه اليوم من مبان ومصانع وطرق نقل ومطارات ومراكز ترفهية ومؤسسات علمية قوية قادرة على مواكبة تكنولوجيات التعليم الحديثة.. إلخ.. من مقومات النهوض الإنساني والتي يبهرنا العالم بها يومياً وهو يقفز على مدار الساعة محققاً إنجازاته الكبيرة.

في أخر برنامج قدم من قِبل تلك القناة كان ضمن فقرة المشاريع العملاقة وكان المشروع عبارة عن حفر "نفق كوالالمبور الذكي" في ماليزيا، الذي سيدخل الخدمة هذا العام وهو نفق يبلغ طوله 13 كيلومتر أربعة منها لأغراض تقليل الزحام المروري في المدينة المكتظة والباقي للتخلص من ما نسبته 50% من المياه التي تجتاح المدينة بسبب الأمطار التي تسببها العواصف الاستوائية التي تضرب المدينة متسببة بفيضانات كبيرة، كلفة المشروع 650 مليون دولار والذي أعتقده أنها أقل من قيمة المبالغ التي تدفع للتعويضات لمتضرري الأمطار في بغداد إذ اما تكررت علينا مشاهد فيضانات هذا العام في الأعوام القادمة.

النفق هذا تم بناءه بصمت كبير حيث يمتد تحت الأرض بهدوء وانسيابية ودقة بالغة بعيداً عن أي متاعب تواجه أبناء المدينة ممن يسير الحفار العملاق تحت الأرض التي يعملون عليها، ليحفر فجوة كبيرة بتقنية حديثة عالية الدقة، ألمانية المنشأ، تقوم أذرع في ذات الوقت في عمل المساند الدائرية لتلك الحفرة ينتج بعد ذلك طريق مزدوج علوي وسفلي يتم غلقه عند موجات الفيضانات ليتحول الى مسار سهل لتصريف المياه، مع تجهيز النفق بكافة مستلزمات السلامة وكاميرات المراقبة وخلافه.

الفرق بين هذا النفق والأنفاق التي نحفرها في وطننا، أننا أحياناً نغلق أحياء كاملة وندمر طرق كثيرة في سبيل أن ننشئ نفقاً أو مجسر، كما في النفق قرب مدينة الطب والمجسر في باب المعظم الذي سيصبح بعد حين أعجوبة من أعاجيب القرن الواحد والعشرين، وما يهمنا من مجسر باب المعظم هو عدم قدرة الشركة التي تقوم بالعمل من إنشاء طرق بديلة تعوض عن الطرق التي أتلفت، لتجعل تلك المنطقة المهمة من بغداد تعج بالإزدحامات المرورية والجميع يعلم أهمية تلك المنطقة للحياة والاقتصادية والاجتماعية ، كم نحن غريبون في تنفيذ مشاريعنا التي نأمل منها دائماً أن تحقق النفع المرجو منها ولكننا على الرغم من الإمكانات العالمية المتوفرة نركن الى الشركات التي "تمط" لتنهب مواردنا في تلك المشاريع وتتركنا في حسرتنا على ضياع موارد بلدنا بمشاريع ليست سوى ذر الرماد في العيون.. حفظ الله العراق.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/شباط/2013 - 18/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م