السلام: رؤية منهجية لحفظ كرامة الانسان

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: من بداهة القول أن السلم والسلام هو المنهج الذي يتطابق مع ميول الانسان وفطرته، لان القاعدة تؤكد ان الانسان كائن اجتماعي، ينحو الى التقارب مع الاخر واستنفاذ فرص الاستفادة المتبادلة معه، وهذا فعلا ما اثبتته رحلة الانسان منذ نشأته والى الان، إنه كائن اجتماعي، ولكن هناك مشكلات كثيرة وكبيرة ظهرت وتزايدت مع مرور الزمن، حيث تضاربت المصالح وتصارعت الارادات والنفوس على المصالح والمنافع، وصار السلام في خبر كان ومرت البشرية بحروب شعواء على الرغم من أن السلام هو المسار الاكثر قدرة على حفظ كرامة الانسان، في ظل مجتمع يحرص على العدالة وتكافؤ الفرص والتسامح والتكافل وما الى ذلك من قيم عظيمة تساعد الانسان على العيش بسلام في مجتمع مستقر ومنتج في وقت واحد، وهذا لا يمكن أن يتحقق من دون توافر الوعي والمعرفة المسبقة بفوائد السلام، فضلا عن السعي الحثيث لتحقيق الوئام والانسجام والاندماج بين عموم المجتمع البشري، على الرغم من التناقضات الكبيرة التي تحفل بها المكونات المجتمعية المختلفة.

من عامل بالعنف ندم

العنف نقيض السلم وهو طريق حياة يختاره ذووا النفوس الشريرة الطامعة التي لا تقف رغباتها عن حد، ولا تضع حدا لاطماعها بغض النظر عن حقوق الاخرين، وما سينتج عن هذه التجاوزات من كوارث واضرار تلحق بالاخرين، بالاضافة الى عدم التفكير بالاضرار التي ستعود على اصحاب الشر انفسهم.

قال أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، في كتاب غرر الحكم ودرر الكلم (لا عاقبة أسلم من عواقب السلم)، وفي قول آخر له عليه السلام (من عامل بالعنف ندم)، ومع ذلك بقي المصلحون والمفكرون الايجابيون يقدمون الطروحات والبدائل والحلول التي تضع السلام في المقدمة كمهج حياة يحفظ الكرامة الانسانية.

وكان الامام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، قد وضع رؤية واضحة لمنهج السلام في حياة الانسان، واكد على دوره في بناء المجتمع واستنفار طاقاته الابداعية المنتجة، ومن اهم الجوانب التي ميزت رؤية الامام الشيرازي، انه ربط الاسلام بكل جوانب وميادين الحياة ولم يربط السلام بمنطق الحرب فقط، كما نقرأ ذلك في قول أحد الكتاب:

(إن الإمام الشيرازي لم يبحث مسألة السلام من الناحية السياسية كما تطرح في وسائل الإعلام العالمية، ومنها على سبيل المثال الالتزام بقرارات الأمم المتحدة وأنها تؤدي إلى السلام في العالم فهي وإن كانت خطوات في تحقيق السلام، مع غض النظر عن مصالح القوى الاستعمارية التي عادة ما تكون المحافل الدولية غطاء وستراً لها ولتنفيذ مخططاتها، لكن الشرع الإسلامي هو داعية السلم والسلام الحقيقي ويعمل لغرس هذه الفكرة عبر مقوماتها ومقدماتها الإنسانية، ويضمن دوامه واستمراره بقوانينه السمحة الفطرية).

ويؤكد الامام الشيرازي في كتبه ومحاضراته، ان السلام ليس كلمة نقوم بذكرها في المحافل الدولية وسواها، بل هو منهج حياة ترتبط بجميع التفاصيل التي تتعلق بالنشاط البشري، لهذا طالما أكد سماحته بأن: (السلم والسلام كلمة ترددها الألسن في المحافل الصغيرة والكبيرة، الدولية والمحلية، خصوصا في هذا العصر الذي تقدم في علومه وحضارته، كما تقدم في أسباب التناحر، فإن الحياة حيث صارت ضيقة إلى أبعد الحدود، والكل يريد كل الخير لنفسه ويريد إبعاد كل الشر عنها، تصادمت المصالح في إرادة الاستحواذ على مقتضيات الزمان، وفي هذا الإطار تنشأ الحروب والثورات والإضرابات والمظاهرات وأسباب العنف وما أشبه ذلك كما هو مذكور في علم الاجتماع. ومن هنا تتضح الحاجة إلى تطبيق قانون السلم والسلام ومعرفة مقوماته في مختلف مجالات الحياة). ويضيف سماحته ايضا: (إن -السلم والسلام- بمعناهما الأعم والشمولي يقتضيان الأمن والعافية، والاستقرار والازدهار، وكل ما يوجب تقدم الحياة وتطورها، ووضعها في أبعادها الصحيحة، صحية واجتماعية، واقتصادية وسياسية، وعسكرية وإعلامية، وغيرها. وهي كلمة تدخل في نفس الإنسان الاطمئنان والراحة والهدوء، وتوحي إليه بذلك. ومن الواضح أن الكل يبحث عن السلم والسلام في حياته، ويطلبه بفطرته، بل هذا ما نشاهده عند الحيوانات أيضاً، فكلها تطلب السلام).

الحضارة وإفساد الطبيعة

غالبا ما يؤكد الامام الشيرازي، على ان السلام ليس مفردة لغوية نتباهى بها، بل هي فعل ومنهج ومسار تنتظم فيه الحياة برمتها، لذلك يقول سماحته في كتابه الموسوم بـ (الفقه: السلم والسلام): (إن كثرة استخدام كلمة –السلام- في وسائل الإعلام مقرونة بالمسائل السياسية لعلها توحي بأنه من مصطلحاتها ومفرداتها، والصحيح أنه مصطلح عام فلا يقتصر استعمالـه في المجال السياسي فحسب، بل لـه علاقة في كل مجالات العلم والمعرفة، ولـه دور في مختلف الحياة الإنسانية، إذ ما من أمر يتعلق بشؤون الإنسان إلا وللسلام علاقة فيه).

ويؤكد سماحة الامام الشيرازي المعادلة الطردية بين تقدم الحضارات وزيادة صراع الارادات المختلفة قائلا في هذا الخصوص بكتابه المذكور نفسه: (إن الإنسان كلما تقدم في الحضارات المادية وزادت معارفه، تعددت أهدافه واستولى على الطبيعة وأفسدها أكثر فأكثر، وزاد حرصه وتشعبت مسالك هذا الطموح، ولذا يطلب الإنسان أكثر من القدر المحتاج إليه).

ولهذا بسبب الزيف والمماطلة واتخاذ السلام كمفردة يتغنى بها السياسيون دونما تنفيذ، لهذا اصبح حلم تحقيق السلام في ربوع المعمورة صعبا، من هنا يؤكد الامام الشيرازي على هذا الخطر الذي يحيق بمصير الانسانية، ويدعو سماحته الى عودة الانسان الى الفطرة والحكمة واتخاذ السلام منهج حياة على الرغم من تصارع الارادات المتناقضة متسائلا في هذا الجانب: (كيف يمكن الوصول إلى السلام، حيث إن الوصول إليه قد اصبح صعبا، وذلك بسبب سلوك بعض الانتهازيين والمنحرفين ودول الاستعمار الذين يعرقلون عملية السلم والسلام ويجعلون طريقه صعب الوصول وإن أخذوا يتظاهرون بالنداء به).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/شباط/2013 - 15/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م