إيران لا تستطيع الاتفاق على أي شيء

پاتريك كلاوسون

أثناء أيام الثورة الإسلامية الإيرانية التي عمّت فيها الفوضى، عمل "المرشد الأعلى" الناشئ في البلاد، آية الله روح الله الخميني على طمأنة الإيرانيين إلى أن الدولة القامعة لهم بحسب رأيه، وهي الولايات المتحدة، لن تكون قادرة على إعادة الشاه المكروه إلى العرش". فقد قال "لا تستطيع أمريكا أن تفعل أي شيء ضدنا"، وكانت تلك عبارة ساحرة أصبحت الشعار غير الرسمي للثورة. وقد استغلتها إيران من وقت لآخر منذ ذلك الحين، كان آخرها على لوحة إعلانات ساخرة على طول الحدود بين إيران والعراق وعلى لافتة معلقة أمام طائرة أمريكية بدون طيار تم الاستيلاء عليها (وإن كان قد تم استخدامها في الوضع الأخير بصورة مُضحكة حيث أساء معدو اللافتة ترجمة العبارة إلى "لا تستطيع أمريكا أن تفعل أي شيء خطأ").

لقد كان شعار الخميني آنذاك صحيحاً إلى حد كبير. فلم يكن هناك الكثير مما يستطيع أن يفعله الرئيس الأمريكي جيمي كارتر للتدخل في واحدة من الثورات الأكثر إدهاشاً ومفاجأة في التاريخ. ولكن اليوم، عندما يتعلق الأمر بالمأزق النووي الإيراني -- مع الغرب -- الذي لا نهاية له، يمكن للمرء أن يستعمل العبارة نفسها تجاه الإيرانيين: إن المشكلة، باختصار، هي أن إيران لا تستطيع الاتفاق على أي شيء.

وفي الواقع، إن بطء المفاوضات النووية مع إيران ما هو إلا مجرد البداية لأسباب التثبيط بشأن التوصل لحل للأزمة. والأكثر إقلاقاً أن الصراع السياسي الداخلي في طهران بلغ قدراً كبيراً من السوء لدرجة أن إيران قد لا تكون قادرة على قبول استسلام أحادي غير مشروط في حالة عرضه من قبل الولايات المتحدة.

ويقيناً، إن مرور فترة أمدها ثمانية أشهر بين الجلسات التفاوضية -- من 18-19 حزيران/يونيو 2012 في موسكو، وإلى الجولة المقبلة المقرر لها أن تعقد في ألماتي، كازاخستان في 26 شباط/فبراير -- هي أنباء سيئة بما فيه الكفاية. وقد وجد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الجواب الصحيح عندما حذر الأسبوع الماضي بقوله، "لا ينبغي إعطاء المزيد من الوقت للإيرانيين، وعلينا أن لا نضيع الوقت. فقد رأينا ما حدث مع [كوريا الشمالية]. لقد انتهى الأمر بأنهم قاموا سراً وبعيداً عن الأعين ومن دون أي التزامات بتطوير قدراتهم" المتعلقة بالأسلحة النووية.

لكن وتيرة المحادثات ما هي إلا مجرد بداية المشكلة. والأهم من ذلك هو الانهيار السياسي بين قادة الجمهورية الاسلامية. والأكثر أهمية أن مشاكلهم ينبغي أن تُساعد الولايات المتحدة على وضع مشاكلها في الإطار الصحيح، فالعديد من الأمريكيين يرون أن واشنطن تواجه جموداً بسبب سياسات الحزبين المفرطة، رغم أن إيران في الواقع تُعد استثناءً من هذه القاعدة. وتحظى عادة مشاريع القوانين المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني على مستويات مذهلة من الدعم -- 100 مقابل 0 في مجلس الشيوخ الأمريكي في جولة العقوبات التي اتخذت في كانون الأول/ديسمبر 2011. وفي التصويت الذي جرى في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 حول جولة أخرى من العقوبات، كان عدة أعضاء في مجلس الشيوخ غائبين من الجلسة، وبالتالي لم يكن التصويت مؤكداً حتى اللحظة الأخيرة ولكنه انتهى بدعم 94 عضو مقابل 0.

وعلى النقيض من ذلك، يتخاصم القادة الإيرانيون حول كل شيء، حتى عندما تكون مصالح الأمن القومي الحيوية على المحك. ومن أوجه عديدة، لا يعد التقسيم الذي تشهده إيران شيئاً جديداً. فالجمهورية الإسلامية تتسم منذ البداية بانقسامات داخلية حادة. وقد أثر ذلك لفترة طويلة على المناقشات الدائرة بشأن السياسة تجاه الولايات المتحدة. فقد كانت القاعدة في إيران على مدار 20 عاماً على الأقل تقوم على ما يلي: أي شخص خارج السلطة يرغب في إجراء محادثات مع الولايات المتحدة، وهو أمر يعلمون أنه سيحظى بشعبية كبيرة، بينما من في السلطة يتحركون على مضض صوب تلك المحادثات هذا إن تحركوا أصلاً. وقد تغيرت الأوضاع مراراً وتكراراً، فالمعارضون أصبحوا من الموافقين ثم تبدلت المواقف سريعاً فيما يتعلق بالعلاقات مع واشنطن. وعندما كان محمد خاتمي مرشحاً لمنصب الرئاسة في عام 1997، كان يؤيد المحادثات تماماً مع "الشيطان الأكبر"، لكن بمجرد أن وصل إلى السلطة، لم يفعل سوى النذر اليسير، هذا إن كان قد فعل أي شيء من الأساس، ورفض الحديث بوضوح حول هذه المسألة. وكذلك الحال مع الرئيس محمود أحمدي نجاد. فبينما كان نجمه ساطعاً، لم يُظهر سوى الازدراء للولايات المتحدة، لكن ما إن بدأ يواجه متاعب داخلية حتى دعا إلى إجراء محادثات مع واشنطن.

غير أن الوضع أكثر سوءً الآن منه في أي وقت مضى. ففي السابق، ما إن كان خليفة الخميني، آية الله علي خامنئي يتحدث حتى تنتهي المجادلات والمشاحنات، لكن الأمر لم يعد كذلك. فخامنئي لم يعد يحظى بالاحترام كما لم يعد يمتلك القدرة لوقف الخصام الداخلي. فبغض النظر عن تكرار رفضه الصريح لفكرة المفاوضات مع الولايات المتحدة، إلا أن هناك مسؤولون مهمون آخرون -- أحمدي نجاد بصورة صارخة جداً وبشكل متكرر -- يدعون لمثل تلك المحادثات.

ويعرض خامنئي دعوته للطاعة على أنها حاجة إلى الوحدة وتوخي الحذر في مواجهة العدو. وقد حذر في أحد خطاباته النمطية في 29 كانون الثاني/يناير، قائلاً "يواجه العالم المسلم اليوم مؤامرة من الأعداء ... ولا يجب أن نذكي نار الفرقة بإثارة مشاعر سطحية وغوغائية. فهذا سيحرق مصير الأمم. وسوف يدمرها كلية. كما سيساعد أعداء الإسلام". وفيما يتسق مع تردده الأزلي تجاه إبداء تصريحات علنية ومباشرة بشأن النزاعات السياسية، فقد قصر حديثه كما هو المعتاد على انتقادات مبهمة، منها تحذيره لقادة القوات الجوية في خطاب ألقاه في 7 شباط/فبراير بقوله "يجب عليهم إنهاء التصرفات غير الملائمة التي نشاهدها في مجالات محددة من بعض المسؤولين الحكوميين". كما اختتم كلمته بدعوة قوية أخرى للوحدة.

وبعد أن نصحهم المرشد الأعلى بتقريب صفوفهم، أظهر القادة الإيرانيون على الفور عداواتهم المريرة على الملأ. فقد دعا "المجلس" -- السلطة التشريعية في إيران -- إلى استجواب وزير العمل والشؤون الاجتماعية رضا الشيخ الإسلامي، وهو حليف مقرب من أحمدي نجاد. ورداً على ذلك، ذهب الرئيس الإيراني إلى "المجلس" للمشاركة في النقاش الذي جرى في 3 شباط/فبراير وأصر على اتهام رئيس "المجلس" علي لاريجاني وأسرته (بمن فيهم شقيقه رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني) بالفساد، وذلك بإسماعه تسجيل ادعى أنه يؤيد هذا الاتهام. وقد استبعد "المجلس" مناقشة الموضوع، مما أثار حفيظة أحمدي نجاد. وبعدها صوّت "المجلس" على استبعاد الشيخ الإسلامي بأغلبية 192 مقابل 56؛ فقام أحمدي نجاد على الفور بإضافته إلى وفده الرسمي المغادر إلى مصر. وبعد خمسة أيام من الخصام في "المجلس"، قام 100 شخص من مؤيدي أحمدي نجاد برشق علي لاريجاني بالأحذية، وتشويش خطاب كان يحاول أن يلقيه في قم.

وقد ذهل خامنئي بشكل واضح من عدم كفاية وعظه التحذيري العام وأوامره الخاصة الصارمة التي أوردتها الأنباء لوقف النزاع. لذا توجه إلى الطرفين في أحد خطاباته في 16 شباط/فبراير، قائلاً، "ما السبب وراء اتهام وزير قبل أشهر قليلة من نهاية عمر الحكومة، لسبب لا يتعلق بذلك الوزير؟... لقد اتَهم رئيس أحد فروع السلطة [أحمدي نجاد] الفرعين الآخرين استناداً إلى اتهام لم يُثار أو تثبت صحته أمام القضاء... ومثل هذه التصرفات تتعارض مع الشريعة فضلاً عن القانون والأخلاق". وفي معرض حديثه عن الخلافات بشأن الفساد، أضاف قائلاً "أتوقع من المسؤولين أن يعززوا صداقاتهم في هذا الوقت الذي كثف فيه الأعداء تحركاتهم [العدائية]. اتحدوا أكثر من أي وقت مضى. وسيطروا على عواطفكم". كما حذر من أنهم إن لن يتبعوا مشورته، فسوف تكون هناك عقبات وخيمة.

وقد لاقى خامنئي تجاهلاً مرة أخرى. فبعد يومين من خطابه، أيدت المحكمة العليا -- التي يسيطر عليها إلى حد كبير رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني -- أربعة أحكام بالإعدام كانت قد صدرت ضد حلفاء مقربين من أحمدي نجاد في قضية فساد كبيرة. ويبدو أن الرئيس والمحافظين الذين يماثلونه في توجهاته السياسية وكذلك المعارضين المتشددين لم يعودوا يخشون من خامنئي أو يحترمون سلطته كثيراً.

ويعطي القادة الإيرانيين بحكم تصرفاتهم انطباعاً قوياً بأنهم مشغولين جداً بخلافاتهم الداخلية لدرجة أنهم لا يستطيعون الاتفاق على أي شيء. وقد صرح خامنئي مراراً وتكراراً بأن الشقاق يساعد العدو. لكن القوى العالمية التي تتفاوض مع إيران سوف تسعد برؤية المزيد من الوحدة في طهران، لأن الحكومة الإيرانية الأكثر وحدة ستكون قادرة بشكل أفضل على التوصل إلى اتفاق ومن ثم تنفيذه. وهذا أمر تتضاءل احتمالاته شيئاً فشيئاً. فالوقت يقترب بسرعة عندما يتعين على القوى العظمى، أو على الأقل الولايات المتحدة، وضع خيار واضح أمام قادة إيران: إما القبول بعرض سخي لتسوية الأزمة النووية أو الاستعداد لتحمل العواقب.

* پاتريك كلاوسون هو مدير الأبحاث في معهد واشنطن

http://www.washingtoninstitute.org

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/شباط/2013 - 14/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م