الغرب والخريف الأخلاقي

شبكة النبأ: ينبهر كثيرون بما حققه الغرب من تطور كبير في التقانة والصناعات وما شابه، وهي فعلا مكتشفات وابتكارات تستحق الانبهار، لاسيما ما يتعلق باكتشافات الفضاء، بيد أن غض الطرف عن جانب، والتركيز على جانب آخر، يدل على تغييب المعايير في الحكم على الغرب، فحينما تكون متطورا ماديا (في التقانة والصناعات كافة)، ومتخلفا في الاخلاقيات، فإن هذا دليل واضح على وجود خلل في تركيبة المجتمع الغربي، بل وهو دليل قاطع الى حالة الانحدار السريع نحو الضمور والتلاشي، لأن الاصل في الوجود الانساني ليس الصناعة والماديات، بل الفكر والروح والعقل الذي يخطط ويفكر، ويضع البدائل النظرية المطلوبة، ومنها بل واهمها الاخلاقيات، وفي حال غياب الاخلاق، فإن الانحدار الحتمي سيكون مصير المجتمع.

هذا ما يحدث الآن في الغرب، إذ أن هناك تركيزا كبيرا على الجانب المادي والتطور التقني والصناعي، فيما يعاني الجانب الاخلاقي من الضمور والتراجع، بحجة حماية الحريات، ولعل المراقب يستطيع بسهولة أن يكتشف انحدار الغرب نحو الانحلال، حينما يطلع مثلا على تشريع الزواج المثلي في بعض الدول الاوربية، وآخرها ما صدر في ايطالها، حيث اجازت السلطات القضائية المعنية زواج الرجل من الرجل، والمرأة من المرأة!! بحجة حماية الحريات الشخصية، وهو تبرير فاشل قطعا، لأن حماية الحرية الشخصية لا يعني ابدا تدمير البنية الاخلاقية للمجتمع، والتي تقوم على الفطرة الانسانية الأصيلة.

إن تشريعا كهذا يدل على نحو قاطع على الوهم الكبير الذي تقع فيه المجتمعات الغربية، بخصوص التعامل مع الحريات الشخصية، كذلك تجعل الناس المنبهرين بحرية الغرب على وهم اكبر، حينما يتصورون أن جوهر الحرية الانسانية يكمن في مثل هذه التشريعات الشاذة التي تتقاطع كليا مع الطبيعة الانسانية، وهكذا فإن تشريعات من هذا النوع لا تعبر اطلاقا عن وعي أعمق، ولا عن تطور يثير الرغبة لدى المجتمعات الاخرى بالسير على خطى الغرب، لسبب بسيط جدا أن مثل هذه الاجراءات والسلوكيات والتشريعات، تقف بالضد من الطبيعة البشرية التي تأسست على قواعد فطرية سليمة، تأخذ صحتها وشرعيتها من قوانين الطبيعة.

ولا ندري بماذا فكر المشرعون لمثل هذه القوانين، حينما قاموا بكتابتها ثم التصويت على اقرارها واعلانها، مع انها تدل على نحو قاطع بأنها حرب على استمرارية الحياة، وتتضارب مع طبيعة التكاثر البشري، فيما لو اصبحت قاعدة يلجأ إليها الاكثرية، وهو امر يقول المعنيون عنه بأنه متوقع الحدوث مع مرور الوقت، فإذا كانت هذه الامور تشكل نسبة قليلة في الوقت الراهن، فإنها سوف تتضاعف كثيرا في القابل من السنوات والعقود، وسوف يغدو مثل هذا السلوك شائعا، وربما مستساغا من لدن الاكثرية في المجتمع الاوربي، وهو امر يشكل خطرا على الوجود البشري وأخلاقياته.

لا يتوقف الامر عند مثل هذه الظواهر فحسب، بل من المعروف عن الدول الغربية انها تخطط دائما لتصدير ازماتها الى دول العالم الاخرى، لذا فإن معظم ما يعانيه العالم من ازمات غالبا ما يكون مصدرها الغرب، كما لاحظنا ما حدث في الازمة الاقتصادية التي ضربت العالم في 2008، فضلا عن الامراض الغريبة التي تظهر بين حين وآخر، مع ظهور العلاجات اللازمة لها فورا، الامر الذي يدل على انتاج المرض ونشره ثم انتاج العلاج لبيعه، من اجل الثراء وتحقيق الربح المادي، في ظل غياب تام للضمير الانساني.

هذه بعض أزمات وملامح الغرب المتقدم علميا والمتردي اخلاقيا، ولعل المشكلة التي يعاني منها العالم اجمع، أن ازمات الغرب لا تبقى في حدود المجتمع الغربي، بل سرعان ما يتم تصديرها ونشرها الى بقاع العالم الاخرى، وهكذا يكون المجتمع الغربي المتطور علميا فاقدا للجانب الاخلاقي، الامر الذي يشكل تهديدا دائما للوضع الانساني في عموم المعمورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 23/شباط/2013 - 13/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م