جمعيات حماية المستهلك وحماية زبائن التمويل الأصغر

محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي

في 15 مارس 1962 صرح الرئيس الأمريكي الراحل "جون كنيدي" أمام الكونغرس الأمريكي قائلا: "إن تعريف كلمة المستهلكين يشملنا جميعا، إنهم أكبر من مجموعة اقتصادية تؤثر وتتأثر بجميع القرارات الإقتصادية العامة والخاصة، ومع ذلك وبرغم كونهم أكبر مجموعة اقتصادية إلا أن أصواتهم لا تزال غير مسموعة".

ومن هذا اليوم برزت أربعة حقوق أساسية هي: الحق في السلامة، الحق في الحصول على المعلومة، الحق في الاختيار والحق في إيصال الرأي كمستهلك، ثم أضافت الأمم المتحدة لا حقا، حقوقا أربعة أخرى هي : الحق في إشباع حاجياته الأساسية، الحق في التعويض، الحق في التثقيف، والحق في الحياة في بيئة صحية ونظيفة، هذه الحقوق الثمانية تمثل في مجملها حقوق المستهلك التي تشكل أساس حركة حماية المستهلك في جميع أنحاء العالم.

 ثم اصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا ينص علي حماية المستهلك، وبذلك ينطلق اليوم العالمي للمستهلك من المنظمة الدولية لحماية المستهلك وبرعاية الأمم المتحدة وبالإشتراك مع 500 جهة تتبع لجمعية حقوق الإنسان مما يؤكد إهتمام ممثلي الدول التي تشترك في الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرارات التي تحمي المستهلك وتحقيق شعار اليوم العالمي للمستهلك هذا العام والذي يؤكد أهمية التمويل الأصغر في حماية المستهلك، وهو "نحو تمويل آمن وعادل".

ان الإتحاد الدولي للمستهلك يدعو صانعي القرار الدوليين في هذا اليوم لإتخاذ إجراءات عاجلة ومغرية لتحسين وصول المستهلكين إلى الأسواق المالية العادلة والمستقرة والمتنافسة، كما أن اليوم العالمي للمستهلك يقدم هذا العام فرصة رائعة للبناء على النجاحات التي حققها في الآونة الأخيرة ولتركيز حركة المستهلك مرة أخرى حول هذه القضية الحيوية، قضية الاستخدام الأمثل للتمويل الأصغر في حماية المستهلك.

إن نشر ثقافة المستهلك هي جزء من منظومة كاملة وشاملة، يحتاج لها الإنسان ليعيش حياة سعيدة وهنيئة، لذا فإن مهمة جمعيات حماية المستهلك تكمن في تحقيق الأهداف التالية:

• مساعدة المستهلك في التمييز بين مختلف السلع وتوعيته كي لا يقع ضحية الدعاية المضللة.

• إقناعه بضرورة ترشيد الإستهلاك بتجنب الإسراف والتبذير في الإستهلاك، وضرورة اقتناء الجيد من السلع والخدمات وبأقل الأثمان، وتوعيته بأن غلاء السعر لا يعني بالضرورة الجودة.

• توعيته بأن السلعة التي يشتريها هي ثمن أتعابه، يصرفها من حياته ومن حقه أن تكون مطابقة لاحتياجاته وتتصف بالجودة والأمان.

• تزويده بمهارات ومبادئ ومفاهيم ضرورية للمعيشة كي يصبح مشتريا واعيا، وكي يتوصل من خلال إطار قيمه وحضارته إلى أقصى استفادة من موارده، كما تمكنه من إدراك عدة اختيارات هامة أمامه والتمييز بين رغباه واحتياجاته، فعليه أن يقرر أولا إن كان هو أصلا بحاجة إلى السلعة، وكم تساوي قيمتها بالنسبة لدخله.

• تأهيل المستهلك وترقيته وإعلامه بكل الوسائل المتاحة والممكنة، لتمكينه من معرفة السلع والخدمات المطابقة لمقاييس الجودة والأمان، ودعوته لتفعيل دوره في مقاطعة المنتجات غير المطابقة للمواصفات والمبالغ في أسعارها.

وولذلك من الضروري جدا الحفاظ علي حق المستهلكين وخصوصاً الفقراء منهم في الاستفادة من الخدمات المالية لأن نفاذ المستهلكين إلى الخدمات المالية يحقق واحدة من أولويات الحكومات في إدماج الشريحة الواسعة من المستهلكين من محدودي الدخل والفقراء في الدورة الاقتصادية من خلال إيجاد فرص عادلة لهم للإفادة من تلك الخدمات وفي مقدمتها التمويل الأصغر. وأيضا اضطلاع المصارف بدورها في إطار رؤية أكثر شمولاً تتسم بالالتزام الأخلاقي تجاه المستهلكين وخصوصاً الفقراء منهم، وانتشالهم من الفقر والحاجة، ومساعدتهم على تحقيق الكفاية من الاحتياجات الأساسية، وذلك بجعلهم شركاء في النشاط الاقتصادي ومحركاً مهماً لعجلة الاقتصاد والتأكيد على حق الفقراء المستهلكين والأشد فقراً النفاذ للخدمات المالية العادلة والقليلة الكلفة. علي ان يتم ذلك في إطار سوق مالية شاملة تُعنى بهم وتُصاغ قواعدُها على أساسٍ من الاهتمام بأولوياتهم، وذلك من خلال إيجاد تشريعات مالية فعالة تكفل للمستهلكين حق الحصول على القروض الميسرة، من خلال تدابير سهلة تتمثل في فتح الحسابات المصرفية والوصول إليها وتوظيفها بكلف ميسرة. أيضا الإفادة من برامج التمويل الأصغر وفق قواعد معاملة عادلة، وتحسين بيئة تقديم هذه الخدمة على المستويين التشريعي والمؤسسي, الى جانب تأهيل وتحفيز دور الوسطاء بين جهات التمويل والمستفيدين، وتفعيل برامج التأمين الأصغر التي تتجه لحماية فقراء المستهلكين، من الحوادث غير المتوقعة.

ومن ثم فهناك ضرورة قصوي للتوسع في تقديم خدمات التمويل الأصغر بما يحفظ حقوق زبائن التمويل الأصغر، والتحدي الذي يواجهنا حالياً هو إيجاد طرق فعالة يُعتمد عليها في سبيل إثراء التمويل الأصغر بمزيد من الخدمات المتنوعة، وفي نفس الوقت تتيح فرصا حقيقة لطالبي التمويل الأصغر من الاستفادة منه والارتفاع بالمستوي المعيشي والاجتماعي وصولا لمستوي مناسب ومتقدم من تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل التفاوت الطبقي البغيض في المجتمع، وهو ما تسعي اليه جمعية حماية المستهلك.

ولذلك من المهم جدا بناء مؤسسات تمويلية قوية، تعمل في ظل سيادة القانون، وفي ظل نظام محكم من حيث الرقابة والمحاسبة والنزاهة والشفافية، مع الاهتمام بالاستثمار في الكفاءات البشرية وتطويرها. وبذلك نضمن توفير حماية للمستهلك وتوفير السلعة أو الخدمة الأسلم والأصح للمستهلك، خاصة فيما يتعلق بتوفير خدمات التمويل الأصغر، فلجان حماية المستهلك في كثير من الدول (مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا واليابان) لجان قوية ومؤثرة على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية، وعادة ما يرأسها أو يتبناها شخصيات اعتباريه في المجتمع، تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة وتقدم المجتمع من خلال توفير الحماية للمستهلك، وهذا ما نرجوه في مستقبل أيام جمعية حماية المستهلك السودانية. وهناك أمثلة عديدة على جمعيات أحدثت آثارا كبيرة في مجتمعات شملت إصدار قرارات أو تشريعات، وأحداث تغييرات او حتى استقالات لوزراء أو مسؤولين، أو تغيير سلوكيات أو ممارسات، وحتى التأثير على شركات احتكارية كبرى بشكل يعود بالفائدة على المستهلك.

إن الاهتمام بحماية المستهلك وتشجيع من يهتم به من قبل المستوى الرسمي الحكومي، يساهم في فلسفة بناء مؤسسات دولة قوية وقادرة على التقدم والاستدامة، ولكي تنجح جمعيات حماية المستهلك في دورها وتبني الثقة مع المستهلك فأنها يجب ان تحافظ على استقلاليتها وعلى تواصلها مع المستهلك بشكل بعيد عن تدخلات رسمية حكومية، خاصة فيما يتعلق بالتمويل الأصغر وحماية زبائن التمويل الأصغر.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 23/شباط/2013 - 13/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م