حرب العملات... خطر قد يطيح بالاقتصاد العالمي

 

شبكة النبأ: تسعى العديد من دول العالم  إلى إعادة بناء هيكلية الاقتصاد العالمي الذي لايزال يواجه الكثير من التحديدات والمشاكل الكبيرة بسبب الأزمات السياسية والمالية المتكررة و إيجاد خطط مستقبلية في سبيل حل تلك المشاكل، التي قد تزداد خطورتها إذا تواصلت بعض السياسات الخاطئة المتبعة من بعض الدول التي تسعى الى تحفيز اقتصادها المحلي بأي طريقة كانت حتى وان أضرت هذه الإجراءات بباقي الدول الأخرى، وبحسب البعض فأن بداية الحرب الاقتصادية بين الدول الكبرى قد بداءت بوادرها من خلال إشعال فتيل حرب العملات التي أسهمت بتدهور القيمة النقدية للعديد من العملات وهو أزعج الكثير من دول العالم. وفي هذا الشأن حذر وزير المالية الالماني فولغانغ شويبله من ازمة مالية جديدة ان استمرت القوى الصناعية الكبرى بإغراق الاقتصاد العالمي بالسيولة.

وقال شويبله "لن نكون قادرين على تفادي ازمة اخرى مثل 2008 ان ضخت نسبة متزايدة من العملة في السوق"، في تصريحات تلمح بوضوح الى الولايات المتحدة واليابان اللتين تضخان اوراقا مالية لدعم اقتصاديهما. وتثير سياسات التليين النقدي التي تنتهجها واشنطن وطوكيو ايضا قلق فرنسا لكن في موضوع اخر، وهو اسعار الصرف وتراجع القدرة التنافسية في اقتصاديات منطقة اليورو التي ارتفعت قيمة عملتها بسرعة منذ بضعة أسابيع مقابل الدولار الاميركي والين.

وقد سعت دول مجموعة السبع الى تهدئة المخاوف من "حرب عملات" أججتها التدابير التي اتخذتها اليابان مؤخرا، وجددت التأكيد أنها ستترك للسوق حرية تحديد أسعار الصرف معتبرة في الوقت نفسه ان "التقلبات المفرطة" لها وقع سلبي.

وأكد وزراء المالية وحكام المصارف المركزية في مجموعة السبع التي تضم ألمانيا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وايطاليا واليابان، من جديد "التزامهم منذ زمن طويل بأسعار صرف تحددها السوق"، لكنهم كرروا "ان تقلبات مفرطة وحركات غير متناسقة في أسعار الصرف يمكن ان ينتج عنها مضاعفات سلبية على الاستقرار الاقتصادي والمالي". واضافوا "سنواصل مشاوراتنا بشكل وثيق حول اسعار الصرف والتعاون بشكل مناسب" مؤكدين "ان سياساتنا المالية والمتعلقة بالميزانية كانت وستبقى موجهة نحو اهدافنا الوطنية وباستخدام ادواتنا الوطنية".

وقد تنامت المخاوف من نشوب "حرب عملات" بين القوى العظمى بعد قرار المصرف المركزي الياباني تليين سياسته النقدية تحت ضغط الحكومة الجديدة من اجل محاربة الانكماش الاقتصادي وارتفاع سعر الين ما يؤثر سلبا على الصادرات. وعلى اثر نشر بيان مجموعة السبع الذي لم يأت على ذكر التدابير اليابانية، ظهرت اولى نتائجه باستمرار تراجع الين وارتفاع اليورو مقابل الدولار الاميركي.

لكن وزير المالية الياباني تارو اسو رحب باللهجة التي تبناها النص مؤكدا "ان مختلف البلدان ادركت ان السياسة المالية التي تعتمدها اليابان ليست تلاعبا بالعملات". لكن العملة اليابانية سجلت بعد ذلك قفزة جديدة بسبب معلومات صحافية اشارت استنادا الى مصدر لم توضحه الى ان سياسة البنك المركزي الياباني مصدر قلق داخل مجموعة السبع.

وتثير معاودة ارتفاع اليورو قلقا شديدا لدى فرنسا التي تخشى ان ينسف جهودها لتعزيز قدرتها التنافسية وترغب في فتح نقاش بهذا الخصوص داخل مجموعة اليورو فيما تعمد الولايات المتحدة من جهتها الى ضخ عملات بشكل كثيف ما ينتج عنه تراجع قيمة الورقة الخضراء مقابل اليورو.

لكن برلين والبنك المركزي الاوروبي يرفضان فكرة رفع قيمة العملة الموحدة. وشدد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على انه "يتوجب علينا العمل لكي لا تستخدم اسعار العملات لغايات تجارية".

ومن مدريد دخل رئيس البنك المركزي الاوروبي ماريو دراغي في النقاش محاولا بدوره تهدئة المخاوف. وقال في هذا الصدد "اعتقد ان عبارة حرب العملات مبالغ فيها الى حد كبير. لن نرى شيئا من هذا القبيل". ويرى المحللون ان محاولات التهدئة هذه قد تتوقف. وقال محللو البنك المركزي الالماني "ان كل ما له صلة" بحرب العملات "تمت المبالغة في تأويله على ما يبدو" من قبل السوق و"الهستيريا قد تتواصل حتى اجتماع مجموعة العشرين".

 في السياق ذاته أعلنت مجموعة العشرين في بيانها الختامي أنه لن تقوم "حرب عملات" وأرجأت خططا لوضع أهداف جديدة لخفض الديون في مؤشر على بواعث قلق بشأن الوضع الهش للاقتصاد العالمي. وخلا بيان اتفق عليه صناع السياسات المالية لدول مجموعة العشرين في موسكو من أي انتقاد للسياسية النقدية الميسرة التي تنتهجها اليابان والتي دفعت الين للانخفاض. وتضم المجموعة اقتصادات متقدمة وناشئة تشكل معا 90 بالمئة من الاقتصاد العالمي.

ويتماشى تأييد البيان لاستخدام السياسة النقدية المحلية لدعم التعافي الاقتصادي مع التزام مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي (البنك المركزي) بالتحفيز النقذي عبر التيسير الكمي لتعزيز الانتعاش الاقتصادي وفرص العمل. ويشمل التيسير الكمي شراء سندات طويلة الأجل بما قيمته 85 مليار دولار شهريا في حالة مجلس الاحتياطي لمساعدة النمو الاقتصادي لكن جزءا كبيرا من تلك السيولة تسرب إلى الأسواق الناشئة مما يهدد بزعزعة استقرارها. وواجه البيان ذلك بالتزام بتقليص "الآثار السلبية" للتدفقات المالية الناتجة إلى أقل مستوى ممكن حيث تخشى الأسواق الناشئة من أن تتسبب هذه التدفقات في تضخم حجم فقاعات الأصول وأن تؤثر سلبا على القدرة التنافسية لصادراتها.

وقال نائب وزير المالية الصيني تشو جوانجياو "الدول المتقدمة الكبرى (يجب أن) تنتبه لتداعيات سياستها النقدية." وأضاف "تنفيذ الدول المتقدمة الكبرى لسياسة رخوة للغاية بشأن العملة يؤثر على الاقتصاد العالمي." وقالت روسيا التي ترأس مجموعة العشرين هذا العام إن المجموعة لم تتوصل إلى اتفاق بشأن مستويات عجز الميزانية على الأمد المتوسط وعبرت عن قلقها بشأن السياسات الفضفاضة للغاية التي تقول هي وبعض الاقتصادات الناشئة الكبرى إنها يمكن أن تسبب مشكلات لاحقا.

وقال وزير المالية الروسي أنتون سيلوانوف إن إعادة التوازن للنمو العالمي تتطلب أكثر من مجرد تعديل سعر الصرف. وأضاف "يجب أن يكون هناك دور أكبر للإصلاحات الهيكلية في جميع الدول سواء كان ميزان المدفوعات فيها إيجابيا أو سلبيا" مسلطا الضوء على مخاطر الآثار الناجمة عن سياسة نقدية غير تقليدية.

وفيما يخص العملات أعاد بيان مجموعة العشرين التأكيد على التزامها السابق في نوفمبر تشرين الثاني الماضي بالتحرك نحو تحقيق "المرونة في سعر الصرف بما ينسجم مع العوامل الأساسية وتجنب أي اختلالات مزمنة في سعر الصرف." وأضاف أن التحركات العشوائية لأسعار الصرف والتقلبات الشديدة في التدفقات المالية يمكن أن تؤثر سلبا على الاستقرار الاقتصادي والمالي.

من جهة أخرى يقول البنك الدولي إن الاقتصاد العالمي في عام 2013 سيستمر في أن يشهد فترة من النمو البطيء جدًا ولكن الثابت، مشيرًا إلى ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية في البلدان ذات الدخل المرتفع، ونموًا أضعف من المتوقع في البلدان النامية، ولكنه رأى أن خطر حدوث أزمة مالية كبيرة قد تضاءل.

وتوقع نائب الرئيس الأول للبنك الدولي والخبير الاقتصادي الرئيسي كوشيك باسو أن يكون معدل النمو الإجمالي 2.4 بالمئة، واعتبر أن الوضع الاقتصادي بات أفضل مما كان عليه في بداية العام 2012، غير أن احتمالات التحسن الطفيفة تلك لن تُترجم إلى تحسن يتجاوز نسبة 2.3 بالمئة التي عرفها العالم عام 2012.

وأشار باسو الى أن "الوضع الإجمالي لا يزال صعبًا. فقبل أربع سنوات غرق العالم في أزمة عميقة، ومنذ ذلك الحين كانت الرحلة حافلة بالمطبات. وكانت المخاطر كبيرة في العام 2011، إلا أن النظرة التي نتخذها الآن هي أنه من الناحية المالية والناحية النقدية بات الوضع أفضل وتقلصت مخاطر الهبوط الاقتصادي. وتبدو ظروف السوق أفضل من قبل. وتكاليف الاقتراض في الاتحاد الأوروبي أقل قليلاً مما كانت عليه سابقًا، ولذلك يبدو أن الوضع بصورة عامة صار أفضل."

وأشار باسو إلى ان البنك الدولي يتوقع أن تواجه البلدان النامية الأكبر حجمًا بعض الانتعاش، متوقعًا أن تشهد البرازيل والصين والهند نموًا نسبته 3.4 بالمئة و8.4 بالمئة و 6.1 بالمئة على التوالي. وقد زودت التغييرات السياسية الذكية التي أجرتها البلدان الصناعية الرئيسية الاقتصاد العالمي بحيز أوسع للتنفس وسيولة أكبر، بيد أن هذه التغييرات،أضاف باسو، لا تخدم سوى لشراء بعض الوقت بدلاً من تأمين إصلاحات هيكلية ملحة، ولا سيما في دول منطقة اليورو.

وشهدت الصين معدل نمو بلغ 10 بالمئة تقريبًا خلال السنوات العشرين الماضية، ولكن باسو رأى أنه لا يمكن استدامة مستوى النمو هذا. وتوقع أن تبدأ الهند، التي كان نموها الاقتصادي قد انطلق خلال العقد الماضي، في ردم الفجوة مع الصين بحلول العام 2015، حينما تشهد الصين معدل نمو بنسبة 7.5 بالمئة في حين يرتفع معدل نمو الاقتصاد في الهند الى نسبة 7 بالمئة.

ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأميركي بمعدل 1.9 بالمئة في عام 2013. ورأى باسو أن الاتفاق الذي تّم التوصل اليه بين الرئيس أوباما والمشرعين الأميركيين حول الضرائب في نهاية عام 2012 كان مريحًا جدًا، ويعتقد أنهم سوف يحلون أيضًا خلافاتهم الحالية حول رفع سقف الدين العام الأميركي. ويأمل بأن تمنع الإصلاحات الهيكلية حصول هذه "النقاط الساخنة" التي تحدث بشكل منتظم. واعتبر "بالنسبة للبلدان النامية لا يوجد شيء أهم من أن يكن الاقتصاد الأميركي مستقرًا، ومزدهرًا."

وصرح أندرو بيرنز، مدير فريق الاقتصاد الكلي التابع للبنك الدولي بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى طريق واضح على المدى الطويل لتعزيز الوضع المالي للميزانية والتحرك قُدمًا باتجاه مسار أكثر استدامة. وأوضح بيرنز، "وبقدر ما يتحقق ذلك، لا أعتقد أننا نحتاج بالضرورة إلى المزيد من التعزيز المالي في الولايات المتحدة لهذا العام."

وأكد بيرنز، بصورة عامة، أن الاقتصادات ذات الدخل المرتفع مثل اقتصادات الولايات المتحدة واليابان وأوروبا، تستمر في الكفاح في أعقاب الأزمة المالية، وأن نسبة النمو في البلدان النامية ستبلغ 5.5 بالمئة، بدلاً من نسبة 6 إلى 7 بالمئة التي كانت تنعم بها في أواخر القرن العشرين.

وأعرب بيرنز عن اعتقاده بأنه للتمكن من تجاوز هذا النمو الضعيف نسبيًا، ستتمثل "البراعة في أن يتم التشديد مجددًا على إصلاح السياسات الهيكلية، والاستثمار في البنية التحتية وفي قطاعي الصحة والتعليم من أجل دعم ذلك النمو المستدام في جانب الطلب ضمن اقتصاداتها وفق نفس الطريقة التي كانت قادرة على القيام بها بنجاح في أوائل تسعينات القرن الماضي وأوائل الألفية الحالية."

ورأى بيرنز انه في حين تستمر المشاكل في منطقة اليورو والصعوبات المالية في الولايات المتحدة في أن تؤدي إلى نشوء مخاطر مالية، فقد تم تقليص حجم تلك المخاطر وانخفض بشكل ملحوظ احتمال حصولها. واستشهد بالتحسينات الحاصلة في أسواق الإسكان والعمل في الولايات المتحدة، وقال انه سيحصل نمو ايضًا في حال بدأت التحسينات في القطاع المالي في أوروبا تؤتي ثمارها المرجوة.

ويعتقد بيرنز في أن عام 2013 سيشكل "فترة متقلبة وفترة من التحديات بالنسبة للبلدان النامية." وحثّ تلك البلدان على الاحتفاظ بأيديها ثابتة على مقابض سياستها المالية والنقدية و"تجنب ردات الفعل البالغة القوة لمواجهة التغيرات في أوضاع عالم الدول ذات الدخل المرتفع."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/شباط/2013 - 11/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م