الإنسان والهاتف النقال!

مهند حبيب السماوي

أصبحت الأجهزة الالكترونية الحديثة، ومنها الهواتف الذكية خصوصا، جزءا من حياة الكثير من الناس الذي بات من الصعب جدا لبعضهم ان يمارس نشاطاته اليومية على نحو اعتيادي دون أن تكون هذه الأجهزة في متناول يده أو قريبة منه. فوجود هذا الجهاز النقال في حياة الانسان، وحمله معه دائما أدى الى نشوء علاقة بين الانسان والجهاز نتج عنها بروز عدة ظواهر كُتبت عنها مئات الدراسات والأبحاث العلمية والانسانية التي لفتت الانتباه الى ما يمكن ان تؤدي اليه هذه العلاقة من حيثيات ونتائج يُعتد بها.

وقد تحدثنا في الجزء السادس من هذه السلسلة عن موضوع الخوف من فقدان الهاتف او مايسمى بــظاهرة " النوموفوبيا" والتي كانت تتعلق بالبحث عن تداعيات أربعة اسئلة رئيسية هي:

هل تشعر بالاضطراب حينما يصبح هاتفك النقال بعيدا عنك؟

هل يؤذيك مجرد شعورك بفقدان هاتفك؟

هل تحمل معك أكثر من هاتف؟

هل تقوم بفحص هاتفك عدة مرات في اليوم وبشكل يزيد عن المعدل الطبيعي؟

اما في هذا الجزء فسنتطرق الى آخر دراسة عن هذا الموضوع المتعلق بعلاقة الإنسان بالهاتف والتي جاءت فيها إحصاءات رياضية حول معدل استعمال الانسان لهذا الجهاز كل يوم، وهي الدراسة التي ظهرت قبل حوالي شهرين أي في كانون الاول من العام الماضي،وقام بها كل من الدكتور جيمس روبرت وستيفين بيرغو في مدرسة بايلور هانكمر للاعمال في تكساس تحت عنوان " فحص اولي للمادية والاندفاعية كنتائج لادمان التكنولوجيا بين الشباب الناضجين".

يؤكد دكتور روبرت ان الهاتف النقال " اصبح جزء من حضارة المستهلك وهو ليس اداة للاستهلاك فقط بل اصبحت رمزاً ويمثل وضعا خاصا للانسان" وعمل هذا الجهاز ايضا على " اضعاف وتآكل علاقاتنا الاجتماعية" واشار الى ان الانغماس في هذا الهاتف مشابه للانغماس في النشاطات الاخرى التي توصف بالادمان مثل الشراء القهري والشراهة في الاكل والقمار وهو " يؤثر على حياة الناس وسلوكهم".

يؤكد بعض الاخصائيين ان 29% من الناس يعتقدون انهم لايستطيعون الحياة من غيره بحسب تعبير كاتي فريما في تعليقها على دراسة معهد بيو للابحاث، فالانسان يعتمد عليه بشكل كبير لدرجة انه يفحصه كل ستة دقائق، فالهاتف النقال اول شيء ينظر له الانسان حينما يستيقظ، وبالنسبة لاستراليا، مثلا، نجد " ان الانسان حينما يصحو فانه ينظر فورا الى المنبه ثم ينظر بعد ذلك الى آخر التحديثات على الفيسبوك وربما تويتر وقد ينظر للايميل، ثم بعد ذلك يقوم من فراشه "كما يقول ذلك كيفين بلوج مدير مكتب شركة سيسكو للتكنولوجيا الذي قامت بهذه الدراسة.

كما ان آخر شيء ينظر له الانسان قبل ان ينام هو الهاتف النقال، وفيما بين النهوض صباحا والاستسلام للنوم ليلا يقوم الانسان بفحص الانترنيت وقراءة الرسائل الالكترونية بالاضافة الى الاتصالات والرسائل النصية، بحسب وصف صحيفة الديلي ميل البريطانية.

وجدت الدراسة التي كتبها دكتور روبرت، والتي اجريت على 119 طالبا بالغا، ان معدل اطلاع الانسان على هاتفه يصل الى 150 مرة خلال مدة استيقاظه البالغة 16 ساعة، فمجرد استخدام الانسان لهاتف ذكي يحتوي تطبيقات عديدة فان هذا يعني ان هذا الشخص سوف ينظر له مرات عديدة وحتى الاشخاص الذين لديهم اجهزة اقل تعقيدا فانهم، كما تشير الدراسات، يطلعون على هواتفهم مرات عديدة.

وقد علّق على هذه الدراسة الخبير التكنولوجي تومي اهونين، الذي اعتبرته مجلة فوربس من اكثر الاصوات تأثيرا في عالم تقنيات الاجهزة المحمولة الحديثة، قائلا ان " الشخص يستقبل ويتجنب 22 مكالمة في النهار ويرسل ويستقبل 23 رسالة نصية ويطّلع على ساعة الهاتف 18 مرة خلال اليوم الواحد".

وأشار اهونين الى أن معدل استخدام الانسان للهاتف كل يوم هو 3 مكالمات " استقبال أو اتصال" لكن تبقى هناك محاولات أخرى للاتصال لم تكتمل واتصالات متقطعة ورفع الهاتف لأغراض النظر فيه وتعديل النغمات كما اننا ننظر للهاتف في بداية المكالمة وننظر له ايضا له في نهاية المكالمة بالاضافة الى استخدام المنبه وممارسة الالعاب او استخدام تطبيق معين، وأكدت الدراسة انه في بعض الاحيان يكون هنالك ادمان على لعبة معينة او تطبيق ما وليس على الهاتف في حد ذاته.

كما ان هنالك العديد من النشاطات الأخرى يمكن ان تجري على الهاتف كتغيير نغمات الهاتف والتقاط الصور من خلال كاميرته وربطه بالشاحنة وفصله عنها وهي كلها تضاف الى عدد مرات النظر للهاتف.

من الطبيعي ان يكون لهذه الممارسات، ان تعدّت حدودها وخرجت من اطارها الطبيعي، اثارا سلبية على علاقاتنا الاجتماعية التي تساهم تلك الممارسات بتديمرها والتأثير عليها على حد تعبير اهينون، وهو مادفع الكثير من الباحثين الى التحذير من خطورتها على مجمل سلوك الانسان فضلا عن علاقة الانسان الاجتماعية الطبيعية بغيره.

هذه العلاقة الوطيدة بين الانسان وهاتفه قد يكون لها جانب اخر ايجابي لم يركز عليه الباحثون ولم يسلطوا ابحاثهم على مضمونه او يكشفوا دلالاته، فقرب الانسان من هذا الجهاز من الناحية المكانية وتعلقه به من الجانب النفسي قد يدفع مطوري البرامج والتطبيقات في كل من أنظمة iOS بالنسبة لاجهزة أبل، ونظام اندرويد بالنسبة لاجهزة السامسونج والسوني اركسون وال ال جي، ونظام وندوز فون بالنسبة لاجهزة نوكيا الحديثة، او بلاك بيري او اس بالنسبة لاجهزة البلاك بيري، الى تقديم برامج مفيدة للانسان تنظم علاقته بالآخرين وبعمله وحياته وصحته ودراسته وحتى مع دينه وآخرته.!

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/شباط/2013 - 10/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م