لماذا تكرهون العودة إلى مدارسكم؟

توفيق أبو شومر

سؤالٌ أجاب عنه كثيرون من الطلاب بصراحة ووضوح، عقب انتهاء إجازة الشتاء الأخيرة!! فكثيرون منهم يُرجعون سبب هذا الكره للمدرس نفسه، المدرس المقهور لأنه يقع في أسفل سُلَّم الدرجات الوظيفية، المدرس غير المؤهل نفسيا لهذه المهنة، والمدرس(التاجر) الذي يرى في الطلاب مشروعا استثماريا مربحا بواسطة الدروس الخصوصية، فيَعمد إلى تحويل الكتب المدرسية إلى ألغازٍ يُصعب حلها إلا بمعلمٍ خصوصي!

كما أن عددا من الطلاب الذين سألتهم أرجعوا سبب الكره إلى حقيبتهم المدرسية، التي يتجاوز وزنها في بعض الأحيان خمسة عشر كيلو غرام، من الكتب والدفاتر والعبوات الأخرى كالماء والعصائر وغيرها.

وأشار آخرون إلى أن سبب الكره يعود إلى المدرسة نفسها، فهي خالية من الجذب ومن أماكن الترفيه والمعامل التجريبية والمسارح والملاعب الرياضية بحجة الازدحام، لذا فإنها مصدر النفور، ليس بسبب الغرف الكئيبة والضيقة، بل بسبب نظام البناء الهندسي الممقوت، كما أن الإدارة المدرسية سببٌ آخر في الكره، وبخاصة عندما تصبح هذه الإدارة مركزَ الشرطة المدرسي، فهي بمثابة السجون، فهي التي تُعاقب وتوبخ وتُنذر وتَطرد أيضا!

وأكَّد طلابٌ كثيرون أيضا أن سبب كرههم للمدارس يعود إلى المناهج الحشوية العقيمة المنفِّرة، مناهج الاستظهار والمحفوظات الصعبة الفهم الخالية من الجمال،ولا تستثير عقول الطلاب أو تحفزهم على الإبداع، وهذا هو جوهر التعليم!

وفي المقابل لماذا يُحبُّ طلاب كثيرون في دول العالم مدارسهم ويشتاقونها، وبخاصة في الدول المتقدمة؟

إنها الدول التي لا ترى في أبنائها عبئا، وإنما ترى فيهم كنزا مستقبليا، أهم بكثير من كل مصادر الثروات الطبيعية وغير الطبيعية، لذا فإنها تسخِّر إمكاناتها المالية والمعنوية لهذا القطاع، وتعتبره أهم القطاعات في المجتمع، إنها الدول التي تراهن على المستقبل، وتعرف أن مفتاحه الرئيس هو التعليم، وأن الطلاب ليسوا سوى دُرَرٍ مكنونة، تقوم المدارسُ بإعادة صقلهم واكتشاف مواهبهم، وليس إلغاء عقولهم وطمسها تمهيدا لاستخدامهم كميليشيات حزبية!

إنها الدول التي تبني مدارسها وفق رغبات أبنائها، وليس وفق مخططات مقاولي البناء الغابرة، فمقاعد الدراسة لا تثير النفور، والحجرات هي معامل وأنشطة، وليست غرف تعذيب يمارِسُ فيها المدرسون الجاهلون هواياتهم في حشو عقول الطلاب بمحفوظاتٍ فارغة باستخدام العصي والعقوبات الجسدية واللفظية، فالملاعب ليست مساحات يمكن إعادة إشغالها بغرف مدرسية عندما يزداد عدد الطلاب.

 فحصص الأنشطة في تلك البلدان هي الأهم، ولا يُسمح بأن ينتهكها مدرسون كثيرون ويعتدون عليها بحجة أنهم متأخرون في المنهج الحشوي!

إن عالم اليوم قد انتقل بالفعل من نظام الكتب الورقية الثقيلة إلى الكتب الديجتالية، فقد استغنت مدارسُ كثيرةٌ في العالم عن الحقيبة المدرسية المنفرة والثقيلة بشاشة كمبيوتر صغيرة يمكنهم بها تسيير يومهم المدرسي بشوق وحب وإبداع.

 وهاهي إسرائيل الدولة التي تعرف قيمة التعليم، وتُدرك أن مستقبلها كلَّه يعتمد على التعليم، فهو كما أشار المتابعون لمسيرتها التعليمية أكثرُ أهمية من (جيش الدفاع) بل إن جيش الدفاع تابعٌ من توابع التعليم، لذا فإن هناك لجانا تُشكَّل في كل سنةٍ مهمتها الرئيسة هي متابعة قضايا التعليم وتطويره، فإسرائيل تنافس على المراتب الأولى في دول التعاون الاقتصادي، وبخاصة في الرياضيات والعلوم والكمبيوتر، كما أن إسرائيل تحدد وزن الحقيبة المدرسية المسموح بها، وتحدد مواصفاتها في بدء كل سنة دراسية!

 وها هو غدعون ساعر وزير التعليم الإسرائيلي قد افتتح يوم 4/2/2013 أحدث أنظمة التعليم المحوسب في المدارس الحكومية في إسرائيل وذلك بتدشين مائة مدرسة في إسرائيل لكي تنتقل من التعليم الورقي إلى التعليم المحوسب، وهو أرخص تكلفة وأكثر فائدة!

وللعلم فقط فإن فلسطين من أكثر بلدان العالم استهلاكا للآلات المحوسبة والإنترنت وأجهزة الاتصالات، غير أننا أقل بلدان العالم استفادة من هذه الشبكة وتوظيفها في التعليم، فما يزال طلابنا أكثر طلاب العالم استهلاكا للأوراق والتصوير وإعداد الأبحاث الورقية، ونحن أيضا أقل الدول إنتاجا في مجالات استطلاعات الرأي حول اتجاهات ومستقبل التعليم الفلسطيني، وكذلك هناك شحٌّ في اللجان المتخصصة لبحث مستوى التعليم وقياسه، على الرغم من أن عدد المتفوقين عقليا في مدارسنا –ربما- هو الأكثر في كل دول العالم، فهم متفوقون نابغون، ولكن نبوغهم في الغالب الأعم- للأسف- يرجع إليهم أنفسهم، وليس إلى المدارس والمدرسين والإدارات المدرسية!

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/شباط/2013 - 6/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م