منذ العام 2007م ولازلت أستظل بسحب التوفيق التي ساقها الله إلي
لتوثيق ما يُنتج عن دائرة المعارف الحسينية، فلم يتوقف اليراع عن تقليب
الإصدارات وعرضها على جمهور القراء بالأسلوب الذي يجمع بين العرض
والنقد وفقا لنوعية الإصدار، إلى جانب الكتابة السياسية والتحليل
السياسي والبرامج الثقافية عبر الفضائيات وكذلك الإهتمامات الأكاديمية
والحضور المتقطع في الندوات والأمسيات السياسية والثقافية والإجتماعية.
وكلما شرعت بالكتابة وتحركت أناملي فوق لوحة الحروف أدعس هذا الزر
وذاك، تقفز إلى شاشة الحاسوب الشخصي صورة التضحية والفداء في كربلاء
المقدسة وتتراءى لي من قريب عرصاتها، لا لأنها المدينة التي شهدت
ولادتي قبل نصف قرن وقضيت فيها من عمري ثمانية عشر عاماً بحلوها ومرّها
حتى غادرتها خائفا أترقب في آب 1980م، ولا لأنها المدينة التي شهدت
ولادة مؤلف الموسوعة الحسينية الفقيه المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
وفي حوزتها العلمية بانت نباهته وتفوقه حتى غادرها مُكرهاً غير طائع
وهو في مطلع العقد الثالث، بل لأنها المدينة التي شهدت ملحمة دونها كل
الملاحم، ولأنها المدينة التي لا ينضب عنها القلم ولا تجف فيها المحبرة،
فكلما كُتب فيها وعنها تظل الأقلام قاصرة عن موافاتها، فالمعركة التي
تزلزت فيها الأرض والسماء في عاشوراء عام 61هـ كانت ولازالت شاخصة
المعارك الكونية التي أضاءت للبشرية دربها ودلّتها على قيم الخير والشر،
فالمدينة ليست ككل المدن، والثاوي فيها ليس ككل الأسباط، وحبها وحب
المقدَّسة به من الإيمان.
وعندما انبرى المحقق الكرباسي عام 1987م لتوثيق تراث الإمام
الحسين(ع) ومدينة كربلاء والتحقيق فيه في موسوعة كبرى أسماها (دائرة
المعارف الحسينية)، وقع الخيار عليَّ بل قل التوفيق لكتابة تعريف عن
الموسوعة وصدر الأول منه عام 1993م وحينها كان عدد المخطوط من الموسوعة
قد بلغ 350 مجلداً في ستين باباً، وفي عام 2000م صدر تعريف ثان من
إعداد زميلنا الأديب علاء الزيدي، بعد أن بلغ المخطوط منها والمطبوع
500 مجلد، وفي عام 2007م عدت وكتبت شبه تعريف آخر بعنوان (العمل
الموسوعي في دائرة المعارف الحسينية) وقد بلغت الموسوعة حينها 600 مجلد،
والآن وبعد مرور ربع قرن على التأسيس فإن أعداد الموسوعة الحسينية فاقت
السبعمائة مجلد منها 77 مطبوعاً، ولمرة رابعة انبرى زميلنا الأستاذ علي
التميمي عام 2012م بكتابة تعريف عن الموسوعة ولكن هذه المرة لبيان آخر
الإصدارات والنتاجات المتعلقة بالدائرة التي كتبها وأعدها الكثير من
الأدباء والجامعيين والمؤرخين من جنسيات وبلدان مختلفة، وقد صدر
التعريف الذي حمل عنوان (دائرة المعارف الحسينية في سطور) في 40 صفحة
من القطع الصغير عن مكتب دائرة المعارف الحسينية فرع العراق في كربلاء
المقدسة، وطبع في مطبعة الرائد في النجف الأشرف.
رسول خطي
أكثر من مرة استشهدت بالتعريفين الأولين خلال جولتنا على المحافظات
العراقية في الفترة (21/6-6/9/2012م) ونحن في رحلة معرفية لتسليط
الأضواء على الموسوعة الحسينية، وذلك من باب الإستشهاد ولبيان الزيادة
الحاصلة في أجزاء الموسوعة الحسينية مع مرور الزمن، وهي الرحلة التي
أخذتنا الى سبعة عشر محافظة عراقية بدءاً بمدينة بابل وانتهاءً بمدينة
الكاظمية، ومن السليمانية شمالاً والبصرة جنوباً وبينهما بقية
المحافظات العراقية، ناهيك عن مدينة كربلاء التي شهدت مهرجاناً وندوة
وأمسية رمضانية.
كان الكتيب خلال رحلتنا التي ربما أسميتها "سفر الخلود من جزيرة
الضباب الى بلد القباب"، خير رسول خطي لدائرة المعارف الحسينية كان
يصاحبنا في كل مدينة حللنا فيها ويجد طريقه بسهولة بين يدي الحضّار في
الندوات والمهرجانات والمحافل الثقافية، ومنه يطّلعون على آخر
المستجدات العلمية في الموسوعة الحسينية فضلا عن البيانات العامة التي
وفّرها الكتيب فيما يتعلق بالمؤلف والمؤلفات والمركز الحسيني للدراسات
بلندن والنتاجات العلمية المطبوعة حول الموسوعة لشخصيات علمائية
وجامعية وأدبية، وقد حمل العناوين التالية: (الحفيد على خطى الجد)، (الكرباسي
في سطور)، (شذرات عن المركز الحسيني للدراسات)، (مقتطفات عن الموسوعة
الحسينية)، (المطبوع من دائرة المعارف الحسينية)، و(مؤلفات أممية عن
الموسوعة الحسينية).
وفي العنوان الأول استحضر التميمي مقدمة كتاب (العمل الموسوعي في
دائرة المعارف الحسينية) وفيها جاء: "ويكفي الموسوعة الحسينية فخراً
وتميّزاً، أنَّ أفلاكها الستمائة –السبعمائة- مجلد تدور حول قطب واحد،
وهو شمس الإمام الحسين(ع) ونهضته المباركة، تحركها جاذبية قلم شخص واحد،
هو المبدع في عالم المعرفة والتأليف المحقق الفقيه آية الله الشيخ محمد
صادق بن محمد الكرباسي، الذي سار على خطى جده الأعلى مالك الأشتر في
خدمة الحضارة الإسلامية، فكان الجد للإسلام ولخليفة المسلمين الإمام
علي بن أبي طالب(ع) سيف الله المسلول على رقاب أعداء الحق والحقيقة،
وصار الحفيد للإسلام ولسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين(ع) قلم الحق
المبلول بدماء شهداء الخير والفضيلة. كان الأشتر (رض) للمرتضى(ع) يمناه
القابضة على السيف، وصار الكرباسي لسيد الشهداء(ع) يمناه القابضة على
القلم، فسار الحفيد على خطى الجد، وربما كان وقع القلم في هذه الأيام
أمضى من حدِّ السيف وإن صَدَقا".
حضور أممي
وأكثر مايُلفت الإنتباه في الكتيب عنوانه الأخير الذي ضم جدولاً فيه
45 كتاباً ألفه أو أعده العشرات من الأعلام في العلوم المختلفة
المنبثقة من دائرة المعارف الحسينية، فعلى سبيل المثال أعدَّ الداعية
الأرجنتيني المتحول من الكاثولية الى الإسلام سانتياغو پاز بولرج
(Santiago Paz Bullrich) أو الشيخ عبد الكريم پاز فيما بعد، كتاب (الإسلام
في الأرجنتين) وهو فصل مستل من كتاب (معجم المشاريع الحسينية) أحد
أبواب دائرة المعارف الحسينية التي تتابع حركة الإسلام في دول العالم،
وفي السياق نفسه يأتي كتاب (الإسلام في أرمينيا) من إعداد الشخصية
الأرمينية السورية الدكتور أواديس استانبوليان، ومن أمثلة ذلك كتاب
الأديب الأردني الدكتور محمود عبده فريحات المعنون (الأدلة القرآنية في
الشعر الحسيني من دائرة المعارف الحسينية)، وكتاب الأديب العراقي
الدكتور عبد الحسين مهدي عواد والمعنون (الظواهر التربوية في أشعار
دائرة المعارف الحسينية)، وكتاب الفقيه الباكستاني القاضي حسن رضا
الغديري والمعنون (متطلبات الأمة بين الحاجة والمسؤولية لآية الله
الكرباسي)، وكتاب الأديب الفلسطيني الدكتور خالد أحمد السنداوي
والمعنون (التشريع الإسلامي في مناهله لآية الله الكرباسي)، وغيرها.
وهذا بدوره يعكس اهتمام أعلام الأدب والثقافة والمعرفة بالموسوعة
الحسينية وتفاعلهم مع نتاجات مؤلفها الكرباسي، بل إذا اقتربنا للحقيقة
نجد أن الحب الجلي والخفي لشخصية الإمام الحسين(ع) بوصفها الشخصية
الإصلاحية صاحبة قيم الخير والسلام والمحبة، هو الذي يقرّبهم لترجمة
هذا الحب وتمثّل القيم بكتابات هي من سنخ ثقافتهم، فمنهم من يكتب في
الأدب الحسيني وآخر في السياسة وثالث في الشريعة ورابع في التاريخ،
وخامس في العمارة، وهكذا، وفي مثل هذه الكتابات تذوب الحواجز العرقية
والدينية والمذهبية والمناطقية وغيرها، ويكون الذوبان كله في بوتقة
القيم الحسينية المتماثلة مع القيم الإنسانية الفطرية التي ينشدها كل
من يدب على وجه الأرض.
ومن نسيج هذا الحب تأتي رباعية الشاعر الجزائري الدكتور عبد العزيز
مختار شَبِّين المعنونة (رَوْضُ الحسين) في تقريظ الموسوعة الحسينية
والتي تزيّن بها الغلاف الأخير لهذا الكتيب، يُنشد فيها:
رَوْضُ الحسينِ مقاطفٌ وزهورُ .... ومن اليراع كتابُهُ المسطورُ
موسوعةٌ لمعارفٍ يُجري بها .... حُمرَ المداد دمٌ زكا وعبيرُ
خطَّت بأنفاس الحسين حروفَها .... فتعطَّرت نُقَطٌ بها وسطورُ
أفكارُ صادقَ قدْ حوَتْ معنى الهُدى .... فتبارك التذكيرُ والتفكيرُ
في الواقع رغم أن الكتيب حديث الصدور وقد ضمَّ عناوين مجموع ما صدر
من الموسوعة الحسينية، فيها وعنها، فإن أكثر من عشرة مؤلفات أخرى تنتظر
الخروج من تحت سنابك المطابع، ولكم أن تتصوروا غزارة الإنتاج لدائرة
المعارف الحسينية، والعاقبة للمحبين الذين تربع سبط النبي(ص) صدر
قلوبهم وقلب صدورهم.
* الرأي الآخر للدراسات- لندن |