الشعب يريد... (تمن وثريد)

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الدعاية الانتخابية للمرشحين لانتخابات مجالس المحافظات ماضية على قدم وساق.. المال وفير هذه المرة اكثر من الدورة السابقة، فاللافتات الاعلانية اصبحت اكبر، ومن مواد افضل، وهو يكشف ارتفاع معدلات الوفرة المالية لدى جماعات كبيرة من المجتمع العراقي خلال السنوات الماضية، اضافة الى تراكم المال المجني من صفقات الفساد المالي لسنوات الدورة التي على وشك الانتهاء وخاصة بالنسية للأعضاء الذين جددوا ترشيحاتهم.

حتى الان، اللافتات التي قراتها كانت تحتوي على التعبير التالي: اهالي..... يباركون ترشح ابنهم البار السيد........ لانتخابات مجلس محافظة بغداد.

احدى اللافتات والتي جذبت انتباهي وغضبي وغيظي، هي التي حملت عبارة اهالي.... يباركون ترشح ولدهم البار الدكتوراه!

نعم (الدكتوراه) وليس (الدكتور) التي تسبق الاسم، فيقال، دكتور فلان، وليس دكتوراه فلان.. لدي ملاحظة على هذه اللافتة، تتلخص بالشكل التالي:

اذا كان المرشح لم يلتفت الى هذا الخطأ في اللافتة، على اعتبار انه لم يكتب الديباجة، فتلك كارثة، لانه لو فاز واصبح عضوا فانه سوف لاينتبه لتفاصيل اخرى كثيرة في مجال عمله.

واذا كان هو قد كتب تلك العبارة مع فريقه الانتخابي، فالكارثة اكبر، لانه لايعرف التمييز بين العبارتين، وبالتالي كيف يعرف التمييز بين الصالح والطالح في طلبات جمهوره الناخب؟

هذه مقدمة لابد منها، للدخول الى موضوع الشعارات التي ترفعها الكثير من التظاهرات، اوالتي نسمعها عبر الفضائيات، من خلال الخطب والكلمات والبيانات التي يدلو بها قادة تلك التظاهرات.

بثت فضائية بغداد التابعة للحزب الاسلامي العراقي، في الساعة الحادية عشرة والنصف من مساء يوم السبت 9/2/2013 تسجيلا لتظاهرات يوم الجمعة التي سبقت ذلك اليوم، وكانت التظاهرة التي تابعت خطبها هي تظاهرة منطقة زيونة في العاصمة بغداد، وكانت داخل احد المساجد.

طبعا رجال الدين هم الخطباء في هذه التظاهرة المغلقة، والجمهور هم المصلين، التحشيد على اشده، كان احد الهتافات هو: (ايران برّه بره.. بغداد تبقى حره)، ولا ادري ماعلاقة ايران بهذه التظاهرات؟

لست في وارد مناقشة مثل هذه الهتافات التي تحمل نفسا طائفيا بغيضا، بل ابقى ضمن الموضوع، واناقش بقية ما ورد في تلك التظاهرة.. احد الشيوخ، بصوت جهوري عابر للفضاء وللجدران، تطرق في حديثه الى قصة القناص الامريكي الذي قنص وقتل أكثر من 225 من العراقيين، لكنه اكتفى بكلمة القناص ولم يذكر جنسيته الامريكية، الهتافات تتعالى، (تكبير.. تكبير.. تكبير)، التقط بعده الميكروفون شيخ اخر، مضيفا ان الحكومة تكرم هذا القناص، الذي قتل ابناءنا ورجالنا ونساءنا، وهلم جرا، (تكبير. تكبير.. تكبير) كان حديثه يدور حول قناص (عراقي) كما فهمه من حديث الشيخ السابق.. من هو؟ لم اسمع به يوما.

المصيبة ان هذا المتحدث لايعرف عمن يتحدث، والمصيبة الاكبر ان المستمعين لحديثه لايعرفون من هو المعني بالحديث.

تذكرت قولا للامام الصادق عليه السلام حين قال لاصحابه: لاتكونوا كالامّعات.. قيل ومن هم الامّعات يا ابن رسول الله؟ قال: اتباع كل ناعق.

(نعَق الغرابُ فتشاءم الجميعُ)... ونعَق الرّاعي بغنمه: صاح بها وزجَرها {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ}: الذي يدعوهم إلى الإيمان مثله كمثل النَّاعق بالبهائم التي لا تسمع.

ورواية ينقلها ابن قيم الجوزية في كتاب مفتاح دار السعادة (2/403-416) ضمن وجوه فضل العلم وطلبه: الوجه التاسع والعشرون بعد المائة: ما رواه كُميل بن زياد النخعي، قال: أخذ علي بن أبي طالب رضي الله عنه بيدي فأخرجني ناحية الجبّانة، فلما أصحَرَ جَعَلَ يتنفس، ثم قال: «يا كميل بن زياد القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير، أحفظ عني ما أقول لك:

الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق... الى اخر الحديث.

قال أبو بكر الخطيب، أما القسم الثالث: فهم المهملون لأنفسهم الراضون بالمنزلة الدنية والحال الخسيسة التي هي في الحضيض الأسقط، والهبوط الأسفل، التي لا منزلة بعدها في الجهل، ولا دونها في السقوط، وما أحسن ما شبههم بالهمج الرعاع، وبه يشبه دناة الناس وأراذلهم، والرعاع: المتبدد المتفرق، وللناعق: الصائح؛ وهو في هذا الموضع الراعي يقال نعق الراعي بالغنم ينعق إذا صاح بها.

الشعب يريد... شعار ترفعه الكثير من الفضائيات في تغطيتها للتظاهرات الجارية حاليا او التي سبقتها في العام 2001، والتي عرفت بمهلة (المائة يوم)، وهذه الفضائيات في زحمة تغطيتها، ولان القائمين عليها هم من الفئة الثالثة الذي ينقلون هتافات الفئة نفسها عبر البث المباشر لاتستطيع مراجعة تلك الهتافات واستبعاد الشاذ منها وما اكثره، او هي كالمرشح الذي لم يفرق بين عبارتين في لافته الانتخابية التي تحدثت عنها في البداية.

وكثيرا ماكشف البث المباشر عورات الجهل والتخلف الذي يسربل القائمين على تلك الفضائيات، ليس اخرها ماجرى مع قناة الشرقية في لقطة تناقلتها الكثير من مواقع الفيس بوك العراقية.

الشعب يريد.. ماذا يريد؟ تمن وثريد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/شباط/2013 - 3/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م