حرية التعبير... بين تكميم الأفواه والقذف

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كثيرا ما يردد ساسة العراق والكتاب، عبر الصحافة والاعلام عبارة تكميم الافواه في احاديثهم الاعلامية، وكثيرا ما ترد الكلمة على لسان الصحفيين والاعلاميين ايضا في معرض تعليقهم على اي تصريح او قانون يصدر من الحكومة او الهيئات التشريعية.

هذه الكلمة لا يقتصر ترديدها على العراق فحسب، بل تمتد الى اجزاء واسعة من العالم شرقه وغربه، متسلحة بحقوق اساسية لعل ابرزها الحق في حرية التعبير، عبر جميع الوسائل العلنية، من صحافة وتلفزيون واذاعة ومواقع الكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي.

اخر التصريحات من هذا القبيل، ما ذكره السيد مقتدى الصدر، تعقيبا على تهديد دولة القانون برفع دعوى قضائية ضد النائب صباح الساعدي، بعد تصريحاته الاخيرة، قال السيد مقتدى الصدر: (تكميم الافواه بات واضحا في العراق ودليل ذلك هو تهديد الاخ العزيز الشيخ صباح الساعدي بالاعتقال لملفات وتهم لا دليل عليها في اذهان من يعارضهم).

وامتد هذا التعبير في العراق حتى الى مجال كرة القدم، حيث صرح اللاعب  نشأت اكرم ( إن عملية إبعاده تأتي  في إطار سياسة تكميم الأفواه التي يمارسها الكادر التدريبي واتحاد الكرة ضد اللاعبين الذين يصرحون بما لا تشتهي سفنهم).

وفي احدث تطور حول حرية التعبير، ما كشف عنه رئيس لجنة الثقافة والإعلام البرلمانية عن موافقة رئاسة مجلس النواب على طلب اللجنة بإيقاف تشريع قانون جرائم المعلوماتية, مبينا أن اللجنة أرادت تلبية مطالب اغلب المنظمات والمثقفين التي تقضي بعدم إقرار القانون وخاصة بعد تغير الوضع الأمني إلى الإيجاب في العراق. وأضاف أن (القانون حمل الكثير من الفقرات التي تحوي عقوبات).

وفي ذات السياق، اشارت وثيقة للجنة الثقافة والإعلام البرلمانية (اللجنة حضرت عدة مؤتمرات وحلقات نقاش خاصة لمشروع قانون جرائم المعلوماتية وأخرها ما نظمته اليونسكو)، موضحة أن (المؤتمرات رفضت المشروع وعدته انتكاسة للحريات في العراق).

وانتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بمراقبة حقوق الإنسان، في 12 تموز عام 2012، قانون جرائم المعلوماتية، معتبرة انه (يقيد حرية التعبير ويهدد الصحفيين الذين يكشفون وقائع الفساد).

وبحسب التعريف القاموسي فإن حرية الرأي والتعبير هي (الحرية في التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو عمل فني من دون رقابة أو قيود حكومية بشرط ألا تمثل طريقة ومضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن اعتباره خرقاً لقوانين وأعراف الدولة أو المجموعة التي سمحت بحرية التعبير ويصاحب حرية الرأي والتعبير على الأغلب بعض أنواع الحقوق والحدود مثل حق حرية العبادة وحرية الصحافة وحرية التظاهرات السلمية).

كثيرا ما يحتدم الجدل حول حرية التعبير وحدوده في العراق وغيره من الدول، وتهمنا تجربة العراق والتي هي جديدة، نشأت بنشوء النظام الجديد بعد العام 2003 وما افرزه من ظهور صحف وفضائيات ومنظمات مجتمع مدني تعنى بحرية التعبير وتدافع عنه.. ثمة ما هو غائب في الكثير من هذه الجدالات وهو، الى اي حد يمكن ان تصل حرية التعبير، او ما هي حدود الممارسة التي تقف عندها حرية التعبير؟.

لقد أصبحت مسألة حرية التعبير عن الرأي مثارَ جدل في العديد من الدول والمجتمعات، الأمر الذي دفع ببعضها لوضع معايير خاصة تمثل إطارا عاما للمساحة الممكنة في التعبير كما هو الحال في الولايات المتحدة -على سبيل المثال- التي وضعت المحكمة العليا فيها مقياسا لما يمكن اعتباره إساءة أو خرق لحدود حرية التعبير، ويسمى باختبار (ميلر) الذي بدأ العمل به في عام 1973 ويعتمد المقياس على ثلاثة مبادئ رئيسية وهي:

1- إذا كان غالبية الأشخاص في المجتمع يرون طريقة التعبير مقبولة.

2- إذا كانت طريقة إبداء الرأي لا تعارض القوانين الجنائية للولاية.

3- إذا كانت طريقة عرض الرأي يتحلى بصفات فنية أو أدبية جادة.

كثيرا ما يختلط والحال هذه مسالة تكميم الافواه التي يتحدثون عنها، ومسائل السب والشتم والقذف والتشهير، واكاد اجزم انه لو تمت مقاضاة كل من يمارس تلك الاعمال في الصحافة او التلفزيون لما وجدت غير خمسة او عشرة بالمائة من لا يكون خلف القضبان وقتها.

إن المراد بالسب في أصل اللغة الشتم سواء بإطلاق اللفظ الصريح الدال عليه أو بإستعمال المعاريض التي تومئ إليه و هو المعنى الملحوظ في إصطلاح القانون الذي إعتبر السب كل إلصاق لعيب أو تعبير يحط من قدر الشخص نفسه أو يخدش سمعته لدى غيره و المرجع في تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف هو بما يطمئن إليه القاضي في تحصيله لفهم الواقع في الدعوى ، ما دام أنه لا يخطئ في التطبيق القانوني على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم و لا يمسخ دلالة الألفاظ التى يحيلها عن معناها ، إذ أن تحرى مطابقة الألفاظ للمعنى الذي إستخلصه الحكم و تسميتها بإسمها المعين فى القانون سباً أو قذفاً أو عيباً أو إهانة أو غير ذلك هو من التكييف القانوني الذي يخضع لرقابة محكمة النقض ، كما أنها هي الجهة التي تهيمن على الإستخلاص المنطقي الذي يتأدى إليه الحكم من مقوماته المسلمة .

والقذف حسب التكييف القانوني له هو: يعد قاذفا كل من اسند لغيره أمورا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونا او أوجبت احتقاره عند أهل وطنه، ومع ذلك فالطعن في أعمال موظف عام او شخص ذي صفة نيابية عامة او مكلف بخدمة عامه لا يدخل تحت حكم الفقرة السابقة اذا حصل بسلامة نية وكان لا يتعدى أعمال الوظيفة او النيابة او الخدمة العامة وبشرط ان يثبت مرتكب الجريمة حقيقة كل فعل اسند اليه ولا يغنى عن ذلك اعتقاده صحة هذا الفعل.

كذلك فإنه على الصحفي في واقعة تصديه بالقذف في حق أحد الأشخاص العامة أن يقدم ما يدل علي أمرين مهمين‏:‏ ــ صحة الوقائع‏(‏ يقترب من إثبات ذلك ولو بصفة اولية‏).‏ حسن النية‏:‏ بمعني أن يعتقد الصحفي بمشروعية وصحة ما يقول‏,‏ وأن يكون اعتقاده مبنيا علي أسباب معقولة‏.‏ ذلك أن ركن حسن النية في جريمة القذف يتمثل في أن يكون الطعن صادرا عن حسن نية‏,‏ أي الاعتقاد بصحة وقائع القذف ولخدمة المصلحة العامة‏,‏ وليس عن قصد للتشهير والتجريح.

فعلي الصحفي أن يقدم بيانا بالأدلة علي صحة وقائع القذف مثل صور المستندات وأسماء الشهود‏,‏ وبعد ذلك يترك الأمر للنيابة التي تقوم بتحقيق هذه الأدلة‏,‏ حيث تستخدم سلطاتها لاستدعاء الشهود‏,‏ وطلب أصل المستندات الدالة علي صحة وقائع القذف‏,‏ وتحقيق هذه المستندات‏(‏ د‏.‏ محمد باهي أبو يونس ـ التقييد القانوني لحرية الصحافة ).

كما أن الحط من قيمة القضاء بالأفعال والأقوال العلنية التي تحط من قيمة وكرامة القضاء والطعن باستقلاليته وسلطته حيث يتعرض مرتكبها للمساءلة القانونية ولا تدخل في باب حرية الرأي والتعبير.

كيف يتعامل القانون العراقي مع تلك الحالات وصحة الخبر وتلصيق التهم ونثر النعوت؟.

 لقد تعامل القانون العراقي مع جريمة القذف والذم والسب والشتم بشكل ايجابي، حيث يقول المشّرع العراقي ( جريمة القذف هي أي قول أو اشارة جاوزت الاثنين وفيها العلانية وبأي اسلوب كان ، تنوشه احكام العقوبات البغدادية في باب جرائم الجنح) ، اضافة الى نص صريح بان ترديد صفة معينة وان كانت صحيحة علناً ، فانها تشكل جريمة حسب احكام هذا القانون والتطبيقات القضائية الصادرة بموجبه وقرارات محكمة التمييز بهيئتها العامة، ومثال على ذلك اذا أطلق انسان على انسان آخر بقوله مختلس فهذه الكلمة تعتبر جريمة بحق هذا الانسان وان كان هو فعلاً يمارس عملية السرقة والاختلاس، إذ ان كلمة لص تقلل من شأن حاملها حتى وان كانت الصفة تطابق الموصوف.

هل ما نسمعه كثيرا من كتاب وصحفيين واعلاميين يدخل في باب حرية التعبير ام السب والشتم والقذف التشهير؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 10/شباط/2013 - 29/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م