ما بين أحمد بابا وشارع المتنبي

تكمن مأساة المسلمين

زاهر الزبيدي

في السادس من آذار عام 2007 كان قد دوى انفجار هائل في شارع المتنبي، أحد أهم الشوارع الثقافية في بغداد، ذهب عصف الإنفجار بمئآت الآلاف من المصاحف الشريفة احتراقاً في المكتبات ومخازنها التي كان الشارع يعج بها وقبلها كانت قد تفحمت جثث العشرات من مرتادي الشارع وباعته وأصحاب البسطات الصغيرة الذين إعتاشوا على بيع تلك الكتب، ذهبت أجسادهم حرقاً مع المصاحف وكتب أهل السنة والجماعة وكتب المذاهب الأخرى، ولقوة الإنفجار، الذي أحدث فجوة كبيرة في قلب الشارع، فقد استمر البحث عن المفقودين لأكثر من اسبوع حيث تلاشت أغلب أجسادهم بفعل الحرائق وركام البنايات المحترقة، فنحن لغاية يومنا هذا نشتري كتباً طالتها المياه التي استخدمت لإنقاذ ما بقى منها من النار التي كادت أن تقضي على نسلها والى الأبد.. أنها مأساة شارع المتنبي التي نحتفي بشهدائها كل عام وقبلها ننعى كتاب الله الذي أحرقه الإنفجار.

وبعدها بدأت ملامح عدم إحترام أهل الدين لدينهم وكتابهم المقدس تظهر كممارسات مستمرة يقوم بها بعض المنبوذين في العالم ومنهم المعتوه القس الأمريكي المعتوه تيري جونز، المسؤول عن كنيسة دوف ورلد اوتريتش سنتر المتطرفة، بحرق عشرات المصاحف في غينسفيل في ولاية فلوريدا في الذكرى التاسعة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر..

وتلاحقت الأحداث التي يندى لها جبين الإنسانية حتى قام بعض المتطرفين الاسلاميين، الإسلام منهم براء، في مالي، بعد أن شعروا بخسارتهم لمدينة " تمبكتو" التراثية التي تعتبر العاصمة الثقافية والتراثية لجمهورية مالي وملتقى الحضارات والثقافات منذ مئات السنين والمدرجة على لائحة التراث العالمي منذ عام 1988 بعد اقتراب القوات الفرنسية والمالية اليها، بإحراق معهد «أحمد بابا للتوثيق والأبحاث» الذي يضم مكتبة تحتوي على أكثر من 20 ألف مخطوطة تاريخية لاتقدر بثمن يعود تاريخ بعض منها إلى القرن الثالث عشر، وهذا المعهد كان مستعداً لإستقبال ملايين المخطوطات الموجودة لدى القبائل الرحل وتصنيفها.

فما بين أحمد بابا وشارع المتنبي تمتد مأساة المسلمين ومن قاما بجريمتيهما في المكانين، على الرغم من المسافة بينهما، هددا الإرث الإنساني الحضاري متمثلاً بتلك المخطوطات والكتب المقدسة وهي طعنة غادرة بحق الإنسانية يجب أن لا يفلت من قاموا بها من الحساب.

 بين المكانين تربض مأساتنا التي تتمثل في أننا لم نعد نفقه معنى لديننا ونستدل على طريق الحقيقي في الوصول نوره الوضّاء، فنحن قد نعذر هولاكو وقبائل التتر حينما غزت بغداد سنة 656 هـ وأحرقت ما أحرقت وأزرق من جرائمهم دجلة على عظم ما ألقي فيه من كتب ومخطوطات.. أقول قد نعذرهم لكونهم ليسوا بمسلمين وقد نعذر من يحاول اليوم أن يحرق المصحف من الغربيين المتعصبين ولكن كيف سنعذر أولئك الذين يدعون بأنهم أهل الدين ومحسوبون عليه ويدافعون عن حرمته بذبح الآخرين وإستباحة دمائهم.. لا نامت أعين المنافقين.

 عزائنا لأهلنا، ممن ذهبوا شهداء تصاعدت أرواحهم مع كلام الله العظيم، أن يوماً سيحين وسننتقم ونثأر لدمائكم الزكية.. حفظ الله العراق.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 10/شباط/2013 - 29/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م