إسلاميو نيجيريا... بين الدعم الشعبي ومخاوف السلطة

 

شبكة النبأ: لن يؤيد كثيرون في مدينة كانو ثاني أكبر المدن النيجيرية أن يشن إسلاميون تمردا داميا على الحكومة المركزية في أبوجا، لكن عندما تتحدث جماعة بوكو حرام عن اقتلاع النظام القديم "الفاسد" وإقامة دولة إسلامية لتحكم نيجيريا تجد هذه الفكرة صدى لدى ملايين النيجيريين البائسين في الشمال الذين يشعرون أن الحكومة خذلتهم، قال خالد آدم (45 عاما) وهو يضع التفاح الأحمر والأخضر في شكل هرم بمتجره في شارع مزدحم في كانو "لو كانت الحكومة تعامل الناس بعدل لما ظهرت هذه المشكلات"، وأضاف وهو يتلفت حوله إنه لا يؤيد حملة العنف التي يشنها الإسلاميون والتي تقول جماعات لحقوق الإنسان إنها أسفرت عن سقوط أكثر من ثلاثة آلاف قتيل خلال السنوات الثلاث الماضية، ونفذت جماعة بوكو حرام تفجيرات عديدة وهجمات بالرصاص منذ ان شنت هذه الجماعة تمردا عام 2009 بما في ذلك ضربة منسقة على كانو في العام الماضي أسفرت عن سقوط 186 قتيلا في أسوأ هجوم حتى الآن في حملة تهدد استقرار نيجيريا. بحسب رويترز.

وقال آدم "من المفترض ان تهتم الحكومة بشؤون الصحة والتعليم والمياه لكننا نرى أن أفرادها يزدادون ثراء وحسب.. فلماذا فوجئت بتمرد؟"، أبرز الرئيس النيجيري جودلاك جوناثان الصلة بين بوكو حرام وتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي الذي تلاحقه القوات الفرنسية لإخراجه من مدن في شمال مالي كدليل على أن نيجيريا واحدة من العديد من الدول التي تواجه خطر الجهاديين على مستوى العالم.

وتحدث عن هذا كسبب لمساهمة نيجيريا الكبيرة في قوة حفظ السلام التي شكلتها دول في غرب افريقيا والتي تستعد الآن لتولي المعركة مع الإسلاميين في منطقة الصحراء الكبرى من القوات الفرنسية. غير أن الكثير من سكان شمال نيجيريا يرون أن جذور تمرد بوكو حرام محلية ويتشككون في أن تتمكن القوة من حل أزمة الشمال ما لم تبذل جهود لمعالجة مشكلته الكبرى.. ألا وهي الفقر الذي زاد حدة بسبب الفساد المستشري.

وأعلن قائد في بوكو حرام وقفا لإطلاق النار قبل اسبوع مما أوجد أملا في أن تتفاوض الحكومة مع الجماعة لكن العنف استمر بلا هوادة ولن تؤدي أي محادثات أيا كان حجمها إلى إتاحة الفرص المطلوبة لإبعاد الشبان عن دائرة العنف، وقال ابراهيم شيكارو آخر محافظي كانو والذي كان أحد مرشحي الرئاسة في عام 2011 لرويترز "لقد أوجد الشيطان عملا لشباننا العاطلين... يشعر الشبان العاطلون أن من هم في السلطة ليسوا عادلين مع رجل الشارع. إنهم يريدون العدل"، ويتشكك كثيرون فيما إذا كان قيام دولة إسلامية سيتيح فرصا اقتصادية أفضل -مقارنة بدولة فعالة قابلة للمحاسبة- لكن هذه الفكرة تروق كثيرا للمسلمين الشبان في دول يعوق فيها سوء الإدارة الفرص الاقتصادية.

وقال محمد جينادو وهو زعيم سياسي معارض من الشمال وعضو سابق في البرلمان "الهدف أمام هؤلاء الناس هو السكان في الفئة العمرية من 18 إلى 21 عاما.. فهم محبطون ومستاءون من المجتمع ومن وجود كل من هو على الساحة السياسية لمجرد تحقيق مصالح شخصية"، وأضاف "من تحدثت إليهم منهم (في بوكو حرام)... شكاواهم هي تماما مثل شكاوى الجميع وهي أن أغلب ساستنا منافقون وكذابون تولوا قيادة البلاد لتحقيق مآرب شخصية."

وفي العام الماضي توعدت جماعة بوكو حرام (التي تعني "التعليم الغربي حرام" بلغة سكان شمال نيجيريا) بإحياء حكم عثمان دان فوديو الذي قاد في القرن التاسع عشر ثورة للإطاحة بملوك الهاوسا الذين اعتبرهم فاسدين وملحدين، أسس دان فوديو خلافة سوكوتو على الجزء الاكبر مما هو شمال نيجيريا الآن وعمل على نشر الدعوة السلفية.

وأثار ذلك حنينا لأيام الإمارات الإسلامية في منطقة غرب افريقيا عندما كانت مدن شمالية مثل كانو مراكز لمسارات تجارية شهيرة في منطقة الصحراء الكبرى، وما زالت مدينة كانو ذات المنازل العربية النمط تحتفظ بآثار بسيطة لهذه الأمجاد القديمة، أمام مسجد كبير تعلوه قبة خضراء يتدرب أولاد وبنات تفصل شجرة سنط بينهم على كتابة الخط العربي في كراسات بالية، مظاهر الفقر جلية في المدينة التي ينتشر المتسولون المكفوفون في أغلب شوارعها بينما ينادي الباعة الجائلون على بضائعهم وسط زحام خانق.

في وقت الاستقلال عن بريطانيا عام 1960 كانت كانو تنعم بالرخاء لكن عندما بدأت حقول النفط في الجنوب تسيطر على الاقتصاد ومع موجة من الانقلابات العسكرية أصبح الفساد راسخا وتراجعت حالة الشمال وأفلست مصانع النسيج التي حرمت من الكهرباء، ووضع التعليم في الشمال متدن وقالت إدارة التعليم الأساسي في العام الماضي إن نصف المعلمين في ولاية سوكوتو النائية لا يجيدون القراءة والكتابة، وقال جينادو "لم ألتق بشاب واحد من جماعة بوكو حرام تلقى تعليما جيدا"، وهناك أوجه خلاف عديدة بين بوكو حرام والمقاتلين المرتبطين بتنظيم القاعدة الذين سيطروا على مالي العام الماضي.

فهي -على النقيض منهم- لا تسيطر على أي أراض تقريبا وليس لديها الكثير من القواعد الصحراوية أو مستودعات الوقود أو سيارات الجيش. لكن هجمات الكر والفر التي نفذتها أثبتت مقدرة على إيقاع ضحايا، يظهر الزعيم الروحي للجماعة أبو بكر شيكاو في تسجيلات فيديو تعرضها مواقع على الانترنت لكن أعداءه لم يتمكنوا قط من الوصول إليه شخصيا، نشطت جماعة بوكو حرام لأول مرة في 2003 بمدينة مايدوجوري في شمال نيجيريا لكنها انتشرت منذ ذلك الحين في أنحاء الشمال بل ووصلت إلى العاصمة أبوجا في وسط البلاد.

وفي باديء الأمر اتهم البعض ساسيين في شمال شرق البلاد باستغلال أتباع الجماعة كقتلة مأجورين لتصفية حسابات مع خصومهم، وقال عيسى كاتشاكور وهو كولونيل متقاعد وعضو سابق في مجلس الشيوخ عن الشمال ساعد على تأسيس حزب الشعب الديمقراطي الحاكم "استخدم بعض الساسة قطعا في الماضي بوكو حرام في مضايقات أو ارتكاب عمليات قتل أو تشويه لتحقيق أغراض سياسية."

لكن لا يعتقد كثيرون أنهم ما زالوا يتمتعون بمثل هذا الدعم، وقال كاتشاكور "لذلك الكثير منهم أصبحوا لصوصا مسلحين"، وفي عام 2009 مات مؤسس الجماعة محمد يوسف أثناء احتجاز الشرطة له مما أثار موجة غضب عارمة حولت الجماعة من حركة دينية معارضة للثقافة الغربية إلى تمرد مسلح كامل.

وفي الساحة الواقعة أمام مقر شرطة كانو التي يحرسها الآن قناصة وراء أجولة رمال يوجد حطام صيدلية دمرها تفجير انتحاري في 20 يناير كانون الثاني العام الماضي حين قتلت بوكو حرام 186 شخصا في هجمات في أنحاء المدينة.

وعلى الجدار المجاور تنتشر ملصقات عليها صور رجال الشرطة الذين قتلوا، قال ابراهيم ادريس قائد شرطة ولاية كانو جالسا على مكتبه إن الأمن تحسن الآن كثيرا، ومضى يقول لرويترز "لقد تعلمنا الدرس... أتت جهودنا ثمارها إذ حدث انخفاض شديد في الهجمات بالأسلحة النارية والقنابل التي يرتكبها هؤلاء المجرمون. نحن ننتصر في هذه الحرب... بشكل تدريجي"، لكن الهجمات التي تسفر عن سقوط قتلى -بما في ذلك هجوم في الشهر الماضي على قافلة أعلى مرجعية إسلامية في المدينة وهو امير كانو وعلى مجموعة من المسيحيين كانت تلعب الشطرنج- ما زالت مستمرة.

وتغضب حكومات الولايات الشمالية من التلميح بأن إخفاق الإدارة هو السبب الرئيسي في ظهور جماعة بوكو حرام، وقال عبد الله جاندوجي القائم بأعمال محافظ كانو لرويترز من المبنى الذي يعمل به "العامل الرئيسي... هو الإرهاب الدولي الذي ينمو سريعا في أنحاء العالم"، وأضاف "بعض أفراد بوكو حرام تدربوا في مالي والبعض في أفغانستان."

وهو لا يؤيد كثيرا فكرة أن قتل مؤسس الجماعة هو الذي زاد الوضع سوءا. وأضاف "لو كان على قيد الحياة الآن... لكان الولاء لبوكو حرام أكبر بكثير حاليا"، غير أن جماعات لحقوق الإنسان تقول إن استمرار ممارسات الجيش والشرطة مثل القتل خارج نطاق القضاء أثناء ملاحقة أفراد بوكو حرام يزيد من التأييد للجماعة، وقال الرئيس السابق محمد بوهاري وهو من أقوى ساسة شمال نيجيريا وكان المنافس الرئيسي لجوناثان في انتخابات الرئاسة "إنهم يزيدون الوضع سوءا"، وتابع "عندما تنفجر قنبلة لا ينبغي تطويق المنطقة كلها وقتل الجميع. لابد أن يكون هناك قدر اكبر من ضبط النفس."

ويعتقد تانكو ياكاساي الذي كان مستشارا خاصا للرئيس السابق شيهو شاجاري في اوائل الثمانينات إن بوكو حرام انقسمت إلى ثلاثة فصائل على الأقل.. الأولى تضم أتباع يوسف الأصليين وهم أكثر انعزالا وأقل اهتماما بالصراع المسلح ومن المرجح أن يكونوا أكثر استعدادا للتفاوض، وهناك أيضا فصيل شيكاو العسكري وكذلك مجموعة شبان أكثر تشددا تضم جهاديين أجانب ونيجيريين أكثر ارتباطا بكثير بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وينشطون في تشاد والنيجر وكذلك في مالي، وذكر أنه سيكون من الصعب جدا إجراء محادثات مع كل الفصائل فضلا عن الكثير من الشبكات الإجرامية التي قد تكون مرتبطة بها.

ويريد الكثير من السكان الذين ملوا من الصراعات أن ينتهي العنف سواء كان ذلك بالحوار أو بالعمل العسكري، وقال هارون عبد الله (45 عاما) "لا ندعم أي جانب.. لا نعلم من هو المخطيء أو من يفعل ماذا... كل ما نريده هو أن يعود السلام."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/شباط/2013 - 28/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م