قيم التقدم: النظافة إدّعاء أم تطبيق؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هناك من يدعو الى النظافة ولا يلتزم بها، وهناك من يدّعي النظافة في القول، لكن عندما يتعلق الامر بالافعال فإن النظافة تغدو في خبر كان !!، بمعنى أوضح أن معظم الناس تدّعي النظافة بل وتدعو لها، لكن حين تلاحظ سلوكه وحياته الخاصة والعامة، سترى انه بعيد كل البعد عن النظافة، وهو يتعامل مع هذا الجانب وفق حالة عدم الاهتمام واللامبالاة التامة، إذ لا تعنيه النظافة من بعيد او قريب.

واذا كان الامر يبدو أقل فداحة فيما يتعلق بالنظافة الخاصة، أي ان الانسان يحاول أن يحافظ على جسده وملبسه ومأكله ومشربه ومسكنه، لكننا نجد ان هذا الانسان الذي يحافظ على نظافته الشخصية، يتعامل مع النظافة العامة بطريقة مختلفة تماما، وهي طريقة الاهمال واللامبالاة.

مثال ذلك، من المشاهد اليومية التي نراها تحدث يوميا في قارعة الطريق، أن الشخص الفلاني ومعه زوجته واطفاله يركبون سيارتهم الفارهة الحديثة، وهم يضحكون ويشربون العصير وقناني الماء وما شابه، وما أن ينتهوا من تناولهم العصير حتى تبدأ القناني الفارغة بالقفز من السيارة الى الشارع العام، دون أن يثير هذا المنظر المتخلف حفيظة الاب او الام بل الاسوأ من هذا ان الاب والام قد يكونا أول من يقذف بالقناني الى الشارع امام انظار الاولاد، ترى ماذا سيفعل الطفل وهو يفتح عينه على ابوين من هذا النوع ؟!!.

مثل هذه المشاهد تدل بوضوح تام على عدة امور، أولها عدم اعتبار النظافة قيمة من قيم التقدم، اما بقصد مسبق او بمنهج سلوك خاطئ، او بسبب اللامبالاة التي تسيطر على عقول وسلوكيات الفرد والمجتمع، لهذا فان الاب والام عندما يقذفان القناني الفارغة للعصائر من نافذة السيارة وهي تسير في الشارع العام، لا يشعرا انهما ارتكبا اي خطأ يذكر، وهذا الخطأ في السلوك ينتقل لا اراديا الى الابناء، وهكذا نلاحظ ان هذه الظاهرة منتشرة بصورة كبيرة جدا في مجتمعنا.

قد نلاحظ مثل هذه الافعال في مجتمعات متقدمة، ولكنها نادرة جدا، لاسباب كثيرة، أهمها أن المواطن في تلك المجتمعات يؤمن بالنظافة كقيمة مهمة من قيم التقدم، ومع هذا الايمان الجماعي للمجتمع المتقدم بالنظافة، هناك تشريعات قانونية قوية تردع من يزدري بالنظافة ردعا فوريا، عن طريق التغريم المالي الفوري، أو حتى الحجز، وهذا الاجراء القانوني لحفظ النظافة العامة وتكريسها، نجده في اكثر المجتمعات تقدما وارتقاءا، فيما نلاحظ انه غائب تماما في المجتمعات المتخلفة.

اننا نتذكر في مطلع الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، مثل هذه الاجراءات القانونية الصارمة في العراق، مثال ذلك، حين كان احد المشاة يعبر الشاعر من مكان غير مخصص للعبور (وهو المكان الملوَّن بخطوط بيض متوازية)، فإن رجل المرور يوقفهُ فورا ويحاسبه على هذا الخطأ، ويغرمه مبلغا من المال (5 دينار)، يدفعها فورا، أو يحجز حتى يدفع ما بذمته للحكومة، ومع استمرار هذا التطبيق القانوني المعمول به في ارقى المجتمعات، تعلّم الناس العبور من الاماكن المخصصة، الامر نفسه يمكن تطبيقه فيما يتعلق بالنظافة العامة، أما النظافة الخاصة، فإن مصدرها الاول هو المحيط العائلي، لذلك فإن الاب والام هما المسؤولان اولا عن نظافة الابناء والبيت وما شابه.

قد ينظر كثيرون الى الاهتمام بهذه الامور على انها مبالغ بها، وقد يظنها البعض غير ذات اهمية، لكن كل الحقائق والوقائع تؤكد على ان النظافة الفردية والبيتية والعامة، من أهم القيم التي تساعد على بناء مجتمع متطور يعي أهمية النظافة وقيمتها.

من هنا لابد من تعاون المنظمات المعنية والجهات الحكومية والتربوية والدينية، فيما يخص تكريس منهج النظافة بين عموم طبقات وشرائح المجتمع، ويجب التركيز على الاخطاء التي تبدو وكأنها فعل بسيط لا يستحق الاهتمام، مثل قذف الاشياء المختلفة من نوافذ السيارات الى الشارع، وهنا يجب ان يتفاعل الجهد التوعوي التثقيفي على اهمية النظافة من لدن الجهات ذات العلاقة (أهلية او حكومية) بالتزامن مع اتخاذ المراجع الحكومية اجراءات قانونية رادعة تحد من حالة اللامبالاة التي يتعرض لها الشارع وعموم الاماكن العامة من تجاوزات غير مقبولة على النظافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 6/شباط/2013 - 25/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م