رموز الحريات... خلف قضبان الأنظمة الشمولية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا أستغرب التقييمات السنوية التي تصدر من مؤسسات البحث العلمي العالمية، وهي تضع الجامعات العربية في سلم الترتيب العالمي للجامعات في كل العالم، وتضاف اليها ايضا الجامعات في البلدان الاسلامية، ولا استغرب ايضا حالة الجهل والتخلف والركود التي تسود مجتمعاتنا العربية، من الخليج الى الاطلسي.

لا مدعاة للاستغراب، في اوطان تستبيحها الدكتاتوريات والديمقراطيات المغشوشة وتظاهرات الربيع العربي والاصولي والسلفي، وتستبيحها الدعوات الى اسلمة المجتمع واسلمة الفكر واسلمة الثقافة واسلمة الرياضة واسلمة البث الفضائي واسلمة مباريات برشلونة وريال مدريد واسلمة الكنتاكي والهوت دوغ  واسلمة الملابس الداخلية واسلمة الايفون واسلمة الكراسي واليشماغ الخليجي، الى كثير من الاسلمات التي يتحدث عنها شيوخ الفضائيات من على منابر التهريج والضجيج والفحيح المسموم..

سوف ابتعد عن التعاطي الاعلامي مع الكثير من المواضيع، واحصر ما اريد مناقشته في ثيمة واحدة هي (الحريات الاكاديمية) التي يغيب الحديث عنها في كل هذا الصخب الدائر في فضائياتنا والذي لاتجد احدا يفتح له نافذة للتعبير الا في فترات متباعدة جدا.. فالسياسي يطغى على كل شيء، ثم ياتي بعده موضوع الخدمات والاقتصاد، وفي اسفل السلم دائما الفكر والثقافة.

جميع الفضائيات تشترك في هذا التقصير، وهو تقصير وقصور له عدة اسباب، لعل ابرزها ما يتعلق بنسب المشاهدة وما يتبعه من اعلانات تحتاج القناة الى اموالها، في احدث فصول الدراما السياسية العراقية، ما حدث في جامعة ديالى، حيث تظاهر اكثر من 150 طالبا في جامعة ديالى، احتجاجاً على ما يعتقد انه (إساءة) أحد الأساتذة للرموز الدينية، فيما قررت رئاسة الجامعة نقل التدريسي خارج الجامعة بعد تشكيل لجنة تحقيقية.

وقال مدير اعلام جامعة ديالى دحام علي إن (رئاسة جامعة ديالى استجابت لاحتجاجات الطلبة وشكلت لجنة تحقيقية مع التدريسي استاذ كلية القانون لاساءته طائفيا ضمن الأسئلة الامتحانية)، مؤكدا ان (رئاسة الجامعة قررت نقل التدريسي خارج الجامعة، والغاء الامتحان واعادته مرة اخرى)، وذكر احد الطلبة أن الاسئلة الامتحانية تضمنت اساءة للرموز الدينية بعيدا عن المعايير الحضارية، وعلى خلفية ذلك زار عدد من نواب محافظة ديالى جامعة ديالى لتطويق الموضوع واوصوا الطلبة والتدريسين بعدم جره الى تداعيات طائفية لا يحتملها وضع المحافظة الراهن، وهدد الطلاب بتحويل التظاهرة إلى اعتصام مفتوح إذا لم تشكل لجنة تحقيقية فورية وتتم معاقبة الأستاذ (المسيء) وفقا للقانون.

لم اطلع على السؤال سبب الازمة الجديدة، رغم ان الكثير من المواقع قد نشرت نص السؤال كما تعتقد انه طرح في الورقة الامتحانية للاستاذ الجامعي، في  مادة قانون العقوبات المرحلة الثالثة، لكلية القانون، ولاحظوا معي هذه المفارقة الغريبة، استاذ جامعي وطلاب في كلية اسمها القانون، لايتم التفريق فيها بين الحريات الاكاديمة وبين الاساءة الى الرموز الدينية.

في احد برامج قناة الحرة – عراق استضاف مقدم البرنامج ثلاثة ضيوف للحديث حول الفن والرياضة وقدرتهما على توحيد المجتمعات، كان احد الضيوف هو كاتب سيناريو له العديد من الاعمال الدرامية في الفضائيات العراقية، ذكر الكاتب، انه بعد العام 2003 وتصاعد حدة الاستقطاب الطائفي في العراقي لا يستطيع ان يسمي الكثير من ابطال مسلسلاته بالاسماء الموجودة حاليا خوفا من اعتبار ذلك استهدافا طائفيا او اساءة لمذهب ما.. فاصبح والحال هذه يسمي الكثير من ابطال المسلسل باسماء تكاد لا توجد الا بقلة في واقعنا الاجتماعي مثل دريد او سلمى، قبلها قـال (أحمد العلواني) النائب في القائمة العراقية في حوار خاص لـ ( مركز الحدث الإخباري ) حول مداهمة المكتب الخاص ومنزل الدكتور رافع العيساوي وزير المالية عن القائمة العراقية وإعتقال حمايته (القضية الآن واضحة يراد منها إستهداف الرموز السنية في العملية السياسية لأسباب طائفية مريضة وبتوجيه من جهة إقليمية تريد تغيير الواقع الجغرافي للعراق).

في العراق ووفقا لما يجري، لدينا ثلاثة انواع من الرموز:

رموز دينية – رموز سياسية – رموز وطنية

وكل نوع من هذه الانواع هو برميل بارود يوشك ان ينفجر، بمجرد الاقتراب منه، لست في وارد الحديث عن تلك الرموز، بل حديثي هو ما يتعلق بجانب الحريات الاكاديمية، ودور الجامعات في الحفاظ عليها وتنميتها لنخلق مجتمعا متقدما، يمكن ان يلحق بالمجتمعات المتطورة والتي تفصلنا سنوات ضوئية عنها.. وهي حريات غيابها لا يقتصر على الجامعات العراقية بل يتعدى ذلك الى الجامعات العربية والاسلامية الاخرى.

في سنوات سابقة وفي حوار صحفي بين الصحف السعودية ورئيس الجامعة الأمريكية في القاهرة سئل عما إذا كانت جامعته تنوي افتتاح فرع لها في المملكة السعودية، كان جوابه:  (لا نستطيع فتح فرع لجامعتنا في المملكة العربية السعودية لأن مناخ الحرية الأكاديمية لديكم غير متوافر بالقدر الملائم).

ما الذي تعنيه الحريات الاكاديمية؟

في بحثه «الحريات الأكاديمية - المفهوم والاشكالية النظرية» يرى الباحث د. محمد نور فرحات ان (الحريات الاكاديمية تتضمن حقاً للاكاديميين يتعلق ببحوثهم في اختيار الموضوع واستخدام النهج والتحليل النظري ونشر نتائج البحث سواء بشكل مقروء أو مسموع، وهذه الحقوق يتمتع بها العلماء والباحثون بصفة فردية وجماعية)، ويضيف (ان احد الشروط الرئيسية للحرية البحثية بالمعنى السابق، هو تأمين استقلال الجامعات ضد التدخلات والمزاعم الخارجية سواء من جانب الدولة أو الشركات الخاصة أو المؤسسات الدينية أو غيرها من صور التدخل التي يمكن ان تؤثر على النشاط البحثي).

الحرية الأكاديمية بالمفهوم الحديث هي حرية التفكير لأساتذة الكليات، والجامعات وآخرون من المجتمع التعليمي ، ثم أخذت الحرية الأكاديمية تنمو في الدول الغربية، وتم التأسيس لها بعد انشاء جامعة ( ليد )  عام 1575، إذ تفهم الحرية الأكاديمية في  بريطانيا على أنها حرية المؤسسات الجامعية ككل ، وحمايتها من التأثيرات الخارجية سواء أكانت تلك التأثيرات سياسية، أو غير سياسية، بينما ينصب مفهومها في الولايات المتحدة الأمريكية على حرية الأساتذة في الجامعات ، وكل جامعة مسئولة عن حرية منسوبيها 

تاريخ الحرية الأكاديمية يعود في الولايات المتحدة الأمريكية إلى عام 1885، إذ نشرت   (الأندرو وست ) مقالاً بعنوان (ما الحرية الأكاديمية) في مجلة (الشمال الأمريكي)، بينما بينت موسوعة (أوكسفورد) بان مصطلح الحرية الأكاديمية استخدم في انجلترا عام 1901. ثم شرعت المنظمات، والنقابات المهنية بالدفاع عنها في أمريكا، تلا ذلك تأسيس جمعية أساتذة الجامعات الأمريكية عام 1915 ، وبناءً على ذلك (تميزت تلك الفترة بإطلاق حرية البحث، والاستكشافات العلمية، وتوسيع نطاقهما، وتزايد استقلال التدريس فيما يتعلق بوضع المناهج، وصياغة فلسفة التعلم ونظرياته، وتخطيط اتجاهاته. وساهمت طبيعة الوسط الأكاديمي الأمريكي المنفتحة مساهمة خاصة في تنمية أفكار الحرية الأكاديمية ، وشيوعها ليس في الولايات المتحد فحسب، وإنما في بقية أنحاء العالم).

وتعد الحرية الأكاديمية في الجامعات الفرنسية مبدأً أساسياً بقوة القانون، إذ يعطي القانون الأساتذة، والباحتين مطلق الحرية في التعبير عن نتائج أبحاثهم، وأنشطتهم التدريسية، ونشر المعرفة، وترسيخ الاستقرار السياسي، وتحقيق الانسجام بين فئات المجتمع، وفي نفس الوقت ملزمين بعدم تفضيل حزب سياسي على أخر داخل حجرات الدراسة.

وقامت جامعة (ايريش) في ايرلندا بتحديد مفهوم الحرية الأكاديمية في البند 14 من قانونها حيث نص على: أن الجامعة تملك الحق، والمسؤولية فيما يتعلق بحماية مبادئ الحرية الأكاديمية، وتعزيزها في إدارتها لشئونها الداخلية والخارجية في ضوء أعراف الحرية الأكاديمية ومبادئها، وأن تكون مسئولة أمام مساءلة المجتمع على أن يتمتع أعضاء هيئة التدريس في الجامعة بالحرية في التدريس ، والبحث ، وطرح الأفكار الجديدة، وأية أنشطة أخرى، وأن لا تستخدم مكانة الجامعة من أجل فائدة ذاتية).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/شباط/2013 - 22/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م