شبكة النبأ: أفاد قسم السكان في إدارة
الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة أنه في غضون أربعة عقود
أخرى سوف يشكل سكان الحضر 66 بالمائة من السكان في الدول النامية،
ونظراً لإسهام تغير المناخ في الفيضانات وموجات الجفاف الدورية، فإن
العديد من البلدان الأفريقية والآسيوية تشهد انتقال أعداد كبيرة من
الناس من المناطق الريفية المعرضة للخطر إلى المراكز الحضرية. وقد بدأت
الدول الفقيرة في الاستجابة إلى حركة انتقال الناس. فعلى سبيل المثال،
تحاول بعض الدول الأفريقية تعزيز التنمية الريفية في محاولة لوقف
الهجرة من الريف إلى الحضر.
وكان هذا هو هدف نظام الحكم العسكري في البرازيل في ستينيات القرن
الماضي. فقد حاول النظام تحفيز النشاط الاقتصادي في المناطق النائية
وخفض الهجرة إلى المدن- ولكن تلك الجهود لم تردع الناس من الانتقال إلى
المدن. بل أدى ذلك في الواقع إلى تعزيز عدم المساواة في المناطق
الحضرية حيث تقطن قطاعات كبيرة من السكان في مستوطنات غير رسمية
عشوائية ومتردية الخدمات تعرف الآن بالأحياء الفقيرة في البرازيل.
وعلى نحو مشابه، فرض الاتحاد السوفيتي السابق نظام جوازات سفر داخلي
لتقييد الوصول إلى المناطق الحضرية في عام 1932. وقد أجبرت هذه الضوابط
العديد من المهاجرين غير الشرعيين على العيش في ظروف يرثى لها، وقال
البحث الذي أصدره صندوق الأمم المتحدة للسكان والمعهد الدولي للبيئة
والتنمية أن هذه الجهود والأخطاء لتلك الدول وغيرها من دول بريكس (وهي
البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) تقدم دروساً في سياسات
الهجرة لباقي الدول النامية في العالم. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية
إيرين.
وقد حاولت دول بريكس، وهي الدول صاحبة أسرع الاقتصادات نمواً في
العالم تجريب جميع أنواع الاستجابة للتمدين السريع. وتكشف تجاربهم بشكل
جماعي عن بعض ما يجب فعله وبعض ما يجب تجنبه.
ما يجب تجنبه
1. لا تحاول منع الانتقال الحتمي للناس من المناطق الريفية إلى
المراكز الحضرية ثم تحاول تعويضهم عشوائياً في وقت لاحق كما حاولت نظم
الحكم الديمقراطية المتتالية في البرازيل. فقد بدأت المدن بعملية وضع
الميزانية بالمشاركة، وهو ما منح كل ساكن فرصة إبداء الرأي في ميزانية
البلدية. لكن هذا النهج يتطلب مجتمعاً مدنياً منظماً ومواطنين مستنيرين،
وهي ظروف تحتاج إلى وقت لكي يتم ترسيخها. وقال البحث أنه "على الرغم من
أن تلك الممارسات قد أحرزت تقدماً حقيقياً، إلا أن المشكلات كانت أيضاً
ضخمة جداً بحيث لا يمكن القضاء عليها بسرعة".
2. لا تكن متردد حيال التمدين. فقد أجبرت سياسة الفصل العنصري لجنوب
أفريقيا العديد من السكان السود على العيش في أماكن ضيقة وغير آمنة في
أطراف المدن. ثم قررت حكومة جنوب أفريقيا الديمقراطية لاحقاً اعتماد
موقف محايد لتجنب أخطاء الماضي لكنها لم تفعل سوى القليل "للتغلب على
إرث الفصل العنصري في المناطق الحضرية،" طبقاً لما ذكره البحث. ولم يكن
لدى الحكومة سياسة وطنية ثابتة لتخطيط أو إدارة عملية التمدين وهو ما
خلق عداءً تجاه المستوطنات غير الرسمية وأكواخ الفناء الخلفي.
كما تبدو الهند أيضاً مترددة بصورة كبيرة حيال التمدين، وهو ما يجعل
البلاد غير مستعدة لإضافة 400 مليون شخص متوقع إلى القوة العاملة بحلول
عام 2050. وفي الوقت الحالي، تقدم الأنشطة المرتبطة بالزراعة مورد رزق
لأقل من نصف القوى العاملة الحالية في الهند ومن غير المرجح لهذا
القطاع أن يستوعب عدداً أكبر من الناس مما سيجبر العديد على البحث عن
عمل في المدن.
3. لا تفترض أن وضع سياسات تقدمية وقوانين ومؤسسات بلدية سيكون
كافياً. فهذه التدابير- التي غالباً ما تكون على الورق فقط- ليست كافية
"للتحكم في إمكانية التمدين،" كما أشار إيفان توروك خبير التخطيط
الحضري ومؤلف بحث المعهد الدولي للبيئة والتنمية حول التمدين في جنوب
أفريقيا. فالمهمة الحقيقية هي ضمان أن تلك السياسات- التي وضعت على
أساس القطاعات المختلفة- تعمل كجزء لا يتجزأ. فعلى سبيل المثال لو حاول
المجلس البلدي توفير سكن أفضل للسكان غير الرسميين، فلابد أن يأخذ في
الاعتبار حقوق الملكية والحصول على وسائل النقل الرخيصة والمسافة إلى
فرص العمل وتوفر الخدمات الصحية والتعليم. وستكون القضية الهامة الأخرى
التي تؤخذ في الاعتبار ما إذا كانت الضواحي تتمتع بحصة متساوية في أي
إنفاق بلدي.
4. لا تستبعد أصوات الفقراء. فنظراً لأن المجالس البلدية في المدن
الكبرى غير قادرة على جمع ضرائب كافية لمواجهة التزاماتها، شهدت الهند
دخول منظمات السكان في المناطق الحضرية في شراكة مع القطاع الخاص
لتقديم الخدمات في مناطقهم، طبقاً لما قاله خبير التمدين أميتاب كوندو.
وغالباً ما يتم استبعاد الضواحي الفقيرة- غير القادرة على المساهمة
مالياً- من مثل تلك المبادرات. وقد ذهب المزيد من جمعيات السكان
الأثرياء إلى المحاكم لإزالة المستوطنات غير الرسمية.
ما يجب فعله
1. عليك قبول أن الفقراء لديهم الحق في التواجد في المدن. وبعد ذلك
عليك الإعداد مقدماً لاحتياجاتهم من المساكن والأراضي ضمن رؤية يتم
تحديثها باستمرار للاستخدام المستدام للأراضي، كما ذكر جورج مارتن
وجوردن ماكجراناهان من المعهد الدولي للبيئة والتنمية في بحث عن
البرازيل. والطريقة الأكثر فاعلية للقيام بذلك هي توفير الأراضي
والخدمات لهم قبل وصولهم بدلاً من اتخاذ الاجراءات العلاجية المكلفة
بدرجة كبيرة لكل من سكان المدينة الفقراء والمدينة نفسها.
2. قم بالاستثمار في المجتمعات التي تعيش في المناطق غير الرسمية.
فقد قامت بعض البلديات في جنوب أفريقيا بإنشاء وحدات إدارة الكوارث
لمساعدة المجتمعات على مواجهة عواقب حرائق الأكواخ والفيضانات والأخطار
الأخرى. وقد ساعد ذلك على خفض عدد الإصابات المرتبطة بالكوارث. كما قام
البعض بالاستثمار في البنية التحتية والخدمات لتحسين نوعية حياة السكان.
3. قم بمساعدة الناس الذين يعيشون في المستوطنات غير الرسمية
والمساكن غير الآمنة. وتدعم المنحة الحكومية الجديدة في جنوب أفريقيا
تحديث المستوطنات القائمة وخلق فرص سكنية جديدة في مواقع أفضل عن طريق
دعم الحصول على الأراضي وخدمتها لإسكان ذوي الدخل المنخفض.
حوار مع جوردن ماكجراناهان، رئيس فريق التمدين في المعهد الدولي
للبيئة والتنمية حول الدروس المستفادة للدول النامية:
سؤال: ماهية الدروس المستفادة من دول بريكس؟
جواب: الدرس الشامل هو أن الفشل في التخطيط للتمدين المتوقع يسبب
مشكلات خطيرة. ففي دول بريكس كانت هناك محاولات قليلة ناجحة إلى حد
كبير لوقف التمدين- الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والثورة الثقافية في
الصين- ولكن تلك المحاولات تفسر المشكلات القصوى التي يمكن أن تنتج من
محاولة السيطرة على التمدين بصورة مباشرة. وهناك أيضاً أمثلة ايجابية-
فالبرامج الاجتماعية في البرازيل والاختبارات العملية في المناطق
الحضرية في الصين ساعدت على دعم النجاح الاقتصادي المذهل لتلك الدول.
ولكن لا يوجد حل شامل لجميع المشكلات. فالحصول على حق التمدين يصعب
عملية المفاضلة.
سؤال: هل التمدين حتمي؟ بعض الدراسات تشير إلى أن جهود التنمية
الريفية تسبب انتقال الناس إلى القرى.
جواب: التمدين ليس حتمياً، ولكن نظراً لتحول الاقتصادات عن الزراعة،
فإن حدوث النمو السكاني الحضري أمر حتمي، وغالباً ما يحدث بمعدل مزعج
للسلطات الحضرية. ففي الهند يبدو أن بعض السلطات تحد من التمدين عن
طريق خفض أعداد المهاجرين والأسر منخفضة الدخل التي تستقر في المدن...
وما أفهمه هو أن (تحرك الناس إلى المناطق الريفية) يعكس الفشل في خلق
مدن حيوية وناجحة اقتصادياً. وتشير بعض الدراسات بالفعل إلى مناهضة
التمدين في وجه المشكلات الاقتصادية ولكن من الصعب العثور على بلد
منخفض أو متوسط الدخل يحدث فيه نمو اقتصادي مستدام ويتم فيه مناهضة
التمدين في آن واحد. وإذا أمكن تبرير الاستثمارات الريفية فقط على أساس
أنها تمنع الناس من الانتقال إلى المدن، فسوف أقول حينها أنه لا يمكن
تبرير تلك الاستثمارات على الإطلاق.
سؤال: هي ينبغي اعتبار التمدين بأنه فقط انتقال الناس من المناطق
الريفية إلى المناطق الحضرية؟ أو أن التمدين هو أيضاً تنمية المناطق
الريفية؟
جواب: هذا يثير قضايا مهمة بشأن التعريف وبشأن السياسات في نهاية
المطاف. الكثافة الحضرية آخذة في الانخفاض في حين أن المهن وأنماط
الحياة الريفية مشابهة بصورة متزايدة لمثيلاتها في الحضر. ومازالت هناك
مميزات اقتصادية وبيئية للمستوطنة الحضرية الكثيفة. ولكن تلك المميزات
تحتاج إلى استغلال. فقد مرت الصين بمرحلة كان يبدو فيها أن التصنيع
سيكون أكثر من المعتاد في المناطق الريفية، ولكن عندما بدأ الاقتصاد في
الازدهار فاقت المشروعات في المستوطنات الحضرية مثيلاتها في المناطق
الريفية. |