العراق والفتن... اعتدال شيعي وسط ازدهار الطائفية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: صديقي ابو صباح، بائع في احدى المكتبات المعروفة في بغداد، في الخمسينات من عمره، كثيرا ما يجري حوار بيننا حول مستجدات الساحة العراقية كلما زرته في المكتبة للتعرف على العناوين الجديدة الواصلة اليه. ابو صباح، شيعي المذهب والهوى، لكنه وعلى حد اعترافه لا ينخرط في الكثير من الطقوس والممارسات الشيعية، ولديه وجهة نظر حول ذلك، وهو كثيرا ما انتقد الاصوات المتطرفة لبعض الشيعة، ابو صباح تغير موقفه هذه الايام، فهو اضافة الى قراءاته المتعددة التي تتيحها له فرصة التواجد في المكتبة مع مئات العناوين، يتابع الصحف والفضائيات العراقية.

كان غاضبا من تلك الاصوات التي ترتفع في الفضائيات التي تمولها رؤوس اموال (سنية) او تتبع لجهات سياسية (سنية)، وهو محق في غضبه، حين يرى حجم التحشيد والتصعيد الطائفي في خطابات تلك الفضائيات، مقارنة مع ما تبثه الفضائيات الشيعية، وخصوصا ما يتعلق منها بالتظاهرات التي تتواصل في المدن (السنية). فابو صباح ليس وحده في هذا الغضب، فهناك كثيرون غيره من المثقفين الشيعة، الذين لا يوافقون على سياسات المالكي وبقية الاحزاب الشيعية الاخرى، لكنهم بالمقابل لا يرضون بتصاعد هذه النبرة الطائفية للمتظاهرين وجمعها لشيعة العراق، والشيعة عموما في سلة واحدة، مثل هذا الصديق، اتابع الفضائيات العراقية كلما سمح لي الوقت، واتابع التصريحات العديدة للسياسيين الداعمين للتظاهرات وللقادة الحقيقيين لها، التصريحات في وادي، وما تبثه الفضائيات عبر النقل المباشر او المسجل شيء اخر.

نقلت قناة بغداد الفضائية، التابعة للحزب الاسلامي العراقي، وللمتهم الهارب طارق الهاشمي وقائع تشييع من سقطوا في تظاهرات الفلوجة، وقد التقت بعدد من المشيعين الذين تحدثوا للقناة، كان القول السائد: (والله لن تذهب دماء الشهداء سدى، سوف نثأر لهم).. ممن سيثأرون لهم؟.

في قناة الرافدين الفضائية، التابعة لهيئة علماء المسلمين، التي يرأسها (حارث الضاري) وهي تستمر في نقل وقائع التشييع رغم انتهائه، والغرض معروف وهو التحشيد المستمر، نقلت بعض القصائد والاهازيج التي رافقت عملية التشييع، وقد كثرت فيها كلمات (معيدي – فارسي – فرس – رافضي).. من المقصود بها؟

ومن على قناة الشرقية، في لقاء مع علي حاتم السليمان قال: (مظاهراتنا ستتحول عن قريب لمواجهات مسلحة مع الحكومة الصفوية في بغداد وسنحرر بغداد قريبا). من هي الحكومة الصفوية؟ن في مثل هذا الموقف لن تجد مثل تلك الاصوات طريقها في الفضائيات الشيعية، رغم تعدد انتماءاتها وتوجهاتها، بل تجد صوتا معتدلا يدعو الى التلاحم والى الدفاع عن وحدة العراق، وفي تصريح لافت، وكل تصريحات القائمة العراقية لافتة، وهي اول من استخدمت كلمة (الاستهداف الطائفي) في بيانها عقب اعتقال حماية (رافع العيساوي)، التصريح اللافت والجديد هو ما نقلته وكالة المدينة نيوز على موقعها للنائب عن العراقية مظهر الجنابي حين وصف خطاب رئيس الوزراء نوري المالكي وذكره لاعدام النظام السابق لـ (700) من حزب الدعوة هو (تأليه للطائفية)، وقال الجنابي في بيان صحفي: (ان ما قاله المالكي في كلمة له في الاحتفال المركزي للذكرى السادسة والخمسين لتأسيس حزب الدعوة الاسلامية ان النظام السابق قتل (700) من حزب الدعوة دليل على عدم نسيان الماضي وهو تأليه للطائفية)، وكأنه يريد القول ان صدام حسين محسوب على السنة، وهو رمز من رموزها.. فهل صدام حسين يمثل رمزا لسنة العراق، وبالتالي التذكير بجرائمه يعد اتهاما للسنة العراقيين بتلك الجرائم؟.

مسألة الاعتدال الشيعي كان قد اشار اليها الباحث الدكتور فالح عبد الجبار في بحثه الموسوم (الصعود الشيعي والتصادم الطائفي.. في السياسة والاجتماع العراقيين) وهو ورقة بحثية ضمن مجموعة اوراق نشرت في كتاب صادر عن دار الساقي في طبعته الاولى عام 2009 تحت عنوان (نواصب وروافض.. منازعات السنة والشيعة في العالم الاسلامي اليوم) .. وعبارة فالح عبد الجبار الموجودة في بحثه هي: (وكما هي الحال في المجتمع الواسع، جرى استقطاب سياسي للمؤسسات الدينية والحركات الاجتماعية المنبثقة عنها، مع ظهور تيارات معتدلة ومتطرفة على ضفتي الانقسام الطائفي، والواقع ان حجم المعتدلين وثقلهم على الجانب الشيعي كان اكبر بكثير). بعد هذا كله، ما صحة هذا الشعار الذي يرفعه العراقيون: (احنة سنة وشيعة وعدنه وطن منبيعة )؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 31/كانون الثاني/2013 - 19/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م