السجون السرية... تحرج الدولة البولندية وتفضح المخابرات الأمريكية

 

شبكة النبأ: يرى محامون يمثلون رجلين يزعمان انهما احتجزا بصورة غير قانونية في سجن سري لوكالة المخابرات المركزية الامريكية في بولندا انه يجري عرقلة تحقيق جنائي التاريخي بشأن السجون السرية لان المحاكمة ستسبب احراجا للدولة البولندية، وتجري النيابة البولندية تحقيقا في دور البلاد في أنشطة عالمية أدارتها الوكالة الأمريكية قبل نحو عشر سنوات لنقل أعضاء مشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة إلى منشآت خارج الولايات المتحدة حيث يمكن احتجازهم والتحقيق معهم دون التقيد بالضمانات التي يكفلها القانون الامريكي، وبولندا احدي دولتين بدأتا تحقيقات جنائية في السجون السرية ويمكن ان ترسي قضيتها سابقة لمحاكمات في دول أخرى ولكن التسويف سيقلص إلى حد كبير فرصة كشف النقاب عن "المواقع السوداء"، وتفيد التفاصيل القليلة التي ظهرت أن القضية قد تورط أبرز الساسة في بولندا في عمليات احتجاز غير قانونية وتغضب الولايات المتحدة الحليف الرئيسي لبولندا. بحسب رويترز.

ويقول محامون ونشطاء في مجال حقوق الانسان ومصادر أخرى مطلعة على القضية إن التحقيق الذي بدأ بداية قوية توقف منذ سحب المحققين الاصليين في مطلع العام الماضي، وقال ميكولاي بيترزاك محامي المواطن السعودي عبد الرحيم الناشري الذي يقول انه احتجز في سجن لوكالة المخابرات المركزية الامريكية على الاراضي البولندية "الوضع الحالي ينم عن افتقار تام لاي تحرك، "في رأيي- من الواضح ان القضية تخضع لقيود سياسية... الحل الاكثر مواءمة سياسيا إطالة أمد القضية"، ويقول المسؤولون البولنديون إن المحققين مستقلون في حين يقول المحققون إنهم يبذلون قصارى جهدهم لجمع الأدلة ويبررون تباطؤ وتيرة عملهم في جزء منه لعدم استجابة مسؤولين امريكيين لطلبات الحصول على معلومات.

وأحجم متحدث باسم السفارة الامريكية في وارسو عن التعليق على القضية بدعوى أنها تخص قضايا مخابراتية، وصرح الرئيس الامريكي السابق جورج بوش في عام 2006 بأن وكالة المخابرات المركزية أدارت أماكن احتجاز خارج الاراضي الامريكية غير أن واشنطن لم تذكر تفاصيل عن مكانها أو أسلوب إدارتها، ومن المقرر أن ينتهي التحقيق البولندي وهو في عامه الخامس الآن الشهر المقبل وذكر المحققون أنهم قد يتقدمون بطلب لمد أجل التحقيق وفي حالة عدم التقدم بهذا الطلب ينبغي إنهاء التحقيق أو إحالة القضية للمحكمة والخياران ينطويان على مخاطر سياسية لبولندا، ويقول جوزيف بينيور السناتور البولندي الذي طالب بإجراء تحقيق شامل في انشطة الوكالة الامريكية في بولندا إن المشكلة تكمن في أن المسؤولين الامنيين إبان فترة العمليات المزعومة للمخابرات الامريكية يمارسون ضغوطا من خلال شبكة صلاتهم، وتابع "الحكومة حائرة بين فتح هذه القضية والضغوط من مراكز القوى في الدولة البولندية والمخابرات ومكتب النائب العام التي تقول 'لنحفظ السر'."

والدولة الاخرى التي فتحت تحقيقا جنائيا في ادعاءات عن سجون وكالة المخابرات المركزية الامريكية على أراضيها هي ليتوانيا ولكن القضية أغلقت، ولم تكن الحكومة البولندية الحالية -وهي تحالف لاحزاب الوسط على صلة وثيقة بالولايات المتحدة- في الحكم أثناء أنشطة السجون السرية للمخابرات الامريكية. لكنها قالت إنها تريد تحقيقا كاملا، وردا على أسئلة رويترز بشأن القضية ذكر مكتب رئيس الوزراء دونالد تاسك أن القانون يكفل استقلال المحققين وذكر في بيان "لا يمكن لاي جهاز تنفيذي التأثير على عمل المحققين"، وحسب الوثائق التي تقدم بها محامو الرجلين اللذين يقولان إن المخابرات الامريكية نقلتهما جوا لمطار شيماني الصغير ثم اقتيدا لاكاديمية للمخابرت البولندية تطل على بحيرة في قرية ستير كييكوتي على بعد نحو 180 كيلومترا شمالي وارسو حيث توجد المنشأة التابعة للمخابرات الامريكية، ولم يعترف المسؤولون البولنديون قط بوجود سجون تابعة للوكالة الامريكية في بولندا.

وأحد المسؤولين البولنديين القلائل الذين علقوا على برنامج المخابرات الامريكية هو مارك دوكاشيفسكي الذي كان يرأس المخابرات العسكرية حين كان السجن المزعوم قائما. فقد صرح دوكاشيفسكي في مقابلة مع التلفزيون البولندي في عام 2010 بان بولندا تعاونت مع الولايات المتحدة في حربها ضد متشددين يتسمون بالعنف، وحين سُئل عن ستير كييكوتي لمح إلى أن بعض الضباط الامريكيين العائدين من مهمات في افغانستان ربما استخدموا المكان سواء لقضاء عطلات أو التدريب، وصرح لمحطة تي.في.ان 24 البولندية "انها منشاة تقع في موقع بديع. ربما توقف ضباط هبطوا هناك بعد انتهاء مهامهم في أنحاء أخرى في العالم ... لتبادل المعلومات والملاحظات وهو أمر مهم جدا في عملنا."

وتشير تسريبات لصحفيين ونشطاء وشهادات معتقلين مزعومين وسنوات من البحث من جانب نشطاء حقوق انسان لاضطلاع بولندا بدور في برنامج "التسليم الاستثنائي". ويهدف التحقيق لتقييم حجم هذا الدور، وثمة أدلة على أن وكالة المخابرات المركزية أقامت سجونا سرية في رومانيا وليتوانيا وتايلاند وربما أماكن أخرى حسب تقارير مجلس اوروبا والامم المتحدة. وقالت جماعات حقوق الانسان وغيرها إن الوكالة الامريكية استخدمت منشآت للتحقيق مع أشخاص مستخدمة أساليب تصل إلى حد التعذيب، وفي حالة بولندا تفيد الوثائق التي تقدم بها محامون أن المعتقلين اللذين نقلا لمجمع ستير كييكوتي حرما من تلقي استشارات قانونية واحتجزا دون مسوغ قضائي يجيز اعتقالهما، والمذكرة التي تقدم بها المحامون عن الناشري لمحكمة حقوق الانسان الاوروبية تفيد أن غطاء وضع على رأسه معظم فترات احتجازه في ستير كييكوتي التي استمرت سبعة اشهر كما جرد من ملابسه او كبل بالاصفاد وهي اساليب اقرها رؤساء محققي وكالة المخابرات الامريكية، كما تعرض لبعض الأساليب التي لم يجر اقرارها حسب المذكرة. فقد ذكرت المذكرة ان محققا هدده بمسدس وضع قرب راسه في إحدى المرات مع إيهامه بوضع طلقة رصاص في المسدس. وأشار محامون لابو زبيدة الذي قال انه احتجز في الموقع البولندي إلى معاملة مماثلة، وقال مسؤولون أمريكيون أن الرجلين خطيران.

ويقولون إن أبو زبيدة أدار معسكرا في افغانستان حيث جرى تدريب بعض من نفذوا هجمات 11 سبتمبر ايلول 2011 على مدن أمريكية ويتهمون الناشري بتوجيه الهجوم على السفينة الحربية الامريكية كول في ميناء عدن باليمن في عام 2000 والذي اسفر عن مقتل 17 بحاران ولا توجد إشارة لتورط مباشر لمواطنين بولنديين في الاعتقالات في ستير كييكوتي، ويقول محامون ونشطاء حقوق إنسان إن السجون إن وجدت فلابد ان يكون مسؤولون بولنديون على دراية بها ومن ثم هناك ما يستوجب مساءلتهم عنه، ويلزم الميثاق الدولي لمكافحة التعذيب الدول بمنع التعذيب على أراضيها والقبض على من يقوم بذلك وإجراء تحقيق "فوري ومحايد" وتقديم تعويض مناسب للضحايا، وقال نيلز مويزنيكس مفوض حقوق الانسان في مجلس اوروبا الذي يضم بولندا في عضويته "الانتهاكات التي وقعت جرت بتصريح من اعلى المستويات السياسية وبشيء من المساعدة من المخابرات البولندية ودول أخرى."

وتحت ضغط من مجلس أوروبا ومنظمات حقوق انسان أخرى بدأت بولندا تحقيقا جنائيا في صيف 2008. وفي البداية تولي محققون في العاصمة وارسو القضية ولكن في مطلع العام الماضي أمر النائب العام بتحويل أوراق التحقيق إلى مدينة كراكوف الجنوبية، ومنذ ذلك الحين هدأ إيقاع التحقيق حسب المحامي بارتلوميي يانكوفسكي الذي يمثل ابو زبيدة الرجل الثاني الذي يعتقد أنه احتجز في يولندا، وقال "لا أحصل علي اي معلومات (من المحققين) بشأن وثائق جديدة كما لم يتم اطلاعي على اي جلسات جديدة. هذا ما يقلقني" معربا عن اعتقاده بان المحقيين في كراكوف ملتزمين بانفاذ العدل ولكن لا يمكنهم تجنب تأثير الجوانب السياسية، وذكر شخص قريب من التحقيق تحدث إلى رويترز شريطة الا ينشر اسمه ان التحقيق كان يقترب من مرحلة المحاكمة مع وجود ادلة من المخابرات البولندية حين حول لكراكوف دون ذكر أسباب، وأضاف المصدر ان من المهم الان ان تظهر دلائل على ان المحققين في كراكوف ينشطون لاعداد القضية لاحالتها للمحكمة. وتابع "لا أدري لماذا توقفت الامور. إذا توقف كل شيء يجب أن تدق أجراس الانذار"، وقال مويزنيكس ان بولندا تقدمت في التحقيقات أكثر من أي دولة أوروبية أخرى استضافت سجونا سرية وإن الولايات المتحدة ينبغي أن تتحمل جزءا من اللوم لانها لا تبدي انفتاحا أكبر للمساعدة في التحقيقات.

لكنه صرح "خمس سنوات فترة طويلة ونود أن نرى السلطات البولندية تضع نهاية لهذه التحقيقات وتعلن النتائج على الملأ"، وامتنع مكتب ليزيك ميلر رئيس الوزراء في الفترة التي عملت بها السجون المزعومة عن التعليق. ولم يجب الكسندر كفاسنيفسكي رئيس الدولة في ذلك الحين على طلب التعليق وكذلك الرئيس السابق لجهاز المخابرات المحلي زبيجنيف سيمباتكوفسكي، وسألت المتحدث باسم مكتب النائب العام في وارسو عن سبب تحويل القضية لكراكوف فاكتفي بقوله "من أجل مصلحة التحقيق، وقال بيوتر كوزماتي المتحدث باسم نيابة كراكوف إن زملاءه يعملون بجد في القضية ولكنها تستغرق وقتا وتابع "بلا شك أن فحوى التحقيق ينطوي على اعتبارات سياسية مهمة ولكن مكتب النائب العام مستقل ورغم الصعوبات التي تعترض القضية متمثلة في تعاون الجانب الامريكي سيبذل المكتب قصاري جهده لجمع مجموعة كاملة من الادلة."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/كانون الثاني/2013 - 18/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م