شبكة النبأ: يؤكد اصحاب الشأن أن
السياسة تنطوي على عمليات معقدة وشائكة، وبعضهم يصفهما بـ البحر، لذلك
يستدعي العمل في الحقل السياسي، رجلا ذا مؤهلات خاصة ينبغي أن يتقدمها
الابتكار والقدرة على التجديد والانجاز المتميز، ولا يمكن ان يتم هذا
الاختيار الدقيق إلا عبر ممارسة حق الانتخاب، الذي ينبغي أن يعتمد كليا
على وعي متميز للناخب.
لذلك لابد أن يختار الشعب عبر انتخابات رصينة شفافة ونزيهة، رجالا
قادرين على التعامل مع تحقيق بناء الدولة المدنية، بعد توفير الشروط
اللازمة لجعله هدفا محققا قائما على الارض وملموسا من لدن الجميع، ولا
يتحقق بناء الدولة المدنية ما لم يتصدَ له رجال محنكون من ذوي الارادات
الصلبة والعقول الواعية، وليس صعبا أن ينجح الناخبون في اختيار سياسيين
يفهمون السياسة ويتعاملون بنجاح مع تعقيداتها، وذلك من خلال تطوير
الذات بالتثقيف والقراءة والاحتكاك العملي المباشر مع الميدان السياسي
وبذل ما يلزم من الجهد الفكري والعملي، والقدرة على الابتكار في هذا
المضمار او ذاك مما يتعلق بشؤون الشعب، ولا يصح اطلاقا ان يتصدى
للسياسة رجال لا يفهمونها، علما أن فهم السياسة ليس امراً عصي المنال،
لكن الامر الاكثر اهمية هنا سعة آفاق السياسي وقدرته على التجديد
والابتكار والتنفيذ.
خوض المعترك السياسي
ان نجاح الناخب في اختيار من يمثله، سيدل على عمق الوعي الشعبي،
والسعي نحو مشروع بناء الدولة المدنية المرتقبة، لكن لابد أن يفهم
المعنيون أن الخوض في معترك السياسة يتطلب على الاقل فهما عميقا لها،
وهو امر متاح لمن يرغب ذلك، من خلال التعلم واكتساب المعرفة العملية
والفكرية، أي معرفة الفكر السياسي وفهمه بالصورة التي تؤهل الانسان
للخوض في الميدان السياسي من اجل الوصول الى بناء الدولة المدنية.
ومما تجدر الاشار إليه هنا، التأكيدات الفكرية التوعوية المتواصلة
للامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)،
حول اهمية الفهم والابتكار، كما نقرأ ذلك في كتابه القيّم، الموسوم بـ
(الفهم السياسي): (بإمكان الإنسان أن يصبح فاهماً، وبإمكانه أن يكون
كثير العلم والإدراك، وذلك بجده واجتهاده، وأيضاً بيده أن يصبح أبلهاً
أو بليداً أو شخصاً عادياً لا يهتم ولا يعي لما يجري حوله من القضايا
والأحداث، وهذا يعتبر نقصاً للإنسان؛ لأن العلم كمال وتركه نقص).
لذا فإن هدف تحصيل الفهم السياسي، يبقى خيارا فرديا يمكن أن يكتسبه
الانسان فيما لو قرر ذلك، ثم يسعى لتحصيل العلم السياسي اولا، وفهم
مجريات الامور التي تتعلق بالسياسة والمجالات ذات العلاقة بها، وهنا
لابد من الاقرار ان هناك عقولا متميزة سريعة الفهم كبيرة الذكاء، لها
القدرة على النبوغ السياسي، وهي وحدها القادرة على تثبيت اسس صحيحة
لبناء الدولة المدنية، الامر الذي يجعلها افضل من غيرها، وهو امر متفق
عليه كما تؤكد تجارب التاريخ.
يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (إن الإنسان بواسطة عقله يفهم
الأشياء، ومن هذا الباب نجد أن بعض الناس الذين يملكون عقلاً سليماً
لهم نبوغ في مختلف مجالات الحياة؛ وذلك لرجاحة عقلهم،وحسن تعاملهم مع
القضايا والأحداث،التي تدور حولهم، بينما نجد البعض الآخر لا يمتلك هذه
الخاصية، التي هي – الفهم- أو المعرفة والفطنة، إما لخلل عقلي، وهذا
خارج عن إرادة الإنسان وإمكانه عادةً، أو لتقصير منه، وذلك لعدم تحصيله
للعلوم والمعارف ومعرفته بالأوضاع التي توصله إلى الفهم والإدراك).
السياسي المثقف
ان الغرض من إشراك الشعب في عملية اختار الساسة الذين يقودونه، هو
تحقيق صعود افضل الاحزاب وافضل الشخصيات، والتفضيل هنا يتمثل بثقافة
السياسي ووعيه وقدرته على الابتكار سعيا لبناء الركائز الاساسية للدولة
المدنية، لذلك فإن فهم السياسة يتطلب وعيا وثقافة لانها تتعلق بجميع
مفاصل الحياة، ونظرا لشمولية السياسة ينبغي على المرشَّح أن يكون قادرا
على التعامل معها في الميادين كافة.
لذا نلاحظ قول الامام الشيرازي، في هذا المضمار: إن (السياسة ليست
من العلوم الحديثة، بل لعلها وجدت بوجود الإنسان في هذه المعمورة،
وبواسطتها ينظم الإنسان حياته. وكل إنسان يحتاج إلى السياسة، وفي جميع
المجالات، سياسة مع نفسه،سياسة في تعامله وتعايشه مع عائلته، سياسة مع
صديقه، سياسة مع عدوه، وسياسة مع جميع أفراد المجتمع. ومن هذا الباب،
فإن أغلب الناس سياسيون، ولكن بدرجات متفاوتة)، ولكن هناك عقول متباينة
بقدرتها على تحصيل الفهم السياسي، ويتقدم عنصر التثقيف جميع المقتضيات
الاخرى لفهم السياسة، بمعنى على الانسان ان يجتهد في فهم السياسة، ومن
ثم يتعاطى معها، كشرط تستوجبه قضية بناء الدولة المتمدنة.
وهنا يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا المجال: (إن التثقيف
والتوعية، هي إحدى الأسس الرئيسية لنهضة الأمة الإسلامية، وترسيخ
مبادئها وتطبيقها على أرض الواقع بشكل تام وصحيح)، لذلك لا يمكن تحقيق
المستوى المطلوب للوعي والابتكار والتجديد، ما لم تتوفر الارادة القوية
والسعي الحقيقي لتحقيق هذا الهدف المهم والكبير.
لذلك فإن عملية الانتخابات تحتاج الى جملة من الخطوات الاجرائية
القوية لضمان الهدف السليم من اجرائها، لذلك يحتاج الامر الى تدبّر
عميق متأني ومتواصل من لدن الجهات المعنية بها، وفي حال غياب التدبر
والابتكار، لا يمكن تحقيق الهدف المطلوب والذي يتمثل ببناء الدولة
المدنية القوية القادرة على التعامل مع كافة المجالات سواء تلك التي
تخص الداخل او الخارج وما ينطوي عليه من تعقيدات كبيرة، نعم لقد عاش
العراق بسبب الحكومات القاصرة والتابعة للاجنبي ويلات كبيرة، كما هو
الحال مع كل الدول التي قادتها انظمة مستبدة، لذا يجب التخلص من
الانظمة ذات النهج الدكتاتوري لعدم تكرار الويلات والاخطاء الكارثية،
وتحقيق بناء الدولة المدنية، وهذا يتطلب جهودا استثنائية في تطوير
الوعي العام والثقافة والقدرات الفكرية والابتكار لعموم السياسيين
والمعنيين، لذا يؤكد الامام الشيرازي قائلا: (على المسلمين إذا أرادوا
النهوض والتخلص من الأنظمة القمعية والاستبدادية، إيجاد الوعي العام
والفهم التام بكل الجوانب السياسية والإدارية والاقتصادية والدينية). |