في الشهر الماضي...
حيث كانت الزيارة الأربعينية المباركة تعرضت الملايين المؤمنة، وهي
تسير نحو سيد الشهداء وأبي الأحرار الإمام الحسين صلوات الله عليه، الى
العشرات من الهجمات الإرهابية، والتي وقع ضحيتها المئات من الشهداء
والجرحى وجميعه من المدنيين، هذا فضلاً عن إن قوات الأمن العراقية قد
حالت من وقوع عشرات العمليات الإرهابية الأخرى من خلال فعاليات
استباقية، ألقت فيها على عشرات التكفيريين الذين كانوا يخططون لقتل
الزائرين، وقد عثرت بحوزتهم على أسلحة كاتمة للصوت ومقصلة لقطع الرؤوس.
ذاك كان في العراق، وقد شهدت باكستان أول هذا الشهر مأساة دامية
ومروعة، حيث دعت منظّمة شيعة رايتس ووتش جميع المؤسسات والهيئات
الدولية إلى إغاثة المواطنين الشيعة في باكستان, واعتبار منطقة كويتا
منطقة منكوبة, لفداحة الخسائر في الأرواح والممتلكات التي تعرّضت لها
على أثر العمليات الإرهابية الأخيرة، إلى جانب تأمين الحماية الدولية
في حال لزم الأمر. كما حذّرت السلطات الباكستانية من تداعيات الهجمات
المتواصلة التي يتعرّض لها المسلمين الشيعة، سيما التصعيد اللافت
والخطير في عدد ونوعية تلك الهجمات مؤخّراً، فما يتبيّن مما يجري في
باكستان أن هناك محاولات متكرّرة لجرّ المسلمين الشيعة إلى اقتتال أهلي،
يطيح بمنظومة السلم الاجتماعي ونظام الدولة، إلى جانب الهدف المرسوم
لإلحاق الأذى الشديد بأتباع تلك الطائفة. وقد أكدت المنظمة أن من
يتبنّى ذلك المخطّط المشبوه جهات إرهابية المدعومة (محليّاً وخارجياً)
معروفة للقاصي والداني، وهو ما يضع السلطات الباكستانية أمام مسؤولية
جسيمة تتجسّد في حماية أمن وسلامة مواطنيها الشيعة تحديداً, وحماية
السلم الأهلي المستهدف بشكل عام. داعية الى ضرورة قيام الحكومة
الباكستانية بواجباتها القانونية والتصدّي لمثيري النعرات الطائفية من
الجماعات المتطرّفة، وملاحقة الأفراد والتنظيمات الإرهابية المسلّحة
والقضاء على حواضنها الداخلية، إلى جانب التصدّي الحازم لمروّجي الآراء
المتشدّدة المحرّضة على العنف.
بالأمس...
عشرات الشهداء والجرحى من المعزين داخل (حسينية سيد الشهداء) وسط
قضاء (طوز خورماتو)، بعد سقوط آلاف القتلى والجرحى على مدى عقد من
السنين العجاف، اليوم، يبدو أن "القاتل المجاهد" اختار الوقت الأفضل،
حيث يحتفل المسلمون بذكرى المولد النبوي (رسول الرحمة)، والآن القاتل
بعد أن قتل وجرح أكثر من 117 شخصاً، يكون قد "أكمل غداءه مع النبي".
مشكلة ظاهرة الإرهاب التكفيري لا تنحصر في أحزاب أو حركات "أصولية"
أو "راديكالية" أو "متطرفة" "إسلاموية" أو "وهابية" أو "سلفية جهادية"،
وإنما تتسع الى ما هو أكبر، حيث إن لب مشكلة الإرهاب التكفيري تكمن بأن
لها أساساً فقهياً واضحاً وصريحاً. حيث إن مصادر تشريعه وأساسيات فقهه
موجودة أصلاً في كتابات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومحمد بن عبد
الوهاب وآرائهم، وهذه الكتابات والآراء مطبوعة ومنشورة ومتوفرة في كل
الدول الإسلامية وغير الإسلامية بدون أي قيد أو شرط أو حتى محاولة
تفنيد أو مناقشة، وهي تُدّرس وتُدرس - على أنها المنهج السلفي الذي كان
عليه النبي صلى الله عليه وآله وصحابته والسلف الصالح - في جامعات بعض
الدول ومدارسها ومساجدها، ويتم تلقين الأطفال على أن هذه الآراء
والمصادر تحتوي على منهج الطائفة المنصورة، الفرقة الناجية، أهل السنة
والجماعة، أهل الحديث، بل الحقيقة هي أنه يكفي أي سلفي أن يحتج برأي
"فقهاء" لهم اعتبارهم الرفيع عند مئات ملايين المسلمين أمثال ابن تيمية
أو محمد بن عبد الوهاب حتى يملك الدليل على ما يفعل أو يقول، ولتنظروا
فقط الى محتوى رسائل الخط السلفي المتطرف وكتاباته حتى يملك أي أحد
الدليل على إن للإرهاب دين... وهنا (الكارثة)!!!.
لأن الموضوع هو "قتل وقاتل ومقتول".. إذن لا يمكن الحديث عنه إلا
بوضوح، وبأمانة، دون "مثالية" تبرر للمجرم جريمته وللإرهابي إرهابه...
هل هناك شك بأن القاتل لن يكون مسيحياً ولا صابئياً ولا شيعياً ولا
إيزيدياً ولا يهودياً ولا كردياً، وبالتأكيد، ولا تركمانياً.. ولا
ملحداً... من يقتل الناس بجسده أو بالسيارة المفخخة مذ أن قامت قيامة
العراق في 2003 الى يوم طوز خورماتو هذا هو هو القاتل نفسه لا غيره!!
هذا ليس تعميماً في الاتهام، وإنما تشخيص حالة، لابد من تشخيصها، من
أجل التعامل معها، علاجها، مكافحتها، وأؤكد: الكلام بمسميات ضيقة ما هو
إلا وفاءاً لضحايا مضوا أشلاءاً متناثرة، وحفظاً لآخرين ينتظرون الموت
ذبحاً أو تفجيراً...
http://alshirazi.com |