الخوف تحول الى إسلوب حياة، ويبدو إننا في عالمنا العربي تعودناه
لدرجة إننا لم نعد نستطيع العيش دون أن نفكر فيه على الدوام، ونستمد
منه طاقة الرغبة في الحركة اليومية، والفعل من أجل الإستمرار والدوام
في حياة رتيبة بائسة مملة، لاهدف لنا فيها ولاغاية سوى أن نكمل المسير،
فليس من لذة في هذا العيش، والكل يسحبنا الى دائرة قلق وهواجس مختلفة،
ولا أمل حقيقيا في الغد، وماننتظره في الغالب ألم أو موت، أو مشكلة
تجرنا الى مشاكل، وأزمة مفتعلة من جهة ما نقتات عليها كما يفعل
المدمنون عادة الذين لاتعود لهم من رغبة في الطعام بقدر مايشتهون شمة
من مخدر تعودوه، وخربوا حياتهم به، ولم يعودوا يدركوا من معاني الحياة
الحقيقية شيئا.
الصراع مع الآخر يتطلب التخويف، تخويف الآخر والحليف أيضا، فلابد من
قوة ترهبون بها العدو، ولابد من فكرة، من أسلوب، من خديعة ترهبون بها
الحليف ليظل معكم، هذه معركة تدوم وتحصد معها مشاعر الناس وأحلامهم،
وكلما تفكرت في أساليب الحاكمين، ومؤسسات الدول الإعلامية، وطرق
التعبئة الفكرية وجدت إن الناس العاديين هم المعنيون بالخوف، وصناعة
العدو ليوافقوا الحاكم ومنظومته على كل فعل يقوم به في إطار مواجهة
مفتوحة مع العدو المصطنع، فاعداؤنا يصنعوننا ونصنعهم وكأننا في إطار من
المصلحة المشتركة.
لاحظ إن الغرب خلال السنوات الخمسين الماضية، وخاصة في منطقتنا
الشرق أوسطية كان يفتعل الأعداء، ويصنع العداوات، ويغادر دائرة عدو
ليحط في واحدة جديدة، ويجر معه الى ساحة الفعل التعبوي وإستخدام كل
أساليب القوة كل الجماهير، فيخيفها من الآخر بالدين تارة، وبألإقتصاد
تارة، وبالعنف الديني في غالب الأحيان فيحصل على مايريد من أصوات
إنتخابية مشاعر وإنفعالات عاطفية، ومواقف مساندة، وإستسلام للقرارات في
مواجهة المخاطر، فيكون ضحية لنظامه السياسي قبل أن يكون ضحية لعدوه،
وفي الغالب لايكون ضحية لعدوه أبدا، وهو مانجح فيه الغرب الى الآن، حين
جعل من الإنسان الغربي مادة لإلته الصناعية الجبارة فجعله صانعا
ومستهلكا ومادة للصناعة تلك دون أن يكون له الخيار، فقط هو موهوم بأنه
يصنع السياسيين عبر الإختيار الحر، ولايدري إن هولاء السياسيين هم أيضا
ضحايا لآلة إستهلاكية جبارة أوصلتهم الآن الى الحافة، ومن السهل
واليسير أن يبدأ الناس في الغرب بعمليات إنتحار مكثفة، وسلوك إستجدائي
غير مسبوق، وحالات إنفعال وغضب ضد السياسات الإقتصادية في قدر من
العنف، وربما توجه البعض الى المناداة بالإنفصال كما في بعض المقاطعات
في هذه الآونة.
تعودنا في شرقنا العربي ومنذ قرن من الزمان إن الآخر المختلف عنا في
فكره ونمط عيشه إنه عدو خطير، ويجب الحذر منه، وتجنب التعاطي معه بأي
وسيلة كانت، وفي فترات كان المختلفون يقاطعون ويتم ترهيبهم لأسباب
مرتبطة عادة بطبيعة النظام السائد الذي يخشى التغيير، فرجال الدين في
النظام السياسي العربي هم مجموعات من القتلة والإرهابيين والمتطرفين،
حتى صار الكثير منهم على درجة عالية من اليأس والإحباط، وصاروا أداة
ياسئة يمكن أن تفجر كل شئ.
جمع بعبع، بعابيع. هكذا يخيل إلي. |