الاقتصاد الصيني... السير صوب عرش العالم

 

شبكة النبأ: يشهد الاقتصاد الصيني مؤشرات ايجابية في الآونة الأخيرة، إذ ازدادت التوقعات بتعافي ثاني أكبر اقتصاد بالعالم وتحقيق معدلات أعلى للنمو، وتشير التقارير والدراسات الاقتصادية الحديثة بان الصين ستصبح اول قوة اقتصادية عالمية عام 2016، إذ يرى بعض المحللين بأن الاقتصاد الصيني يشهد تحولا ايجابيا غير مسبوق في الماضي القريب، فعلى صعيد القارة الآسيوية تكاد تكون الصين بالفعل هي القوة الكبرى الوحيدة، على الرغم من بعض المنافسة التي قد تواجهها من قبل اليابان أو الهند، أما على الصعيد العالمي، فقد بدأ النفوذ الصيني يتسع إلى مناطق مختلفة من العالم، من بينها القارة الأفريقية، وأمريكا اللاتينية، بل امتد أيضاً إلى بعض المناطق في القارة الأوروبية، إلا أن العديد من الخبراء والمحللين السياسيين يرون أنه حتى تصبح الصين قوة عظمى حقيقية، فإن نفوذها الخارجي يهيمن على القطاعات الاقتصادية العالمية، ومن المرجح أن يستمر بالحدوث طوال السنوات القليلة المقبلة، بينما يخشى المراقبون للوضع الاقتصادي في الصين من أنه في حال استمرت أزمة اليورو داخل أوروبا، التي تعد الشريك التجاري للصين فإن ذلك سيعني تراجع الطلب على المنتجات الصينية، ليؤثر ذلك على مجمل قطاع الصادرات الصينية خلال السنوات المقبلة، وعليه فان الصين اليوم اذا استمرت بهذا النهج الاقتصادية والسياسية الجديد فستكون قاب قوسين او ادنى على عرش العالم في المستقبل القريب.

اول قوة اقتصادية عالمية عام 2016

فقد اشار تقرير اصدرته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الى ان الولايات المتحدة ستفقد موقعها كاول قوة عالمية حيث يتوقع ان تتجاوزها الصين عام 2016 ثم الهند، وفي تقرير عن النمو العالمي بحلول عام 2060 توقعت المنظمة نموا عالميا بنسبة 3% في المتوسط مع اختلافات واضحة بين اقتصاديات الدول الناشئة والدول المتقدمة، واشارت المنظمة التي تضم اغنى دول العالم الى ان "توازن القوى الاقتصادية سيتغير كثيرا خلال الخمسين عاما القادمة"، وقال الامين العام للمنظمة انجيل غوريا ان "الازمة الاقتصادية التي عشناها في السنوات الخمس الماضية سيتم التغلب عليها الا ان عالم ابنائنا واحفادنا ربما يكون مختلفا كثيرا عن عالمنا"، واوضح تقرير المنظمة خصوصا انه "نتيجة معدل نموها القوي فان اجمالي الناتج الداخلي للصين والهند سيتجاوز اجمالي ناتج اكبر سبع اقتصاديات عالمية (مجموعة السبع) بحلول عام 2025". بحسب فرانس برس.

وستشهد الاقتصاديات التي تعاني من زيادة الشيخوخة، مثل اليابان ودول منطقة اليورو، تراجعا تدريجيا امام امم اكثر شبابا مثل اندونيسيا والبرازيل، وفي اوروبا ستسجل فرنسا زيادة في معدل النمو بنسبة 2% بين 2011 و2030 لتهبط هذه النسبة الى 1,4% بين 2030 و2060، واستنادا الى هذا التقرير فان معدل النمو الفرنسي سيتجاوز المعدل الالماني: +1,3% بين 2011 و2030 و+1% بين 2030 و2060، وبصورة عامة فان "الفارق الحالي بين مستوى المعيشة في الاسواق الناشئة وفي الاقتصاديات المتقدمة سيتقلص في 2060" كما اوضحت المنظمة. 

تعافي كبير

يعزا نمو الاقتصاد إلى استثمار الدولة في مشاريع البنية التحتية، والجهود الرامية لتشجيع المستهلكين والشركات على الإنفاق، بعد مرحلة تعتبر أسوأ المراحل الاقتصادية التي مر بها ثاني أكبر اقتصادات العالم منذ 13 عاما، تظهر الآن بعض علامات التعافي على الاقتصاد الصيني؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى نهوضه مرة أخرى، وطبقا لأحدث الإحصاءات الصادرة عن الحكومة، ارتفعت معدلات نمو الاقتصاد الصيني بنسبة بلغت 7.9 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2012، وذلك بعد أن وصلت إلى 7.4 في المئة في ربع السنة السابق.

ويعزا هذا الارتفاع إلى استثمار الدولة في مشاريع البنية التحتية، والجهود الرامية لتشجيع المستهلكين والشركات على الإنفاق. كما أن وصول قيادة جديدة إلى السلطة يجعل الاستقرار الاقتصادي أمرا مهما للصين.

وقال فرازير هووي، أحد الخبراء الاقتصاديين والمؤلف المشارك في كتاب "ريد كابيتاليزم" أو "الرأسمالية الحمراء": "من الواضح أن التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد الصيني قد توقف الآن. إلا أنه يجب الأخذ بالاعتبار أن أي تعافٍ سيكون محدود النطاق، لأسباب لن يكون آخرها الأشكال المختلفة للرياح المعاكسة التي تواجهها الصين"، وأضاف قائلا: "سيتحتم الآن على القادة الجدد الذين سيتولون مقاليد الأمور في الصين في مارس/آذار أن يتوصلوا إلى الطريقة الفعالة لإحداث توازن بين المحاولات لمنع تكون فقاعة العقارات والمحافظة على معدلات نمو قوية"، وقد يبدو ذلك أمرا صعبا، حيث أن النمو الاقتصادي في الصين كان يشهد تباطؤا كبيرا مقارنة بنشاطه في الأعوام الماضية، كما يحذر المحللون من حدوث تراجع للإجراءات التحفيزية التي تتخذها الدولة، وأفاد مكتب الإحصاءات أن إجمالي الناتج المحلي، وهو الذي يعتبر المقياس الرئيسي للنمو، قد ارتفع بنسبة 7.8 في المئة عام 2012 مقابل 9.3 في المئة في عام 2011، ويعتبر ذلك أبطأ معدل نمو سنوي منذ عام 1999. بحسب البي بي سي.

إلا أن ذلك المستوى لا يزال أعلى من معدلات النمو الضعيفة التي شهدتها أغلب الاقتصادات الأخرى للدول الكبرى العام الماضي، فمن المتوقع أن تشهد الولايات المتحدة، صاحبة أكبر اقتصادات العالم، واليابان، ثالث أكبر اقتصادات العالم، نموا يبلغ اثنين في المئة، كما أنه من المتوقع أن تشهد الدول الأعضاء السبعة عشر في منطقة اليورو مجتمعة نموا بنسبة 0.4 في المئة، يعزا ارتفاع النمو الصيني إلى استثمار الدولة في مشاريع البنية التحتية، والجهود الرامية لتشجيع المستهلكين والشركات على الإنفاق.

وقال راجيف بيسواس، من منظمة "آي اتش اس غلوبال إنسايت"، لبي بي سي إنه يبدو أن الأيام التي شهدت سرعة كبيرة في النمو في على وشك الانتهاء، وأن الصين تعبر من مرحلة الاقتصاد المنخفض إلى مرحلة الاقتصاد المتوسط، وأوضح بيسواس قائلا: "شهدت الصين نموا بمعدل 10 في المئة على مدى 30 عاما، فهناك معدلات أعمار مرتفعة في الصين ومستويات إنتاجية رأس المال آخذة في الانخفاض. وتلك الاتجاهات ذات المدى الأبعد تعني أنه لا يمكن للصينيين أبدا أن يرتفعوا بمستوى اقتصادهم ليصل إلى 10 في المئة"، ويتوقع بيسواس أن يتراوح معدل النمو بين سبعة في المئة وثمانية في المئة خلال الأعوام القليلة القادمة، وهو ما يتوافق مع توقعات الحكومة أيضا، وإلى جانب الأسباب طويلة المدى وراء هذا الانخفاض، فإن هناك عوامل أخرى لها تأثيراتها على الصين على المدى القريب.

فقد تسبب تباطؤ النمو في الولايات المتحدة وأوروبا في انخفاض الطلب على المنتجات الصينية. وفي الوقت نفسه، عملت الصين جاهدة على تنشيط الطلب المحلي على منتجاتها، كما اتخذت الحكومة أيضا بعض الإجراءات لتهدئة سوق العقارات وسط مخاوف من حدوث فقاعة في هذا القطاع، وهو الأمر الذي ألقى بظلاله أيضا على سرعة تمدد الاقتصاد.

وتسببت تلك العوامل في تراجع وتيرة النمو العام الماضي لتصل إلى مستويات غير مرضية، وهو ما دفع خبراء الاقتصاد إلى توقع "هبوطا قويا"، أو انخفاضا حادا في معدلات سرعة النمو، إلا أن تلك التوقعات المتشائمة بانخفاض مستويات النمو لتصل إلى ستة في المئة يبدو مبالغا فيها، فقد طبقت الحكومة برامج إنفاق على البنية التحتية لتحفيز النمو، وقدمت أيضا حوافز لتشجيع إنفاق المستهلكين وعمليات الاقتراض التي تقوم بها الشركات، نشرت أرقام تظهر تحسنا في أسعار المنازل ومبيعات التجزئة.

وقال داريز كوالتشيك من بنك كريدي أغريكول سي آي بي: "عملت إجراءات التحفيز التي تبنتها الحكومة العام الماضي على استقرار النمو ووضع الأساس لتوسع قوي هذا العام"، وأضاف بأن الأرقام التي جرى نشرها يوم الجمعة هي "أفضل ما كنا نأمله"، وتأكيدا على هذه الروح المتفائلة، نشرت أيضا أرقام أخرى يوم الجمعة تظهر تحسنا في أسعار المنازل ومبيعات التجزئة، وشهدت أسواق البورصة ارتفاعا على إثر هذه الأنباء ومدعومة بارتفاع الدولار الأسترالي، خاصة وأن أستراليا تعتبر مصدّرا رئيسيا للصين، التي تشتري منها المعادن التي تستخدم في تعزيز توسعها الاقتصادي، وارتفع مؤشر بورصة هانغ سينغ في هونغ كونغ بنسبة بلغت 0.7 في المئة، بينما ارتفع مؤشر سوق كوسبي في كوريا الجنوبية بنسبة 0.5 في المئة، وصعد مؤشر سوق البورصة الأسترالي الرئيسي بنسبة 0.3 في المئة، وكان مؤشر نيكاي 225 الياباني هو الأعلى ارتفاعا بنسبة 2.1 في المئة، وحصل على دفعة إضافية نتيجة الانخفاض في قيمة الين، وهو ما عزز من أرباح شركات التصدير.         

انتعاش مبهر

في حين  سيتمكن القادة الصينيون الذين يعقدون مؤتمرهم في بكين الاستناد الى سلسلة مؤشرات اقتصادية جيدة يحيي الامال بانتعاش النمو في ثاني اقتصاد في العالم، وازداد النشاط الصناعي ومبيعات المفرق والاستثمارات برأس مال ثابت في الشهر الفائت فيما هبط التضخم الى ادنى مستوياته منذ ثلاث سنوات بحسب ارقام المكتب الوطني للاحصاء، ويأتي توقيت الاعلان عن هذه الارقام مؤاتيا تماما للرئيس هو جنتاو الذي وعد في اثناء افتتاح المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الخميس بمواصلة سياسة "الاصلاح والانفتاح" التي بدأت قبل 30 عاما، كما دعا الى "نموذج جديد للنمو" يفسح مجالا اوسع للطلب الداخلي واعلن عن هدف زيادة مدخول كل صيني الى ضعفيه في غضون عشر سنوات، وفيما وضعت العاصمة الصينية ومناطق التيبت تحت رقابة مشددة للشرطة وتم تعزيز الرقابة على الانترنت في دليل على توتر النظام قبل وصول القياديين الجدد الى السلطة في الاسبوع المقبل، اتت الاخبار الاقتصادية الجيدة لتطمئن المستثمرين حول مستقبل الاقتصاد الثاني عالميا، غير ان بورصة شانغهاي اغلقت الجمعة على تراجع بنسبة 0,12% بعد انتعاش المخاوف حول اقتصادات اوروبا والولايات المتحدة التي تعتبر اهم شركاء الصين تجاريا.

ويحيي تحرك النشاط الاقتصادي في تشرين الاول/اكتوبر امال المحللين بتسارع نمو الاقتصاد الصيني الذي تراجع الى 7,4% في الفصل الثالث وشهد انخفاضا للفصل السابع على التوالي ليبلغ ادنى مستوياته منذ اندلاع الازمة المالية العالمية، وبلغ ارتفاع الانتاج الصناعي 9,6% على عام مقابل 9,2% في ايلول/سبتمبر. وفي الاشهر العشرة من العام بلغ 10% مقارنة بالفترة نفسها من العام 2011، كما ازدادت مبيعات المفرق التي تعتبر مقياسا لاستهلاك العائلات بنسبة 14,5% على عام في تشرين الاول/اكتوبر مقابل 14,2% في ايلول/سبتمبر، وشهد ارتفاع الاستثمارات برأس مال ثابت تسارعا طفيفا بنسبة 20,7% للاشهر العشرة الاولى من العام مقابل 20,5% للاشهر التسعة، وفاقت هذه الاستثمارات نصف اجمالي الناتج الداخلي الصيني للعام الفائت مستفيدة من الاجراءات المتخذة مؤخرا لدعم عمل الحكومة على لجم تباطؤ النمو. بحسب فرانس برس.

بالموازاة مع مؤشرات التحسن استمر مؤشر الاسعار في الهبوط ليبلغ 1,7% على عام وهو ادنى مستوياته منذ كانون الثاني/يناير 2010، ما يمنح هامشا للحكومة من اجل دعم النشاط عبر زيادة مرونة سياستها المالية، وعلق اليستير ثورنتن ورين تشيانفانغ الاقتصاديان لدى آي اتش اس غلوبال انسايت التي تتخذ مقرا في بكين "هنا مجموعة من الارقام اللطيفة للترحيب بمجموعة جديدة من الحكام في الصين!، واشارا الى ان مدير المكتب الوطني للاحصاء صرح قبل الاعلان عن الارقام انها "ستزيد من ثقة" المحللين في الاقتصاد الصيني، وتابعا ان "الحكومة لم يكن بوسعها المخاطرة بتعريض الاقتصاد لاي تهديد في تشرين الثاني/نوفمبر ويبدو ان استراتيجيتها لدعم النمو اثمرت في الاشهر الاخيرة"، واشار لو تينغ من بنك اوف امريكا-ميريل لينش انه بات الان من الممكن التأكيد ان النمو سيرتفع في الفصل الرابع، وصرح لو "سنبقي توقعاتنا على نسبة 7,8% للفصل الرابع و8,3% للنصف الاول من 2013 وننتظر ان يرفع منافسونا قريبا توقعاتهم"، واشار الاقتصادي الى انه ينبغي توقع "المزيد من اجراءات المرونة (المالية) لكن ليس خطة انعاش كبرى"، ولمعالجة الازمة المالية عام 2008 اعتمدت بكين خطة انعاش بقيمة 400 مليار يورو وفتحت صمامات الاقراض على مصراعيها. وحفزت هذه الاجراءات الطلب الداخلي لكنها اثارت ارتفاعا للاسعار بلغ قمته في تموز/يوليو 2011 بنسبة 6,5% على وتيرة سنوية، لكن التضخم تراجع لاحقا بفضل تاثير ثلاثي لسياسة نقدية اكثر تقييدا وقيود ترمي الى تجنب تشكل فقاعة مضاربات في القطاع العقاري واسعار ادنى للمواد الاولية في السوق العالمية.

الغاء سقف الاستثمار للصناديق السيادية والبنوك المركزية

الى ذلك ألغت الهيئة المنظمة لسوق الصرف الأجنبي في الصين سقف المليار دولار لمشتريات صناديق الثروة السيادية والبنوك المركزية والسلطات النقدية الأجنبية في الأصول الصينية، ولم تحدد القواعد الجديدة المنشورة بموقع إدارة الصرف الأجنبي حدا أعلى جديدا مكتفية بالقول بإن بمقدور الصناديق التقدم للحصول على تراخيص لاستثمار أكثر من مليار دولار، وتستهدف السياسة الجديدة صناديق الثروة السيادية مثل قطر القابضة وسلطة النقد في هونج كونج اللتين اتفقت كل منهما على استثمار ما يصل إلى مليار دولار عبر برنامج المستثمرين المؤهلين من المؤسسات، وتحتفظ إدارة الصرف بحق قبول أو رفض كل طلب على حدة، كان مسؤولون صينيون قالوا في وقت سابق إن تسهيل الاستثمار الأجنبي في الأصول الصينية سيعمل على استعادة الثقة في أسواق الأسهم الصينية التي انخفضت أكثر من 60 بالمئة منذ نوفمبر تشرين الثاني 2007، لكن الحجم الإجمالي للأموال الأجنبية المسموح لها بدخول سوق الأسهم المحلية مازال صغيرا والقواعد الجديدة لا تزيده، ولا يزيد إجمالي الاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم الصينية على واحد بالمئة من إجمالي القيمة السوقية. بحسب رويترز.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 24/كانون الثاني/2013 - 12/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م