الانتخابات الإسرائيلية... نتائج تقلب الطاولة

 

شبكة النبأ: انتهت الانتخابات الإسرائيلية بنتائج جديدة ونسب غير متوقعة حيث أظهرت النتائج شبه النهائية للانتخابات الإسرائيلية تراجعا كبيرا لليمين التي حصلت على نصف عدد مقاعد الكنيست، وحازت كتلة اليسار والوسط والأحزاب العربية على النصف الثاني أي 60 مقعدا. وتشير بعض التقارير الى ان التراجع الأكبر كان من نصيب حزب "الليكود بيتنا" برئاسة بنيامين نتانياهو. فالحزب الجديد لم يحصل على أكثر من 31 صوتا وهو أدنى من أسوأ التوقعات السابقة، وهو ما اعتبره البعض انتكاسة لحزب الليكود الذي حصل في انتخابات 2009 على 27 نائبا، تلك النتائج وبحسب بعض المراقبين قد تدعوا نتانياهو الى تقديم بعض التنازلات الخاصة في سبيل بناء تحالف قوي يمكنه من تشكيل حكومة جديدة ، وفي هذا الشأن فقد أعلن رئيس الوزراء المتشدد بنيامين نتنياهو فوزه في الانتخابات البرلمانية في اسرائيل متغاضيا عن الخسائر المفاجئة التي مني بها لصالح منافسيه من يسار الوسط وتعهد بمنع ايران من امتلاك أسلحة نووية. غير ان الانتخابات التي جرت وأصابت بالاحباط أيضا المتشددين الدينيين ربما تشتت اهتمام رئيس الوزراء عن التركيز على مواجهة طهران ومقاومة مطالب فلسطينية في الوقت الذي طالبت فيه الطبقة المتوسطة العلمانية في اسرائيل بإعطاء اهتمام جديد بالقضايا الداخلية.

وهذا بدوره قد يقود نتنياهو الى علاقة أقل توترا مع حليفه الرئيسي الرئيس الامريكي باراك أوباما الذي بدأ فترة ولاية جديدة بطموحات عظيمة. وأظهرت النتائج الاولية ان حزب ليكود اليميني وحزب (اسرائيل بيتنا) القومي المتشدد سيحصلان معا على أكبر كتلة في البرلمان المكون من 120 مقعدا لكن من خلال شغل 31 مقعدا فقط أي أقل 11 مقعدا عن المقاعد الاثنين والاربعين التي كان يشغلها الحزبان في البرلمان السابق. وتضع هذه النتيجة نتنياهو في مسار لتولي فترة ثالثة ربما بتزعم ائتلاف متشدد يروج للاستيطان الاسرائيلي في الاراضي المحتلة.

لكن اداءه في الانتخابات التي دعا اليها قبل تسعة اشهر من موعدها المقرر على امل الحصول على تفويض قوي في صراعه مع ايران يمكن ان يعقد جهوده لتشكيل ائتلاف بأغلبية مستقرة في البرلمان. وقال رئيس الوزراء البالغ من العر 63 عاما امام حشد مبتهج في مقر حملته الانتخابية "انني فخور بأن أكون رئيس وزرائكم وأتوجه بالشكر لكم لإعطائي الفرصة لتولي فترة ثالثة." وقال نتنياهو انه يزمع تشكيل ائتلاف حكومي واسع بقدر الامكان فيما يشير الى انه سيسعى لشركاء من خارج الحلفاء التقليديين من القوميين المتشددين والدينيين. وقد تكون أول مكالمة يجريها مع يائير لبيد المذيع التلفزيوني السابق الذي جاء حزبه العلماني الذي ينتمي للوسط من المجهول الى المرتبة الثانية.

وقال نتنياهو "التحدي الاول كان وسيظل منع ايران من الحصول على اسلحة نووية." وتنفي ايران انها تخطط لصنع قنبلة نووية وتقول ان اسرائيل التي يعتقد على نطاق واسع ان لديها الترسانة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط هي أكبر خطر على المنطقة. ويرى نتنياهو البرنامج النووي الايراني على انه تهديد لوجود اسرائيل وأثار قلقا دوليا بالتلميح الى عمل عسكري اسرائيلي محتمل لاحباط جهود طهران. وأسقط عملية صنع السلام مع الفلسطينيين الى مرتبة متدنية في جدول اعماله رغم اهتمام الغرب بأن تستمر المساعي للتوصل الى حل.

وتوقعت نتائج فرز الاصوات انقسام عدد المقاعد بالتساوي بين الاحزاب اليمينية واحزب يسار الوسط ليحصل كل جانب على 60 مقعدا من المقاعد المائة والعشرين. وأظهر فرز الاصوات الاولي ان حزب يش عتيد (هناك مستقبل) الذي يتزعمه لبيد سيحصل على 19 مقعدا وهي نتيجة مذهلة لقادم جديد الى الساحة السياسية التي يتنافس فيها 32 حزبا. وحصل لبيد على تأييد بين أفراد الطبقة المتوسطة والناخبين العلمانيين من خلال تقديم وعود بحل النقص المتزايد في الاسكان والغاء الاستثناءات المقدمة لطلبة المعاهد الدينية اليهودية من الخدمة العسكرية واجراء اصلاح شامل لنظام التعليم المتعثر.

وحث نتنياهو على "تشكيل حكومة عريضة بقدر الامكان حتي يمكننا ان نحقق تغييرا حقيقيا في اسرائيل". وجاء حزب العمل الذي كان مهيمنا على الساحة السياسية في اسرائيل في وقت من الاوقات في المرتبة الثالثة وحصل على 15 مقعدا. ووصفت زعيمته شيلي يحيموفيتش اعلان فوز حزب ليكود قبل اعلان النتائج النهائية بأنه "مثير للسخرية". وقالت في مقر حزبها "هناك فرصة جيدة للغاية .. فرصة جيدة جدا .. الا يتمكن بنيامين نتنياهو من تشكيل حكومة." والتوفيق بين الاراء لتشكيل حكومة سيكون بالتأكيد مسألة صعبة.

واعترف البعض في حزب نتنياهو بأن الانتخابات انحرفت الى حد ما. وقال رونين موشيه مستشار حملة ليكود-اسرائيل بيتنا "توقعنا ان نفقد بعض الاصوات لصالح لبيد لكن ليس الى هذا الحد. لقد كان هذا اكتساحا لحزب يش عتيد." وقال لبيد قبل الانتخابات انه سيبحث الانضمام الى حكومة يتزعمها نتنياهو. واذا حدث هذا فان الاحزاب الدينية المتشددة التي تمسك غالبا بميزان القوة في البرلمان قد تخسر بعض النفوذ.

وبعد حملة انتخابية فاترة صوت الاسرائيليون في يوم شتوي مشمس وسجلوا نسبة اقبال بلغت 66.6 في المئة وهي أعلى نسبة منذ عام 2003 . وعزز هذا أحزاب يسار الوسط التي علقت آمالها على تنشيط جيش من الناخبين لم يحسموا اختيارهم وحشده ضد نتنياهو وحلفائه الدينيين المتشددين. وقال دان آفنون استاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية "أغلبية كبيرة من الاسرائيليين من الطبقة المتوسطة صوتت بقوة ضد أوليات الحكومة الاخيرة." وأضاف "هؤلاء هم الناس الذين يدفعون الضرائب ويخدمون في الجيش." واضاف "لا أعتقد أنه يمكن تجاهلهم." بحسب رويترز.

وتوقعت استطلاعات الرأي قبل الانتخابات فوزا سهلا لنتنياهو رغم ان الاستطلاعات الاخيرة أشارت الى انه سيخسر بعض الاصوات لصالح حزب (البيت اليهودي) الذي يعارض وجود دولة فلسطينية ويدعو الى ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة. وأعطى الفرز الاولي 11 مقعدا لحزب البيت اليهودي. وكانت أكبر خسارة من نصيب حزب كديما الذي يمثل الوسط والذي تأرجح بين ظهور برلماني ضعيف يمنحه مقعدين اثنين او اختفاء كامل من الساحة السياسية حسب الفرز النهائي المقرر ان تعلن نتائجه في وقت لاحق. وكان حزب كديما قد حصل على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات السابقة عام 2009 رغم ان زعيمته آنذاك تسيبي ليفني فشلت في تشكيل ائتلاف حاكم. وستعلن النتائج الرسمية يوم 30 يناير كانون الثاني. وبعد ذلك من المرجح ان يطلب الرئيس شمعون بيريس من نتنياهو بصفته زعيم أكبر كتلة في البرلمان ان يحاول تشكيل حكومة.

وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ان دولة لها اعداء كثر كإسرائيل لا يمكنها ان تحتمل ان يحكمها حزب ضعيف. وقال نتنياهو ان ايران وحزب الله اللبناني وحركة حماس يتابعون الانتخابات . وقال للقناة الثانية الاسرائيلية "يريدون ان يعرفوا شيئا واحدا وهو اذا كان الحزب الحاكم قد كبر او صغر. انهم يريدون اسرائيل ضعيفة ومنقسمة وأكثر دولة لها أعداء في العالم يجب الا تكون منقسمة." ويقول نتنياهو ان التعامل مع الطموحات النووية الايرانية سيكون اولويته. وتشك اسرائيل والغرب في ان ايران تعمل على صنع اسلحة نووية وهو زعم تنفيه طهران. قال انه لن يرضخ لأي دعوة للتراجع عن بناء المستوطنات ولن يراجع خطة الاستيطان وقال ان الحزب الحاكم القوي يجب ان يكون قادرا على التعامل مع الضغوط الدولية.

العرب في اسرائيل

في السياق ذاته كتبت صحيفة هارتس الاسرائيلية المستقلة افتتاحيتها ولاول مرة في تاريخها باللغة العربية ودعت فيها العرب الاسرائيليين للادلاء باصواتهم في انتخابات. وتحت عنوان "اخرجوا وصوتوا"، كتبت هارتس بالعربية "في العام 1948 قرر الفلسطينيون الذين بقوا تحت الحكم الاسرائيلي ان يصبحوا مواطني الدولة، وذلك باختيارهم النضال لمواطنة متساوية باساليب ديمقراطية". وتابعت "هذا القرار شكل تحديا للدولة التي سعت لابراز طابعها اليهودي وللجمهور العربي الذي سار على حبل مشدود يوصل بين النضال للمساواة وبين النضال لتحقيق تطلعاته القومية".

واوضحت الصحيفة التي بدأت بالصدور في 1918 في فلسطين، "يمكن القول اليوم وبعد 65 عاما ان هذا الخيار اثبت جدارته فالجماهير العربية جزء لا يتجزأ من المجتمع الاسرائيلي وتسهم في مختلف المجالات". واشارت الافتتاحية التي لا تحمل اسم الكاتب الى ان "حكومة رابين الثانية اعتمدت على اصوات ممثلي المواطنين العرب في الكنيست، ويعمل اليمين بمنهجية لنزع شرعية العرب في اتخاذ قرارات سياسية حاسمة وينعكس اليوم في حملة التحريض ضد اعضاء الكنيست العرب في التشريعات المعادية للديمقراطية".

واعتبرت ان الانتخابات البرلمانية هي جوهر النضال المدني وعليه فان الانخفاض في مشاركة العرب في التصويت والدعوات الداعية لمقاطعة الانتخابات بين الجمهور العربي مقلقة". واضافت ان السبب الاساسي للتراجع في نسبة التصويت لدى العرب "هو الشعور بان البرلماني لم يسهم في تحسين ظروف معيشتهم". ولكن، تابعة الصحيفة "بنظرة شاملة يتبين ان الجماهير العربية وبفضل نضال شعبي ومدني وقانوني وبرلماني حققت انجازات هامة في مجالات الحياةالمختلفة ولذلك فلا بديل ناجح للجمهور العربي سوى النضال المدني الذي يتطلب طول النفس. ان الياس والامتناع عن التصويت هما عدوان لدودان لهذا النضال". وبلغت نسبة التصويت بين المواطنين العرب 53% في انتخابات 2009 وتوقعت استطلاعات الراي ان تقل نسبة التصويت عن الانتخابات السابقة خلال الانتخابات المقبلة. ويشكل العرب 20 في المئة من سكان اسرائيل وهم يعانون من التمييز في الحقوق المدنية والسياسية.

من جانب اخر دعت الجامعة العربية في بيان عرب إسرائيل الى التصويت "بايجابية وكثافة" في الانتخابات التشريعية الاسرائيلية للتصدي في الكنيست لسياسات "شرعنة التطهير العرقي وسيطرة العنصرية". وتحدث البيان الذي اصدره قطاع فلسطين والاراضي العربية المحتلة عن مؤشرات الى "وجود بدايات لسياسة قادمة لشرعنة التطهير العرقي وسيطرة العنصرية تحت شعار ان العربي خطر على اسرائيل". واضاف ان "هذا يستدعي وجود معارضة قوية داخل الكنيست تتصدى لهذه المحاولات وكشفها لبرلمانات العالم والرأي العام الدولي". بحسب فرنس برس.

ودعا البيان عرب اسرائيل الى "المشاركة بايجابية وبكثافة في الانتخابات الاسرائيلية البرلمانية"، مشددا على ضرورة ان "يكون الصوت العربي عاليا وقويا لمواجهة محاولات تمريرالقوانين المتعلقة بعمليات التطهير العرقي ضد العرب". وقالت الجامعة العربية في البيان ان "الفرصة الاكبر للاغلبية ستكون لليمين العنصري المتطرف الذي لا يريد السلام ولا يريد الآخر بل يريد دولة يهودية تحت شعار ان العربي خطر على ارض اسرائيل".

الفلسطينيون والانتخابات

على صعيد متصل أبدى فلسطينيون عدم اهتمام بالانتخابات الاسرائيلية التي جرت والتي من شبه المؤكد ان تأتي بحكومة متشددة حريصة على توسيع المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي المحتلة أكثر من حرصها على اقرار السلام. وقال أحمد عمرو الاستاذ الجامعي بجامعة القدس المفتوحة في رام الله عاصمة الضفة الغربية انه بغض النظر عن الفائز فالاسرائيليون يريدون هذه الارض بلا سكان. واستطرد انه على الفلسطينيين ان يكون لديهم خطة في مواجهة هذا الموقف ولا يعولون كثيرا على من سيفوز في الانتخابات.

واحتلت اسرائيل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية منذ حرب عام 1967 وأيضا قطاع غزة وهضبة الجولان السورية. وانسحبت اسرائيل من قطاع غزة عام 2005 لكن ظلت تفرض عليه قيودا منذ ان خرج منه الجنود والمستوطنون اليهود. وقال حسين عقلان وهو طبيب من غزة ان الفلسطينيين كانوا يأملون ان تؤدي هذه الانتخابات الى سلام والاعتراف بدولة فلسطينية وبحقوق الشعب الفلسطيني لكن كل المؤشرات تشير الى ان نتنياهو سيفوز وهذه ستكون كارثة كبرى. وانهارت محادثات السلام المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين عام 2010 بسبب مشكلة البناء الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة ويقول الفلسطينيون ان تلك المستوطنات تحرمهم من اقامة دولة لها مقومات للبقاء.

وبذل الفلسطينيون انفسهم جهودا مضنية لانتخاب حكومة وطنية تمثل جبهة موحدة في مواجهة السياسات الاسرائيلية وتدفع بمساعيهم المستمرة منذ عقود لنيل الاستقلال. وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2006 حققت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) نصرا مفاجئا صدم اسرائيل ودولا غربية تعتبرها منظمة ارهابية وهو ما أدى الى اقتتال قصير في العام التالي بين حركتي فتح وحماس التي سيطرت خلالها الحركة الاسلامية على القطاع عام 2007 . وبينما ظلت حماس محاصرة في قطاع غزة لم تسمح باجراء اي انتخابات طوال ست سنوات وطردت لجنة انتخابية كان من المفترض ان تمهد لاجراء انتخابات جديدة في اطار خطة تعثرت للوحدة عام 2012 .

وأجرت فتح انتخابات مجالس بلدية في الضفة الغربية قاطعتها حماس وهو ما أدى الى نسبة مشاركة مخيبة للامال. ولا يزال الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يتزعم فتح ايضا رئيسا للسلطة الفلسطينية رغم انقضاء فترته منذ ثلاث سنوات منذ ان انتخب عام 2005 . ورغم ان الفلسطينيين متحدون في رفض الانتخابات الاسرائيلية ظلت الانقسامات عميقة بينهم. وترفض حماس حق اسرائيل في الوجود وعارضت مفاوضات رعتها الولايات المتحدة وتدعو للمقاومة المسلحة. لكن عباس وضع ثقته في الدبلوماسية لكن لا هذه الاستراتيجية ولا تلك قربت الفلسطينيين أكثر من تحقيق تطلعاتهم الوطنية. بحسب رويترز.

وبسؤال ثلاثة من العاملين في متجر للبقالة برام الله عن آمالهم بشأن الانتخابات الاسرائيلية ردوا "وماذا تعني؟" وقال محمد زيد "العمل او الليكود لا فرق" في اشارة الى الحزبين الاسرائيليين الرئيسيين من اليسار واليمين. وأضاف "أنا اهتم بما يحدث في الشارع هنا في فلسطين ولا أحب ما تفعله حماس أصوت للون الاصفر (لون رايات فتح) أصوت للكوفية" مشيرا الى الوشاح الفلسطيني التقليدي وهو رمز لفتح. وقال له زميله الملتحي "لقد أصبحت حزبيا قليلا." ورد عليه صديقاه ضاحكان "وأنت من حماس."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 24/كانون الثاني/2013 - 12/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م