الحرب الفرنسية في مالي... توأمة للحروب الامريكية

 

شبكة النبأ: تواصل فرنسا حملتها العسكرية في مستعمرتها القديمة مالي بهدف القضاء الجماعات المتطرفة التي سيطرت على بعض المدن المالية، حرب عرف الجميع بدايتها لكن نهايتها قد تكون بعيدة بحسب بعض المراقبين، الذين توقعوا اتساع رقعة الصراع الى دول اخرى خصوصا بعد الدعم المقدم من قبل بعض الدول الإفريقية التي شاركت في هذه الحرب تلك الخطوات ستكون دافع مهم لتحريك باقي المجاميع المتطرفة وعناصر تنظيم القاعدة لمواصلة الحرب وعقد اتفاقيات جديدة مع تغير خططها الهجومية بهدف قلب الموازين لصالح التنظيم الذي يمتلك اليوم مؤهلات قتالية جيدة ومعدات عسكرية ضخمة قد تساعد بتكبيد العدو خسائر عسكرية ومالية إضافية تدفعه الى التراجع أو إيقاف القتال، وفي هذا الشأن فقد قال دبلوماسيون فرنسيون ودبلوماسيون آخرون في الأمم المتحدة إن الاشتباكات الأولية التي خاضتها القوات الفرنسية ضد متشددين اسلاميين في مالي أظهرت أنهم مدربون ومسلحون أفضل مما توقعت فرنسا قبل أن تشرع في التدخل العسكري. ومن شأن إدراك حقيقة أن القتال قد يكون أكثر دموية مما أشارت اليه التوقعات في الأسابيع وربما الأشهر السابقة ربما يجعل الدول الغربية أكثر احجاما عن المشاركة إلى جانب فرنسا. ويقول دبلوماسيون إنه مع ذلك يأمل المسؤولون الفرنسيون في حشد تأييد حلفائهم.

وذكر دبلوماسي أفريقي "ستكون تكلفة الفشل في مالي مرتفعة بالنسبة للجميع وليس فقط شعب مالي". ومثل غيره من الدبلوماسيين تحدث بشرط عدم الافصاح عن اسمه بسبب حساسية مناقشة القضايا العسكرية والدبلوماسية. وزاد من احتمال تصاعد وتيرة عنف المتشددين الاسلاميين في مالي احتجاز عشرات الرهائن في الجزائر المجاورة حيث شنت القوات الجزائرية عملية لتحرير الرهائن من إيدي المتشددين الاسلاميين.

وتحدث الدبلوماسيون بعد أول مواجهات للقوات الفرنسية مع المقاتلين الاسلاميين في الأيام القليلة الماضية. وبدت الحرب البرية بعدما طوقت القوات الفرنسية مدينة ديابالي وحاصرت المتمردين الذين استولوا على المدينة. وذكر دبلوماسي فرنسي كبير "أعداؤنا كانوا مسلحين ومجهزين جيدا وعلى درجة عالية من التدريب وكلهم تصميم." وقال "المفاجأة الأولى إن بعضهم أصر على عدم الانسحاب" مضيفا أن آخرين فروا خلال ستة أيام من الغارات الجوية الفرنسية التي استهدفت وقف هجوم المتشددين والحيلولة دون سقوط العاصمة باماكو.

وتواجه قوات فرنسا ومالي ودول أفريقية تحالفا اسلاميا يضم جناح القاعدة في شمال أفريقيا المعروف باسم تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي وجماعة أنصار الدين وحركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا. وتوحدت صفوف الخليط المتنوع من متمردي الطوارق والاسلاميين والجهاديين الأجانب بسبب التهديد بتدخل عسكري أجنبي دعا إليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الشهر الماضي. ويعتقد أن حكومة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي دربت وسلحت بعض المتشددين. وأطاح متمردون بالقذافي وقتلوه في حرب أهلية عام 2011. بحسب رويترز.

وقال عدد من الدبلوماسيين إنه من الواضح أن التقييم الفرنسي المبدئي للمتشددين هون من قوتهم. وهي وجهة نظر لا يجادل فيها المسؤولون الفرنسيون. وذكر دبلوماسي غربي رفيع "أظن أنهم أفضل تدريبا مما توقعت فرنسا في البداية ويقاتلون بصلابة أكثر من المتوقع."

الى جانب ذلك ذكرت صحيفة لوس انجليس تايمز ان البيت الابيض ووزراة الدفاع الاميركية (البنتاغون) مختلفان حول الموقف الذي يجب تبنيه مع سيطرة جماعات اسلامية في مالي وهجماتها في مناطق اخرى في غرب افريقيا. وقالت الصحيفة نقلا عن مسؤولين لم تكشف اسماءهم ان الحوادث التي تجري في مالي والجزائر اثارت جدلا حادا داخل ادارة الرئيس باراك اوباما لمعرفة ما اذا كان هؤلاء العناصر المتشددون يشكلون خطرا يمكن ان يتطلب ردا عسكريا.

واوضحت ان عددا من مسؤولي البنتاغون وضباطا كبارا يحذرون من ان غياب التزام اكبر من جانب الولايات المتحدة يمكن ان يجعل مالي ملاذا للمتطرفين كما كانت افغانستان قبل اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001. لكن عددا من مستشاري البيت الابيض يرون انه من غير الواضح ما اذا كان متمردو مالي وبينهم عناصر من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، يمكن ان يعرضوا الولايات المتحدة للخطر، حسب الصحيفة. وتابعت ان هؤلاء المستشارين يخشون ان تجر الولايات المتحدة الى نزاع معقد ضد عدو لا يمكن السيطرة عليه في مالي بينما تقوم القوات الاميركية بالانسحاب من افغانستان. بحسب فرنس برس.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول في الادارة الاميركية قوله "لا احد هنا يشكك في التهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي على المستوى الاقليمي". واضاف ان "السؤال الذي نحتاج جحميعا الى طرحه هو اي تهديد يشكله هذا التنظيم لاراضي الولايات المتحدة؟ وكان الرد حتى الآن: لا تهديد".

أهداف العملية

على صعيد متصل اعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ان اهداف التدخل الفرنسي في مالي ثلاثة وهي "وقف الاعتداء" وتأمين باماكو والحفاظ على وحدة اراضي هذا البلد، مؤكدا في الوقت نفسه ان بلاده لا تنوي البقاء في مالي. وقال هولاند في مؤتمر صحافي عقده في دبي في نهاية زيارته الى الامارات "لدينا ثلاثة اهداف لتدخلنا الذي يتم في اطار الشرعية الدولية : وقف الاعتداء الارهابي" و"تأمين باماكو حيث لدينا الالاف من رعايانا والسماح لمالي باستعادة وحدة اراضيها". الى ذلك، اكد هولاند ان فرنسا لا تنوي البقاء في مالي الا انها تريد ان يكون وضع هذه المستعمرة الفرنسية السابقة مستقرا مع مغادرة القوات الفرنسية البلاد.

وقال في المؤتمر الصحافي "لا نية لدى فرنسا بالبقاء في مالي لكن في المقابل لدينا هدف، وهو ان يكون هناك عند مغادرتنا امن في مالي وسلطات شرعية وعملية انتخابية والا يكون هناك ارهابيون يهددون" وحدة البلاد. وشدد هولاند على ان فرنسا "هي العامل المحرك والحاسم ولكنها ليست العامل المستمر" في التدخل، معتبرا ان العملية "لا علاقة لها مع سياسات تعود لزمن آخر" في اشارة الى السياسات التي شابت مرحلة ما بعد الاستعمار واتسمت بممارسة نفوذ بشكل يخلو من الشفافية. وقال الرئيس الفرنسي ان بلاده "لا يمكن ان تتدخل الا في مرحلة استثنائية ولوقت محدد". وتابع "نحن ندافع عن قضية وهي وحدة اراضي مالي وليس لدينا الا عدو واحد هو الارهاب".

الى ذلك، افاد هولاند ان المغرب اضافة الى الجزائر، سمحت للطيران الفرنسي باستخدام اجوائها من اجل تنفيذ عمليات في مالي. كما اشار الى اتخاذ الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز "قرارا بتامين حدود بلاده مع مالي، وبالتالي اغلاق هذه الحدود في حال محاولة ارهابيين اللجوء اليها". بحسب فرنس برس.

وعن التواجد العسكري الفرنسي على الارض، قال هولاند "حاليا لدينا 750 رجلا وعددهم سيزيد الى ان يتسنى باسرع وقت ممكن افساح المجال للقوات الافريقية". وفي باريس، اكدت مصادر من اوساط وزير الدفاع الفرنسي جان-ايف لودريان ان فرنسا تعتزم ان تنشر "تدريجيا" 2500 جندي.

في السياق ذاته تظاهر قرابة 100 اسلامي مصري بالقرب من سفارة فرنسا في القاهرة احتجاجا على التدخل الفرنسي في مالي متهمين باريس بخوض "حرب ضد الإسلام". ورفع المتظاهرون، وغالبيتهم من السلفيين، لافتات كتب عليها "اوقفوا الحرب في مالي، يدعون انها حرب على الارهاب ولكنها حرب على الاسلام". وهتف المتظاهرون "يا هولاند يا خسيس دم المسلم مش رخيص" و"عيش، حرية، مالي اسلامية"، كما افاد صحافيون. وانضم الى المتظاهرين محمد الظواهري شقيق ايمن الظواهري قائد تنظيم القاعدة. ووضعت سفارة فرنسا تحت حراسة مئات من افراد شرطة مكافحة الشغب ابقوا المتظاهرين على بعد عشرات الامتار من مبنى البعثة الدبلوماسية الفرنسية.

إعدام إسلامي بارز

من جانب اخر قال سكان ومكتب رئيس مالي ان سكانا في بلدة جاو الواقعة في شمال مالي اعدموا زعيما اسلاميا بارزا انتقاما لمقتل صحفي محلي في وقت سابق. وجاو بلدة بشمال مالي تخضع لسيطرة المتمردين الاسلاميين منذ منتصف 2012 وكان سكانها قد احتجوا سابقا على التطبيق الصارم لاحكام الشريعة الاسلامية ولكن اذا تأكدت عملية الاعدام تلك فانها ستكون اول عملية اعدام يقوم بها مدنيون لاحد المقاتلين.

وقتل قادر توري وهو صحفي من جاو للاشتباه بعمله مع محطات اذاعة اجنبية وذلك حسبما ذكر زميله عيسى ادريس توري. وقال مازو توري وهو من سكان جاو ان "الشبان قتلوا مفوض الشرطة الاسلامي علي توري ردا على ذلك." ولا تعمل شبكات التليفون في جاو ولكن كلا من المصدرين قال انه تلقى معلومات من اشخاص غادروا البلدة. بحسب رويترز.

ومفوض الشرطة توري كان احد السكان المحليين والذي قام اسلاميو "حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا" بتجنيده بعد سيطرتهم على جاو في يونيو حزيران من العام الماضي. واكتسب هذا الرجل سمعة سيئة عندما قالت تقارير انه قطع يد شقيقه بعد ان فرض المقاتلون تطبيقا متشددا لاحكام الشريعة الاسلامية في شتى انحاء شمال مالي.

عرض من الطوارق

الى جانب ذلك قال انفصاليو الطوارق بالحركة الوطنية لتحرير أزواد في مالي إنهم مستعدون للانضمام إلى الجهود الدولية الرامية لتحرير شمال مالي من المتمردين الإسلاميين وسط مخاوف من انتقام جيش مالي من الطوارق بسبب انتفاضة قاموا بها العام الماضي. وكانت الحركة الوطنية لتحرير أزواد شنت تمردا في شمال مالي أوائل عام 2012 وانتزعت زمام السيطرة على المنطقة من القوات الحكومية بعد انقلاب عسكري في مارس آذار الماضي دفعت إليه طريقة تعامل الحكومة مع الانتفاضة.

وسرعان ما استغلت الجماعات الإسلامية انتفاضة الطوارق بعد أن كانت تقاتل معهم في البداية وما لبثت أن قامت بتهميشهم في المدن الرئيسية المنطقة الصحراوية التي يطلق عليها المتمردون اسم أزواد. وقال المتحدث باسم الحركة الوطنية لتحرير أزواد إبراهيم أغ محمد الصالح إنه يمكن استدعاء مقاتلي الحركة المتفرقين لدعم تدخل تقوم به قوات من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) بتفويض من الأمم المتحدة. وقال الصالح "تريد الحركة الوطينة لتحرير أزواد محاربة الإرهابيين بجانب إيكواس والمجتمع الدولي."

وفي ظل شعور الكثيرين في باماكو عاصمة مالي بالغضب من دور الطوارق في الأزمة الراهنة يستبعد أن يوافق الجيش على توليهم دورا رسميا في عملية لتحرير الشمال. وفي حين ان بعض الطوارق يدعمون الإسلاميين وخاصة حركة أنصار الدين التي أسسها الزعيم الانفصالي السابق إياد أغ غالي إلا أن الكثيرين لا يؤيدونهم ويستاءون من نهجهم المتشدد الذي يتعارض مع المعتقدات الصوفية المعتدلة التقليدية في المنطقة. وقال الصالح "سكان أزواد الذين نقاتل من أجلهم هم أول ضحايا هذا الإرهاب ونخشى أن يقعوا ضحايا أيضا للعملية العسكرية خاصة من جانب جيش مالي."

وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين إن مواطني مالي الفارين إلى دول مجاورة قصوا "روايات مروعة" لانتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبت في ظل سيطرة الإسلاميين بما في ذلك حالات اغتصاب وإعدام للمعارضين فضلا عن تطبيق حدود البتر والرجم. وفتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا بشأن جرائم الحرب التي يشتبه بارتكابها في مالي. في الوقت نفسه يتزايد القلق من تطهير عرقي في حين يستعيد جيش مالي الشمال بمساعدة الفرنسيين. بحسب رويترز.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان إنها تلقت روايات موثوقة بشأن وقوع انتهاكات خطيرة بما فيها القتل ترتكبها قوات الأمن في مالي بحق المدنيين حول بلدة نيونو وسط البلاد. وقال الكولونيل سيدو سوجوبا المسؤول عن عمليات الجيش في المنطقة "أي أحد يمكنه الحصول على زي رسمي لجيش مالي ويفعل ما يحلو له. بات ذلك معروفا." وأضاف "الجهاديون انفسهم فعلوا ذلك في بعض الأحيان لتشويه سمعة جيش مالي." وذكرت هيومن رايتس ووتش أن الطوارق والعرب وهم اكثر الجماعات العرقية ارتباطا بالمتمردين الذين سيطروا على شمال مالي مستهدفون بصورة خاصة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/كانون الثاني/2013 - 11/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م