مأساة حلب والمتمردين...  جرائم بلا حدود

 

شبكة النبأ: في سوق مزدحمة في سوريا يتجه زوجان متأنقان إلى مراسل أجنبي لدس ورقة في يده، هذه هي طريقة الاستغاثة الصامتة في مواجهة خوف أصبح الصحفيون الذين يزورون سوريا معتادين عليه على مدى العامين الماضيين. لكن هذا المشهد ليس في دمشق التي تسيطر عليها قوات الرئيس بشار الأسد بل في حلب التي تسيطر عليها الجماعات المتمردة.. في هذه الورقة شكوى من الفوضى التي أحدثها الصراع وآمال في أن يهزم الأسد "الإرهاب".

قال الزوجان "كنا نعيش في سلام وأمان إلى أن وصلت إلينا هذه الثورة اللعينة... ندعو الله أن يساعد النظام على محاربة الجماعات المسلحة والإرهاب.. نحن مع سيادة الرئيس بشار الأسد للأبد"، ورغم أن البعض قد يظن أنهما من جهاز الأمن الذي يريد أن يشوه صورة الجماعات المتمردة فإن هذه المشاعر ليست نادرة في حلب أكبر المدن السورية التي كانت يوما مركزا للتجارة والصناعة ويواجه سكانها الآن صعوبات وفوضى، وبينما تواصل القوات الحكومية القتال في أجزاء من حلب تتعالى الشكاوى في مناطق تخضع لسيطرة الجماعات المتمردة منذ ستة أشهر أو أكثر من افتقار مقاتلي المعارضة للنظام وقيام بعضهم بالسلب وانعدام الأمن ومقومات الحياة مثل مياه الشرب والخبز والكهرباء في مناطق قصفتها الدبابات وهاجمتها قوات الأسد الجوية، وإدراكا لهذه الريبة شكلت وحدات الجماعات المتمردة هياكل للقيادة والحراسة كنواة لمؤسسات ربما تدير يوما البلاد بأكملها ويأمل المعارضون أيضا أن يظهروا من خلالها للدول العربية والغربية الداعمة أن لديهم تنظيما يتيح لهم التعامل مع ما يقدم من مساعدات من مال وسلاح، لكن بالنسبة لمن يخشون ما هو أسوأ في سوريا بعد أن كشف الصراع عن خصومة عرقية وطائفية ظلت مقموعة لزمن طويل فإن ما يظهر من دلائل في حلب على أن تلك المؤسسات الجديدة ليس لها أثر فعلي يذكر على فصائل المقاتلين المتناحرة لا ينبيء بخير، ومن ناحية أخرى تزداد العلاقات توترا بين الجماعات المتمردة وسكان حلب الذين يضمر لهم كثير من المقاتلين استياء لعدم انتفاضهم ضد الأسد منذ البداية. بحسب رويترز.

وأقر بعض قادة المتمردين ممن أجريت معهم مقابلات داخل حلب وحولها خلال بوجود مشكلات داخل الجماعات المتمردة الذي يتألف من ألوية تتنافس على الموارد ويسعى كل منها لنيل الاعتراف به. لكنهم ألقوا بالقدر الأكبر من اللوم على "العناصر الفاسدة" والانتهازيين وقالوا إن خطوات تتخذ لوضع الأمور في نصابها، قال أبو أحمد وهو مهندس يرأس وحدة من 35 فردا من لواء التوحيد الذي يعتقد أنه الأكبر في محافظة حلب "هناك فساد كبير في الجماعات المتمردة.. سرقة وقمع.. لأن هناك متطفلين دخلوا الجماعات المتمردة"، ويرى أبو أحمد الذي ينحدر من بلدة صغيرة على الحدود مع تركيا أن أغلب سكان مدينة حلب التي يسكنها أكثر من مليوني نسمة غير متحمسين تجاه الصراع المستمر منذ نحو 22 شهرا والتي يمثل السنة من المناطق الفقيرة أغلب المشاركين فيها، ومضى يقول "ليس لديهم فكر ثوري" وقدر أن نسبة التأييد للأسد في حلب تبلغ نحو 70 في المئة بين سكان الحضر ومنهم الكثير من الأكراد والمسيحيين والعلويين. لكنه أقر أيضا بأن النهب وغيره من التجاوزات جعلت السكان يشعرون تجاههم بالريبة.

وقال أبو أحمد " الجماعات المتمردة فقد الدعم الشعبي" وأضاف أن لواء التوحيد يسعى الآن لتوفير خدمات مثل إعادة إمدادات الكهرباء ومواجهة نقص الخبز. وتعمل زوجته على تأسيس مدرسة بعد شهور من توقف الدراسة، ومن القضايا التي يتحدث عنها سكان حلب كلما تجمعوا الجوع وانعدام الأمن. وأمام مخبز مزدحم في أحد الأحياء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة شكا البعض من اضطرارهم للاصطفاف لساعات على أمل الحصول على خبز وعن حاجتهم للتسلح لحماية أنفسهم في شوارع المدينة.

وأصبحت المدارس مجردة من المقاعد والمكاتب التي باتت تستخدم في إشعال النار للتدفئة، الملازم محمد طلاس انشق عن جيش الأسد شأنه شأن الكثير من الجماعات المتمردة. وهو الآن يقود لواء صقور الشهباء المؤلف من 500 رجل ويلقي باللوم في شكاوى السكان على "بذور فاسدة" تزعم أنها من الجماعات المتمردة ولا تخضع لأي تدقيق، وقال وهو يدخن سيجارة تلو الأخرى ويرتدي سترة عسكرية جالسا في مكتب متواضع "هناك ألوية تنهب الناس وهي في الأصل بذور فاسدة... أي شخص يمكن أن يحمل بندقية ويفعل ما يريد"، لكن القلق من قتال وحدات أخرى مناهضة للأسد يمنع قادة الجماعات المتمردة من محاولة احتواء هذه التجاوزات في الوقت الراهن. وتساءل طلاس "هل سنقاتل بشار ونقاتلهم أيضا؟" مشيرا للمقاتلين الجدد من غير أهل الثقة. وأضاف "هناك الكثير منهم في حلب... لا يمكننا أن نرفضهم. هذا ليس الوقت المناسب. هؤلاء هم البذور الفاسدة."

والكثير من قادة الجماعات المتمردة لديهم آراء سلبية تجاه زملائهم. أبو مروان -وهو طيار شاب من القوات الجوية ويقود عملية حصار طويلة لقاعدة جوية حكومية- قال إن قائدا آخر للمعارضة يدير لواءه وكأنه ملكية خاصة ويرقي الأفراد على أساس المحسوبية، وشكل بعض الجماعات المتمردة في حلب ما يطلقون عليه قوة شرطة عسكرية لوقف مثل هذه التجاوزات. يقود القوة العميد زكي علي لولي ويقول إنها تحصل على التمويل من ألوية رئيسية مثل لواء التوحيد ولواء السلطان محمد الفاتح وتهدف إلى التنسيق مع وحدات أخرى. ورفض أن يذكر عدد أفراد القوة، وأضاف لولي أن مؤسسة أخرى تنظر في شكاوى سكان حلب وأن هناك محادثات لنشر مثل هذا النموذج التنظيمي في أنحاء البلاد، وهناك خطوات مماثلة لإقامة هياكل وطنية في القيادة العامة لحركة المعارضة. فبعد أن تشكل الائتلاف الوطني في الخارج في نوفمبر تشرين الثاني وحصل على دعم من دول عربية وغربية تشكلت قيادة عسكرية يهيمن عليها الإسلاميون للإشراف على العمليات ضد قوات الأسد داخل سوريا.

وهناك أقوال متضاربة حول مدى فاعلية الهيكل التنظيمي الجديد لكن زعماء المقاتلين يقولون إن هناك تسلسل قيادة أوضح من ذي قبل وإن الجماعات المتمردة باتت تعرف بصورة أفضل من المسؤول عن أي قطاعات داخل حلب وريفها، ويقول الملازم طلاس الذي خاض لواؤه قتالا مكثفا في المدينة إن المقاتلين لديهم الآن غرفة عمليات مشتركة ويعقدون اجتماعات اسبوعية لكل الألوية وكذلك تجمعات يومية لقادة الجبهات، وقال "تم وضع الأساس لوزارة دفاع.. قوة لسوريا. لكن هذه القوة في حاجة إلى أسلحة وأموال"، وهذه مقولة شائعة بين مقاتلي الجماعات المتمردة وتنم عن إحباط من تردد الدول الغربية على وجه الخصوص في مساعدة الجماعات المتمردة الذين لم تتضح أهدافهم الأوسع نطاقا، واعتبرت الولايات المتحدة جبهة النصرة -وهي من الوحدات التي تحارب الأسد- منظمة "إرهابية" واتهمتها بأن لها صلة بتنظيم القاعدة. وقد أعلن أغلب المقاتلين الإسلاميين -ومنهم طلاس الذي يجلس وإلى جواره راية سوداء عليها عبارة لا إله إلا الله محمد رسول الله- الولاء للائتلاف الوطني المدعوم من الغرب. لكن الدول الغربية ما زالت تشعر بالارتياب، ورغم قدوم أسلحة من الخارج يشكو أغلب الجماعات المتمردة من نقص في السلاح ونقص مزمن في الذخيرة مما يعوق تقدمهم على عدة جبهات، وقال طلاس إنه تم إبلاغه بوصول بضعة آلاف فقط من الرصاصات إلى الجماعات المتمردة في محافظة حلب في شهر واحد وبدأت الموارد تنضب. وبعد شعور بعض الزعماء باليأس بدأوا يلجأون لدول خليجية طلبا للتمويل، والتقى أحد رجال الأعمال الكويتيين بطلاس الذي قال "جاء في جولة.. أخذناه إلى الجبهات المختلفة وجعلناه ينغمس في أجواء الحرب بل وتركناه يطلق نيران بندقية... غادر المكان سعيدا وظننت... أنه سيحل كل شيء، "لكن لم نسمع منه شيئا بعدها. ربما خاف من البندقية. كان هذا قبل نحو شهر ونصف"، ومع استمرار الحرب ورغم جهود بعض القادة لإحداث قدر من النظام بدأ صبر سكان حلب على الجيش السوري الحر ينفد. قال أبو ماجد البالغ من العمر 48 عاما والذي كان يعمل في احد مصانع النسيج بحلب "لا يهمنا شكل النظام... نحتاج الأمن والأمان"، وعلى مقعد بلاستيكي في وسط سوق مزدحمة حمل أبو ماجد الجماعات المتمردة مسؤولية الحال المزري الذي صارت عليه المدينة وعن سكان حلب قال طلاس "يظنون أن الجماعات المتمردة يملك كل شيء أو أنه يمكن أن يكون بديلا للدولة"، وفي حين يقول كثير من سكان حلب إنهم يريدون أيضا التخلص من الأسد فإن عجز المقاتلين عن تحقيق النظام أو تحسين ظروف المعيشة في المدينة أفقدهم دعم السكان، وقال الطيار أبو مروان "صورة الجماعات المتمردة اهتزت جدا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/كانون الثاني/2013 - 9/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م