كَسر باله!

زاهر الزبيدي

لايعرف المترفون معنى "كَسر باله"، بتشديد الام، ولكن الذي يعرفها أكثر هم صغار الموظفين والفقراء والعاطلين عن العمل والإيتام والأرامل وبعض المراهقين ممن تستهويهم الملابس الأجنبية ذات الماركات العالمية والأحذية الرياضية لأشهر الشركات.. والباله هنا هي رزمة الملابس القديمة التي تجمع من دول العالم وتباع للعراق وكسر الباله هو موعد للمفاجئة، للبائع والمشتري.. فقد يعثر البائع على كنز من الملابس يفوق ربحه سعر الباله ذاتها بعشرات المرات أو أن تحتوي البالة على ملابس لا تغطي حتى سعرها.

وحينما يصرخ البائع بعبارة، كسر باله، فهذا ما يجلب المشترين من فقراء الوطن ليتجمعوا أمام المفاجئة عسى أن يجدوا ضالتهم من الملابس القديمة بأنواعها.. كل شيء مصنوع من القماش بأنواعه أو الجلود، حيث أصبحت البالات خلال فترة وجيزة سوقاً مهماً من أسواق الفقراء وممن يريدوا أن يستروا أعراضهم ويقوا انفسهم من برد الشتاء بعدما عزَّ عليهم، بسبب الفقر، أن يرتادوا المحال التجارية والمولات التي ما وضعت والله لهم وإنما لعلية القوم وهم ليسو منهم، فكم هو محزن أن ترى نساءنا وبناتنا متجمعات على كومة من الأحذية القديمة في أحد المحال باحثات عن ضالتهن أو عن حذاء مستخدم لفترة قليلة وغير ممزق أو أب حائر، على محدودية راتبه، ورغبته في شراء شيء لأبنائه وسط كومة من الملابس التي تفوح منها رائحة القهر والظلم وقبلهما الفقر المقيت.

لقد انتشرت اسواق البالات منذ عقود من الزمن في العراق واعتبرت منفذاَ مهماً من منافذ التسوق، حيث منعت تلك التجمعات أن نصبح عراة وسترتنا وهي في كل الأحوال ليست مبلغ طمعنا فيما نلبس ولكن شاءت الأقدار أن الكثير من العوائل لم تعد ترى الأسواق المبهجة وانما أصبح تجمعها أمام البالات من الملابس والأحذية هو كل ما تريده بعدما ارتفعت أسعار الملابس ولم يعد بإمكان العوائل الكبيرة تأمين متطلبات أبناءها وبناتها منها فعلى سبيل المثال بإمكانك أن تجد معطف صوف إيطالي الصنع، مستعمل، بمبلغ 7 آلاف دينار ونظيره التركي من المولات يتجاوز الـ 100 ألف بينما قد تجد حذاءاً ايطالي الصنع مستعمل بمبلغ 3 آلاف دينار بينما نظيره الصيني الجديد يصل الى 25 ألف ومن تلك المقارنة نرى حجم الفرق السعري وما تقدمه البالات من خدمة كبيرة لشعب فقير !.

ومع المصادقة على منع استيراد البالات.. نتساءل ماهو البديل الذي تقدمه الحكومة لأبنائها على طريق دعم الملابس التي تتناسب وثراء العراقيين؟ هل فكرت الحكومة في اسلوب يدفع عن الفقراء الأثار المرضية والنفسية عن ابناء الشعب قبل أن يتم إلغاء استيراد البالات؟

على الحكومة أن تكون جادة في توفير الملابس عن طريق دعم الاستيرادات الحكومية منها وتفعيل دور "الأسواق المركزية" في ذلك، ليتسنى للعراقيين أن يتمتعوا بثروتهم وأن يساعدهم هذا الدعم على توفير الملابس اللائقة لأبنائهم بعيداً عن أمراض البالات.. نعتقد أنه وقت طويل سيمر قبل أن تنتهي من أسماعنا صرخة كَسر بالة.

[email protected]

 

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/كانون الثاني/2013 - 9/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م