تركيا الجديدة هل تعيد مجازر الارمن مع الشيعة؟

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: معظم الدول التي كان لها حضور كبير ومكثف على مسرح السياسة العالمية منذ قرون طويلة، لها ارث كبير من التجاوزات والمآسي التي اوقعتها على البلدان التي كانت تحت سيطرتها، كثير من تلك الدول، وبعد انحسار نفوذها، قدمت اعتذارات لتلك المآسي التي كانت سببا فيها الى تلك الشعوب، رغم تأخر تقديم تلك الاعتذارات.. كما حدث مع فرنسا واعتذارها للجزائريين، وكما حدث في امريكا واعتذارها العملي للعبيد حيث قامت الحرب الامريكية بين الشمال والجنوب لتحريرهم.

تركيا الحالية هي وريثة للامبراطورية العثمانية، التي شكل وجودها في البلدان التي حكمتها، وجودا حمل صبغة الخلافة الاسلامية التي تقلبت بين امويين وعباسيين ومماليك وغيرهم.

في كل مفصل من مفاصل تلك الامبراطورية، كان التاريخ الى جانب المنتصرين العثمانيين، فالتاريخ دائما مايحفل بالمنتصر على حساب الضحية، ثم ان ما ارتكبه العثمانيون، هو في المحصلة النهائية يجد تبريرا له من كتاب التاريخ ومن وعاظ السلاطين طالما تلك الامبراطورية تضع على اكتافها بردة النبي العربي (ص)، وطالما ان تلك المآسي كانت بهدف تثبيت حكم الاسلام العثماني، وطالما ان الضحايا ثمن مقبول لهذا الحكم.

تركيا الحالية لاتختلف عن اسلافها. فهي من اجل نفوذ تريده ان يمتد الى الكثير من الدول، والتي تعتبرها حديقتها الخلفية، استطاعت ان تمسك بالورقة الطائفية، على اعتبار انها حامية السنة في العالم العربي والمدافعة عن حقوقهم.

التجربة السورية لازالت فصولها تتوالى، ويتوالى معها الدور التركي، الذي فجر بتدخله صراع المذاهب على الارض السورية، واختفت شعارات (سلمية .. سلمية) وارتفع صوت السلاح وارتفعت معه اصوات التحذير من حرب اهلية قد تمتد الى جميع الشرق الاوسط.

تركيا في تدخلها السوري، ترفع شعارات التحرر والديمقراطية وحقوق الانسان، كما تريد التدخل في العراق مدفوعة بنفس تلك الشعارات، وشعارات طائفية اخرى تظهر الى السطح بين فترة واخرة. تركيا هي نفسها التي تمتلك ارثا دمويا مع مكونات الشعوب التي حكمتها ولم تعترف تركيا بمسؤوليتها عن تلك المجازر وبالتالي لم تعتذر عن هذا الارث الملطخ بالدماء، وتدافع عنه امام اتهامات الاخرين.. ولعل ابرز الامثلة لتلك التجاوزات التي لم تعتذر عنها تركيا، وتحاول تكرارها في سوريا وفي العراق هي مجازر الارمن في العام 1915.

كتب الكثير عن تلك المجازر بحق الارمن، ومن ذلك كتاب (المجزرة الأرمنية ١٩١٥ والرد الأمريكي) لاستاذ الاداب والفلسفة الانسانية في جامعة كولفيت بالولايات المتحدة هاربير كولينز.

يقول المؤلف: كانت الامبراطورية العثمانية متسامحة نسبياً مع الاقليات الدينية. ولكنها أصبحت متشددة اكثر فأكثر كلما اقتربت من نهاياتها وشعرت بالانحطاط والعجز. سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي. وعندئذ تدخلت القوى العظمى الاوروبية لمنعها من اضطهاد الاقليات المسيحية وعلى الرغم من ذلك فإن المسلمين اصبحوا يحقدون على الاقليات المسيحية ويفكرون بالبطش بها وبخاصة في منطقة الاناضول الشرقية حيث كانت تسود الفوضى الى حد كبير. واضطر الارمن عندئذ الى حمل السلاح عامي ١٨٥٩ و ١٨٧٥ من اجل الدفاع عن انفسهم.

ولكن السلطان عبد الحميد قرر اضطهاد الارمن قبل ان ينالوا استقلالهم كما فعل الاغريق والبلغاريون وهكذا ابتدأت المجازر بين عامي ١٨٩٤ ـ ١٨٩٦ وفي مناطق الاناضول الشرقية على وجه التحديد. ويقال بأن هذه المجازر ادت الى قتل ما لا يقل عن مئة وخمسين ألف ارمني وعندئذ تدخلت القوى العظمى لمنع استمرار المجازر واتخذت مجموعة من القرارات في مؤتمر برلين المكرس لهذا الغرض.

مع اندلاع الحرب العالمية الاولى اصبح الارمن محصورين بين القوتين العدوتين: روسيا القيصرية من جهة، وتركيا العثمانية من جهة اخرى، وعندئذ انضمت القوات الارمنية الى روسيا ضد تركيا وكان عددها ١٨٠ الف رجل وهذا ما ازعج تركيا كثيراً فقررت التخلص من الارمن جملة وتفصيلاً باعتبارهم طابوراً خامساً وقرر قادة تركيا الفتاة ومن بينهم طلعت باشا وجمال باشا طرد السكان الارمن من اراضيهم الى صحراء سوريا والعراق ثم يردف المؤلف قائلاً: وابتدأت المجزرة الكبرى فعلا بتاريخ ٢٤ ابريل ١٩١٥ ، ففي ذلك اليوم المشهود اعتقلت السلطات التركية ستمئة زعيم ارمني في اسطنبول وصفتهم جسدياً عن بكرة ابيهم! وسرح كل الجنود الموجودين في الجيش التركي من أصل أرمني ثم ارسلوا الى الاعمال الشاقة وقتلوا هناك.

ثم تلقى الارمن العائشون في منطقة الاناضول الشرقية انذاراً بمغادرة منازلهم خلال اربع وعشرين ساعة وإلا قتلوا عن بكرة ابيهم وعندما خرجوا من قراهم تمت تصفية كل الرجال الاصحاء وسمح فقط للنساء والاطفال والشيوخ بالهرب سيراً على الأقدام مسافة مئات الكيلومترات دون غذاء أو دواء. وفي اثناء الطريق اغتصبت نساؤهم ونكل بالباقين حتى قتل معظمهم بشكل أو بآخر. وانضمت القبائل الكردية والتركمانية الى الجنود العثمانيين من اجل التنكيل بالارمن. وخلال عام أو اكثر قليلاً قتل ما لا يقل عن مليون ارمني: اي نصف عدد سكان الارمن العائشين في ظل الامبراطورية العثمانية اما الاتراك فلا يعترفون بقتل اكثر من ثلاثمئة الف شخص، ويرفضون القول بأن العملية قد تمت بتخطيط أو سابق قصد واصرار. يوجد شبه اجماع بين مؤرخي العالم كله على ادانة الحكومة التركية في ذلك الوقت اي عامي ١٩١٥ـ ١٩١٦ باعتبار انها ارتكبت اول مجزرة كبرى في تاريخ القرن العشرين، وفي عام ١٩٧٩ وجهت لجان حقوق الانسان نداء في جنيف الى الجماعة الدولية بأسرها وكان مما جاء فيه : لقد حصلت مجزرة كبرى في ظل حكومة تركيا الفتاة عام ١٩١٥ وذهب ضحيتها مالا يقل عن مليون ونصف ارمني وهذه المجزرة اصبحت الآن حقيقة تاريخية لا يرقى اليها الشك. وقد تمت تصفيتهم بشكل وحشي لاسباب طائفية وعرقية وثقافية واقتصادية، انها مجزرة ضد الانسانية نظرا لضخامتها وعدد ضحاياها.

في العام 2011 اصدر الرئيس الأمريكي الحالي باراك اوباما بيانا بمناسبة احياء الذكرى السنوية السادسة والتسعين للمجازر التي تعرض لها الأرمن إبان حكم السلطنة العثمانية، ندد فيه بالمجازر إلا أنه تجنب صراحة وصف هذه المجازر بـ (الإبادة).

وطالب أوباما تركيا بالاعتراف الكامل بمجازر الأرمن التي وصفها بأنها (أحداث مروعة).

وتابع أوباما قائلا في بيانه (لطالما كونت رأيي الشخصي في شأن ما حدث عام 1915 ووجهة نظرى حيال هذه الأحداث لم تتغير، واعتبر أن مجرد اعتراف كامل وصريح بالأحداث يصب في مصلحة الجميع).

ورأى أوباما أن التنازع على التاريخ يهز الحاضر ويلطخ ذكرى الذين سرقت حياتهم، أما المصالحة مع الماضي فتقيم أساسا متينا لبناء مستقبل مشترك آمن ومزدهر.

وكانت العلاقات بين واشنطن وأنقرة قد شهدت توترا دبلوماسيا عام 2009 بعد أن أقرت لجنة في الكونجرس الأمريكي مشروع قانون يصف المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن إبان الحكم العثماني بـ (الإبادة) مما أثار غضب أنقرة التى استدعت آنذاك سفيرها في واشنطن.

تركيا الحالية في زمن اردوغان تنوء بهذا الارث الدموي الذي يجسد عقليتها الامبراطورية غير العابئة بالحياة الانسانية، وهي على استعداد لاعادة التاريخ مرة اخرى في سوريا كما هو حاصل الان، او اعادته في العراق لو قدر للمخططات القطرية والتركية والسعودية ان تنجح في جر الشيعة والسنة الى اقتتال طائفي جديد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/كانون الثاني/2013 - 8/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م