التغيرات المناخية... مشكلة تتفاقم وحلول مؤجلة

 

شبكة النبأ: تعتبر التغيرات المناخية واحده من أهم المخاطر التي تهدد سكان العالم اجمع ويخشى العلماء يخشون من استفحال خطر هذه الظاهرة التي باتت شبح مخيف يهدد الحياة بصوره عامة ، مؤكدين في الوقت ذاته على ضرورة الإسراع بإيجاد خطط دولية سريعة وعاجلة لتفادي هذا الخطر الكبير، وفي هذا الشأن نوع جديد من موجات الحر يسبب موجات جفاف أشد يمكن أن يكون المعيار الطبيعي يرسم التقرير الجديد الذي تم إصداره قبل أيام من محادثات الأمم المتحدة حول تغير المناخ صورة مخيفة لعالم ترتفع فيه درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية عن معدلاتها الطبيعية بنهاية هذا القرن. وفي حالة حدوث مثل هذا السيناريو، من المحتمل أن يكون هناك "نوع جديد من موجات الحر" بدرجات لم تعرف من قبل، كما جاء في التقرير الذي حمل عنوان "اخفضوا الحرارة: لماذا يجب أن نتجنب ارتفاع درجة حرارة العالم بمقدار أربع درجات مئوية".

وفي ظل هذا السيناريو قد تبدو موجات الحر الحالية في أفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط التي تزيد فيها درجات الحرارة عن 40 درجة مئوية بصفة مستمرة وكأنها درجات حرارة لطيفة في غضون عقود قليلة. كما قد يؤدي ارتفاع درجة الحرارة بأربع درجات بنهاية القرن إلى تراجع مخزونات الغذاء العالمية وارتفاع مستوى سطح البحر، مما سيؤثر سلباً على مئات الملايين من البشر.

وقال التقرير الذي يجمع أحدث علوم المناخ وأعده للبنك الدولي كل من معهد بوتسدام لبحوث تأثير المناخ ومؤسسة تحليلات المناخ الألمانية غير الحكومية، أنه في مثل هذا السيناريو لن يكون هناك يقين بأن التكيف سيكون ممكناً. ويعتبر اتخاذ خطوات للسيطرة على درجات الحرارة العالمية عن طريق الحد من انبعاث الغازات الدفيئة أحد القضايا الرئيسية التي سيتم مناقشتها في.

ويقول التقرير أن علامات المعدل الذي تزداد فيه سخونة الأرض أصبحت أكثر وضوحاً. "فمساحة اليابسة التي تأثرت بالجفاف. قد زادت بدرجة كبيرة خلال الـ 50 عاماً الماضية بمعدل أسرع قليلاً مما توقعته النماذج المناخية". وذكر التقرير أن موجة الجفاف التي شهدتها الولايات المتحدة عام 2012 أثرت على نحو 80 بالمائة من الأراضي الزراعية، مما جعلها أشد موجة جفاف منذ الخمسينيات مسجلة بذلك درجات حرارة غير مسبوقة.

وقد حذر العلماء الدول للحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ما دون درجتين بحلول نهاية القرن- وإلا فنحن في طريقنا إلى ارتفاع درجة الحرارة بنحو أربع درجات. وحتى ارتفاع درجات الحرارة العالمية بمقدار درجتين بنهاية هذا القرن– وهو ما يتوقعه الكثيرون - سيكون ذا تأثير كارثي يتمثل في الإجهاد المائي في البلدان القاحلة وشبه القاحلة، والمزيد من الفيضانات في المناطق الساحلية المنخفضة، وتآكل السواحل في الدول الجزرية الصغيرة، والقضاء على ما يقرب من 30 بالمائة من الأنواع النباتية والحيوانية.

وتشير توقعات اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ- وهي المرجعية العالمية لعلوم المناخ- إلى أنه إذا ظلت انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية بلا تغير، فمن الممكن عندها حدوث ارتفاع في درجة الحرارة بمقدار 2.2 درجة مئوية بحلول عام 2050. ويقول تقرير معهد بوتسدام لبحوث تأثير المناخ ومؤسسة تحليلات المناخ أن "الدليل العلمي الحالي يشير إلى أنه حتى مع الالتزامات الحالية والتعهدات التي نفذت بالكامل هناك احتمال 20 بالمائة تقريباُ في تجاوز الأربع درجات مئوية بحلول عام 2100 واحتمال 10 بالمائة في تجاوز الأربع درجات مئوية في وقت أقرب بحلول عام 2070".

ولكن التقرير يقول أن "ارتفاع درجة الحرارة لن يتوقف عند هذا الحد. فبسبب الاستجابة البطيئة للنظام المناخي، فإن انبعاثات الغازات الدفيئة والتركيزات التي من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية بحلول عام 2100 سوف تفرض على العالم ارتفاع درجة الحرارة بدرجة أكبر بمعدل يتجاوز 6 درجات مئوية أو أكثر على المدى الطويل، مع ارتباط ارتفاع درجة الحرارة بارتفاع مستوى سطح البحر لعدة أمتار. ''على مدى الـ 30 إلى 90 عاماً القادمة يمكن لجنوب أفريقيا والولايات المتحدة وجنوب أوروبا والبرازيل وجنوب شرق آسيا أن يواجهوا موجات جفاف أكثر حدة وتواتراً''

وقال جون شيلنهوبر، مدير معهد بوتسدام لبحوث تأثير المناخ أن "استجابات نظام الأرض لتغير المناخ تبدو غير خطية. وإذا غامرنا بمسافة أبعد من حد الدرجتين باتجاه حد الأربع درجات مئوية فإن خطر تجاوز نقطة اللاعودة يزداد بشكل حاد. والطريقة الوحيدة لتجنب ذلك هي كسر نمط العمل على النحو المعتاد في مجال الانتاج والاستهلاك".

ويهدف التقرير إلى "احداث صدمة تدفعنا إلى العمل" طبقاً لما ذكره جيم يونج كيم، رئيس البنك الدولي في مقدمة التقرير. "فالعالم الذي ترتفع فيه درجة الحرارة بأربع درجات مئوية من المتوقع أن يكون عالم تواجه فيه المجتمعات والمدن والبلدان اضطرابات شديدة ودمار وتفكك مع انتشار العديد من تلك المخاطر بصورة غير متساوية. ومن المتوقع أيضاً أن يعاني الفقراء أشد المعاناة وأن يصبح المجتمع الدولي أكثر تمزقاً وظلماً عما هو عليه الآن".

ويمكن للحياة التي نعرفها حالياً أن تتغير بشكل كبير. وقال التقرير مستشهداً بدراسات جديدة أنه على مدى الـ 30 إلى 90 عاماً القادمة يمكن لجنوب أفريقيا والولايات المتحدة وجنوب أوروبا والبرازيل وجنوب شرق آسيا أن يواجهوا موجات جفاف أكثر حدة وتواتراً. وبنهاية القرن سيكون 43 إلى 50 بالمائة من سكان العالم يعيشون في بلدان تعاني من ندرة المياه مقارنة بنسبة 28 بالمائة في الوقت الحالي.

وقال التقرير أن الدول الموجودة في المنطقة الاستوائية في أمريكا الجنوبية ووسط أفريقيا وجميع الجزر الاستوائية في منطقة المحيط الهادئ سوف "تواجه درجات حرارة شديدة غير مسبوقة بحيث تصبح تلك الدرجات هي المعدل المعتاد في جميع شهور السنة". وفي الحقيقة فإن أبرد الشهور في تلك الدول الآن يمكن أن تصبح بنهاية القرن أكثر سخونة من أكثر الشهور دفئاً حالياً. ومن التأثيرات المتوقعة لإحدى وثلاثين دولة نامية هناك 10 مدن تمثل ثلثي إجمالي التعرض للفيضانات الشديدة.

وفيما يلي بعض نتائج التقرير:

• حدوث موجات حر شديد (التي في غياب ظاهرة الاحترار العالمي يتوقع حدوثها مرة كل عدة مئات من السنين) طوال فترة الصيف بالكامل تقريباً في العديد من المناطق. ولن تكون التأثيرات موزعة بالتساوي. ومن المتوقع أن تتراوح أكبر زيادة في ارتفاع درجة الحرارة ما بين 4 إلى 10 درجات مئوية. كما يتوقع حدوث زيادة بمقدار 6 درجات مئوية أو أكثر في متوسط درجات الحرارة في أشهر الصيف في منطقة البحر المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء من الولايات المتحدة.

• من المتوقع حدوث ارتفاع في مستوى سطح البحر بمعدل 0.5 إلى واحد متر بحلول عام 2100، مع امكانية تسجيل ارتفاع أكبر من ذلك. وأكثر المدن عرضة لهذا الخطر موجودة في دول مثل موزمبيق ومدغشقر والمكسيك وفنزويلا والهند وبنجلاديش واندونيسيا والفلبين وفيتنام.

• أكثر المناطق ضعفاً هي المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية وناحية القطبين حيث يتوقع أن تجتمع تأثيرات متعددة معاً.

• من المتوقع أن تتضرر الزراعة وموارد المياه وصحة الإنسان والتنوع البيولوجي وخدمات النظام البيئي. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى نزوح السكان بشكل واسع النطاق وسيكون لذلك عواقب على الأمن البشري والنظم الاقتصادية والتجارية. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

• قد لا تستطيع العديد من الجزر الصغيرة الحفاظ على سكانها. وقد حث البنك الدولي البلدان على التحرك نحو الاقتصادات الصديقة للبيئة والإقلال من استهلاك الوقود الأحفوري والاستثمار في البنية التحتية القادرة على تحمل درجات الحرارة القصوى والصدمات المناخية الأخرى.

إنقاذ البشر والشجر

في السياق ذاته يقول دعاة حماية البيئة منذ فترة طويلة أن هذه الآلية يجب أيضاً أن تحمي التنوع البيولوجي والمجتمعات التي تعتمد على الغابات. وأصبح لهذا التفكير جمهور أكبر من ذي قبل. وظهرت آلية خفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها (REDD) وخليفتها، المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها (التي تهدف أيضاً إلى عكس خسارة الغابات)، بعد سنوات من مفاوضات الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ. والآلية مصممة في الوقت الحالي لتوفير حوافز مالية مقابل الحفاظ على الغابات، وإعطاء قيمة نقدية للكربون الذي تمتصه الغابات، ولكن تنفيذها متوقف منذ فترة طويلة بسبب التساؤلات حول أحكامها وتمويلها.

وقد يساعد التقييم الجديد من قبل الاتحاد الدولي لمنظمات البحوث الحرجية، وهو أكبر شبكة من علماء الغابات في العالم، واضعي السياسات على إعادة تشكيل المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها من أجل تحقيق نتائج أفضل. ويبين التقييم أن الجهود الرامية إلى الحفاظ على الغابات بغرض الحد من الانبعاثات لا يمكن أن ينجح دون حماية التنوع البيولوجي ورفاه سكان الغابات.

كما تعزز هذه النتائج الحجج التي تسوقها جماعات الضغط الداعية للحفاظ على البيئة وغيرها منذ سنوات، مما سيساعد على إقناع صناع القرار في نهاية المطاف. وقال ستيفن لينارد، رئيس برنامج عدالة المناخ، وهي منظمة غير حكومية قانونية، "أعتقد أن الحوار قد تحول بشكل كبير للغاية، وخاصة من حيث الاعتراف بأن النهج متعدد الفوائد - أي فوائد للكربون والمجتمع والتنوع البيولوجي - مهم لتحقيق نتيجة على المدى الطويل. إن الأمر يتعلق بكيفية تحقيق وتحفيز ذلك".

وتقوم الغابات بإزالة كمية هائلة من الكربون من الجو؛ إذ تمتص النظم البيئية والمحيط 57 بالمائة من الكربون المنبعث من البشر. من ناحية أخرى، تساهم إزالة الغابات بما بين 12 و20 بالمائة من انبعاثات الغازات الدفيئة السنوية في العالم - وهي النسبة ذاتها التي يساهم بها قطاع النقل تقريباً، وفقاً للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ - مما يجعلها ثاني أكبر مصدر للانبعاثات الناجمة عن البشر. ويقول دعاة حماية البيئة أن النظام البيئي المتنوع هو الأكثر فعالية في إزالة الكربون من الجو وتنظيم المناخ.

ويمكن للتنوع البيولوجي أن يساعد أيضاً في معالجة الاحتياجات التنموية لسكان الغابات المهمشين، وتوفير مصادر الرزق مثل زراعة أشجار الفاكهة، وجمع النباتات الطبية، أو حتى الحصاد المستدام للحوم الحيوانات البرية. وتضطر العديد من هذه المجتمعات حالياً لقطع الأشجار من أجل البقاء، فإزالة الغابات الناجمة بصورة أساسية عن استمرار تحويل الغابات إلى أراض زراعية هي السبب الرئيسي في فقدان التنوع البيولوجي على الأرض.

وقد لقي اقتراح آلية خفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها القبول أثناء اجتماع حول اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عام 2007 في بالي بإندونيسيا. وعلى الرغم من إجراء مناقشات حول التنوع البيولوجي وسكان الغابات، ركزت الآلية في نهاية المطاف على المكافآت النقدية مقابل الحفاظ على الغابات.

الجدير بالذكر أن المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها، التي صممت في البداية لصالح البلدان ذات الغابات المطيرة، تغطي الآن جميع البلدان النامية. ووفقاً للمبادرة يمكن تعويض الدول عن الحفاظ على الغابات عن طريق أحد الصناديق أو في صورة أرصدة يتم تداولها في أسواق الكربون الدولية.

وقد واصل النشطاء محاولاتهم لتلبية حقوق مجتمعات الغابات الأصلية والتنوع البيولوجي في اجتماعات الاتفاقية الإطارية اللاحقة. وأثناء انعقاد اجتماع عام 2010 لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في كانكون بالمكسيك، تم أخيراً الاعتراف بكون هذه القضايا بمثابة "ضمانات" أو شروط ينبغي على البلدان تلبيتها من أجل التأهل للحصول على تمويل من المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها.

وقد طُلب من الهيئة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجية التابعة للاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ إعداد توجيهات بشأن كيفية تنفيذ ذلك، كما أشار تقرير لمنظمة السلام الأخضر. لكن العملية "توقفت إلى حد ما" خلال اجتماع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في ديربان في جنوب أفريقيا في عام 2011، كما ذكر التقرير، "ورأى كثيرون أن بعض الحكومات كانت تتراجع عن التزاماتها بشأن الضمانات".

ولم يتم بعد وضع سياسات لتنفيذ الضمانات الخاصة بالمبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها. وأكد باسكار فيرا، وهو محاضر بارز في جامعة كامبريدج وأحد الخبراء الذين أجروا تقييم الاتحاد الدولي لمنظمات البحوث الحرجية، أن التنوع البيولوجي وسكان الغابات "لا يمكن أن يكونوا مجرد شروط، بل يجب أن يكونوا الأهداف الرئيسية للمبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إالة الغابات وتدهورها. ويرى التقرير أن السعي لتحقيق الأهداف الاجتماعية، جنباً إلى جنب مع المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها، سيزيد من احتمال تحقيق الأهداف المتعلقة بالكربون والتنوع البيولوجي". ''أي برنامج لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها يركز فقط على الكربون يخاطر بفقدان الغابات من أجل الحفاظ على الأشجار''

وقد بدأ هذا التفكير يكتسب تأييداً، فقد أعرب لينارد من برنامج عدالة المناخ عن اعتقاده بأن "هناك بعض التحول في النظرة إلى الضمانات ... ويراها عدد أقل كشروط، وعدد أكبر كعوامل مساعدة". قال رومان جبينياك، المستشار السياسي البارز بشأن تغير المناخ والغابات في منظمة السلام الأخضر: "نحن نتفق على أن حماية حقوق مجتمعات الغابات والتنوع البيولوجي يجب أن تكون الهدف الرئيسي للمبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها ... وأي برنامج لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها يركز فقط على الكربون يخاطر بفقدان الغابات من أجل الحفاظ على الأشجار".

وكان هذا الرأي المختلف عن المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها واضحاً خلال اجتماع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، الذي عُقد هذا العام في بانكوك، عاصمة تايلاند. وأشارت ورقة توفر معلومات عن الاجتماع أعدها الفريق المعني بضمانات المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها إلى أن "التمويل المقدم من المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها ينبغي أن يتجاوز فوائد الكربون ... من أجل تحقيق فوائد متعددة ... ومن المرجح أن يسفر عن نتائج طويلة الأمد".

ويتفق الكثير من العلماء مع وجهة النظر هذه. "فهناك أدلة واضحة على أن ضم الأهداف المتعلقة بتحسين سبل عيش الأشخاص والمجتمعات المحلية المعتمدين على الغابات سوف يعزز المشاركة والقبول المحلي، وبالتالي يدعم أهداف المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها،" كما أوضح كريستوف وايلدبرغر، منسق مبادرة المجالس العالمية لخبراء الغابات التابعة للاتحاد الدولي لمنظمات البحوث الحرجية.

وأضاف قائلاً: "لذلك، ينبغي أخذ الآثار الاجتماعية والاقتصادية بعين الاعتبار في المراحل المبكرة من تخطيط وتنفيذ المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها. كما يجب التأكيد على أهمية الحيازة وحقوق الملكية، بما في ذلك حقوق الوصول والاستخدام، والملكية على وجه الخصوص، نظراً لأنها حاسمة لضمان النجاح المستدام لأنشطة المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها".

وقد بدأت عدة دول بالفعل في تطوير معايير الضمانات الوطنية الخاصة بها. وقال نيلز هيرمان رانوم، رئيس شعبة السياسات والحملات في المؤسسة النرويجية للغابات المطيرة Regnskogfondet: "من غير المرجح أن يؤدي التركيز الضيق على الكربون إلى النتائج التي كنا نأمل بتحقيقها من خلال المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها - وهي حماية التنوع البيولوجي وتعزيز حقوق وسبل عيش الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية – ولذلك فإنني أعتقد أن علينا إعادة النظر في كيفية تعريفنا لنتائج المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها".

لكن حتى وإن كانت المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها تبدو وكأنها آخذة في التطور، يشعر الكثيرون أن العملية برمتها في وضع حرج بسبب الافتقار إلى الإرادة السياسية. وفي مؤتمر ديربان الذي عقد عام 2011، تمكنت الدول من الاتفاق على تمديد بروتوكول كيوتو، الذي يهدف إلى الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، حتى عام 2017، ولكن على الرغم من المحادثات الشاقة التي استغرقت جلستين امتدتا على مدار الليل، فشل المتفاوضون في التوصل إلى اتفاق بشأن الأهداف المنقحة للحد من الانبعاثات.

وبعد سنوات من المحادثات، فشلت البلدان مراراً وتكراراً في الاتفاق على خطة تغطي فترة ما بعد انتهاء معاهدة كيوتو. وأشارت الورقة التي أعدها الفريق المعني بضمانات المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها إلى وجود "اعتراف متزايد بأن أي نموذج ضيق يستند فقط إلى السوق للحصول على رصيد مقابل خفض الانبعاثات ... لن يكون مجدياً على المدى القصير نظراً لمحدودية الإرادة السياسية لوضع أهداف صارمة وطموحة للتخفيف من آثار الانبعاثات". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

ويعتقد جبينياك أنه حتى الرؤية المتغيرة للمبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها قد لا تسفر عن نتائج ملموسة، وأضاف قائلاً: "أنا لم أر تقدما إيجابياً يذكر ... ليس هذا العام، ولا حتى منذ انعقاد مؤتمر كانكون ... ولا أتوقع تحقيق تقدم إيجابي ملموس في الدوحة ... نظراً لحالة الجمود السائدة حول العديد من القضايا والافتقار العام للإرادة السياسية لتنفيذ برامج تخفيض الانبعاثات القائمة على العلم، فضلاً عن نقص التمويل المطلوب لتحقيقها".

نقص التمويل

الى جانب ذلك ومع بدء محادثات الأمم المتحدة حول تغير المناخ تسلط سلسلة جديدة من الأوراق البحثية الضوء على القضايا التي لم تجد حلاً وتثير تساؤلات حول نوعية وكمية المساعدات المتاحة لمساعدة الدول الفقيرة على التكيف مع زيادة درجات الحرارة على كوكب الأرض. وتجدر الإشارة إلى أن الدول الغنية لم تف بالتزاماتها بموجب إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، التي تدعوها إلى تقديم الأموال اللازمة لتمكين الدول الفقيرة من التكيف مع تغير المناخ.

وكان هذا هو الاستنتاج الذي توصلت إليه عدة دراسات حديثة استخدمت مجموعة متنوعة من النهج لدراسة كيفية وفاء البلدان الغنية بالتزاماتها. وتشمل المشاكل التي تم تحديدها: تناقضات في الإبلاغ عن الأموال المخصصة لجهود التكيف، وعدم وجود فهم مشترك لمعنى "التكيف" و "الضعف"، وانعدام الشفافية. وتقول دراسة أعدت لصالح المعهد الدولي للبيئة والتنمية، الذي يتخذ من لندن مقراً له، أن نقص المعلومات وانعدام الشفافية "جعلا من الصعب جداً" تقييم مساعدة البلدان الغنية لنظيراتها الفقيرة بغرض الحد من التعرض لمخاطر تغير المناخ.

مع ذلك، فقد ظهر مؤشر قدمه صندوق أقل البلدان نمواً - وهو مورد يعاني من نقص التمويل بشكل صارخ أُنشئ بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ من أجل مساعدة أفقر البلدان على التكيف مع تغير المناخ. وقد تلقى صندوق أقل البلدان نمواً 536.7 مليون دولار فقط من أصل 3 مليارات دولار المطلوبة. وتم توجيه اثنين بالمائة فقط من الأموال التي تعهدت بها الدول الغنية في عام 2009 لبدء برامج التكيف من خلال صناديق الأمم المتحدة مثل صندوق أقل البلدان نمواً. "يمكن القول بثقة أن هناك حاجة ملحة لتحسين الوضع،" كما أشار تقرير المعهد الدولي للبيئة والتنمية.

وعلى الرغم من النداءات المتكررة لتوفير كميات متساوية من الأموال لمشاريع التكيف والمشاريع الرامية إلى التخفيف من حدة تغير المناخ، فإن خُمس التمويل الإجمالي لبرامج تغير المناخ فقط يخصص لبرامج التكيف. وأكد الباحثون في المعهد الدولي للبيئة والتنمية، الذين ينتمون جميعاً إلى جامعة براون في الولايات المتحدة ويقودهم ديفيد سيبلت، أن "أقل من نصف الأموال التي تم الالتزام بدفعها كانت من المنح".

''مجرد بناء ملاجئ الأعاصير والجدران الواقية من الفيضانات لا يكفي. ينبغي على الجهات المانحة والبلدان النامية إظهار أن المجتمعات الضعيفة أكثر قدرة على السيطرة على مستقبلها في مواجهة الضغوط الجديدة الناجمة عن تغير المناخ'' وأوضح سيبلت، الذي كتب اثنين من الأوراق العلمية الحديثة حول هذا الموضوع، أن قرارات إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "توفر أساساً قوياً لنهج قائم على العدالة وموجه لتمويل برامج التكيف. مع ذلك، وفي الممارسة العملية، عكس تمويل برامج التكيف مصالح البلدان المتقدمة أكثر بكثير من مبادئ العدالة التي تبنتها جميع الأطراف". كما وجد تقرير المعهد الدولي للبيئة والتنمية، الذي قام بقياس التزامات الدول الغنية مقارنة بقدرتها أو دخلها القومي وحصتها من الانبعاثات، أن مساهمة اليابان والنرويج أعلى بكثير من حصتيهما - 291 بالمائة و 49 بالمائة، على التوالي.

ولكن وجدت دراسة أخرى أعدتها منظمات غير حكومية أخرى، هي جرمان ووتش والخبز من أجل العالم أن أنشطة التكيف الظاهري التي تمولها اليابان والولايات المتحدة (أكبر ممولين لمشاريع المناخ) في البلدان الفقيرة لا يمكن وصفها بدقة بأنها ذات صلة بالتكيف. وقد ظلت مسؤولية دفع الأموال لمساعدة الدول الفقيرة على التكيف مع تغير المناخ نقطة خلاف منذ زمن طويل. وتصر البلدان الفقيرة على أن الأموال المخصصة لتمويل برامج تغير المناخ يجب أن تكون "جديدة وإضافية" للمساعدات الإنمائية الرسمية التي تقدمها الدول الغنية. وهذا ما دفع لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2010 إلى تطوير نظام إبلاغ يميز مشاريع التكيف عن المساعدات الإنمائية الأخرى.

ويسجل هذا النظام المشاريع على أساس أهدافها؛ فالمشاريع التي تعتبر التكيف مع تغير المناخ هدفها الرئيسي تحصل على نقطتين، والمشاريع التي تعتبر التكيف هدفاً ثانوياً تحصل على نقطة واحدة فقط. مايتي نكوانا ماشاباني، رئيسة الدورة السابعة عشرة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ المنتهية ولايتها، تلقي كلمة أمام الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الأطراف الثامن عشر في الدوحة

وقد أبلغ النظام عن المجموعة الأولى من بياناته هذا العام، والتي فحصتها منظمتا جرمان ووتش والخبز من أجل العالم. ووجد الباحثون أن حوالي 65 بالمائة من جميع الأنشطة المذكورة لم تكن ذات علاقة بالتكيف على أرض الواقع. فعلى سبيل المثال، تم إدراج العديد من المشاريع التي تهدف إلى توفير مياه الشرب النقية كأنشطة تكيف. ومن بين الـ35 بالمائة المتبقية، لم يتم تصنيف سوى نصفها بالطريقة الصحيحة، في حين أن معظم الأنشطة المتبقية كانت "تتسم بترميز مبالغ فيه"، مما يوحي بشكل غير صحيح بأن التكيف هو الهدف الرئيسي.

وقد لخص الكاتبان ليزا جنغانز وسفين هارملينغ المشكلة في كونها عدم فهم محتمل لمصطلح "التكيف"، لأن من يقومون بترميز المشاريع يكونون في الكثير من الأحيان من المسؤولين غير الخبراء بقضايا المناخ. ولكنهما أضافا أنه "على الرغم من أن هذه الممارسة قد تؤدي بالفعل إلى أخطاء في الترميز، يتم تضخيم الخطر نظراً لعدم إعادة فحص المشاريع من قبل مسؤولي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، وهذا، على حد قولهما، يثير تساؤلات خطيرة حول "مدى تعمد البلدان ترميز مشاريعها بشكل خاطئ".

ويوصي هارملينغ بأن تشير المشاريع إلى أهدافها ونتائجها، وأن يتم تمييزها عن أنشطة التنمية أو حماية البيئة. وقال أيضاً أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد تحتاج إلى تقديم "أمثلة على ما لا ينبغي أن يعتبر مشروعاً للتكيف مع تغير المناخ". وقالت فاليري غافو، وهي محللة إحصائية لدى منظمة التعاون والتنمية، أن المنظمة ستتولى مراجعة البيانات في مطلع العام ، مما "سيوفر فرصة لإعادة فحص" النقاط التي أثارتها الورقة البحثية.

من ناحية أخرى، قالت سارة ويغينز، مسؤولة سياسة المناخ في المنظمة غير الحكومية تيرفند (Tearfund)، أن التكيف مع تغير المناخ لا ينبغي فصله عن جهود التنمية، بل تؤكد هي وزملاؤها أنه ينبغي دمجه في تلك الأنشطة. "كما ينبغي تصميم أي مشاريع تهدف إلى التكيف مع تغير المناخ بحيث تضمن استمرار التنمية،" كما أشارت الورقة البحثية. ويقول الباحثون أيضاً أن الجهات المانحة تتعرض لضغوط لإظهار نتائج سريعة، لكن "مجرد بناء ملاجئ الأعاصير والجدران الواقية من الفيضانات لا يكفي إذ ينبغي على الجهات المانحة والبلدان النامية إظهار أن المجتمعات الضعيفة أكثر قدرة على السيطرة على مستقبلها في مواجهة الضغوط الجديدة الناجمة عن تغير المناخ، وكذلك في التصدي للضغوط المختلفة التي يواجهونها".

ويقترحون أن يكون لكل بلد فقير "آلية تمويل التكيف الشفافة والخاضعة للمساءلة الخاصة به، التي يمكن استثمار أموال بلدها فيها، ومجموعة من مصادر التمويل الثنائية والمتعددة الأطراف (بحيث لا تعتمد على مصدر تمويل واحد). ومن ثم، يمكنها صرف التمويل لقطاعات ووكالات متعددة". وقد تم مؤخراً تدشين صندوق التكيف، وهو صندوق أنشئ بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، ولقي ترحيباً باعتباره نظاماً أكثر شفافية، لكنه لم يحقق أي تقدم، بحسب المراجعة التي أجراها معهد ستوكهولم للبيئة. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

وتقول كاتبات الدراسة آسا بيرسون وإليز رملينغ وماريون ديفيز أن "سبب وجود صندوق التكيف هو دعم البلدان الضعيفة بشكل خاص، وأن مستوى الضعف هو أيضاً أحد معايير التخصيص". مع ذلك، فإن الصندوق غير قادر على الاتفاق على مجموعة من مؤشرات الضعف لاستخدامها كمعايير لصرف الأموال. وقالت بيرسون أن التوصل إلى تعريف مشترك للضعف - الذي أصبح قضية تشهد تنافساً شديداً في اجتماعات الأمم المتحدة السابقة حول تغير المناخ - يمكن أن يساعد. في غضون ذلك، حثت الباحثات صندوق التكيف على أن يصبح أكثر شفافية بشأن المعايير المستخدمة لتخصيص الأموال.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/كانون الثاني/2013 - 7/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م