سوريا والقاعدة... معارك مفصلية وخسائر باهظة

 

شبكة النبأ: الكثير من الحقائق والمؤشرات تفيد بأن سوريا قد أصبحت اليوم هدف مهم وأساسي لمجاميع التطرف وأعضاء تنظيم القاعدة خصوصا بعد ان تمكن من الحصول على المساعدات الضرورية من الأسلحة والأموال وغيرها والتي قدمت من بعض الدول الإقليمية والعربية بحسب بعض المراقبين، وهو ما أسهم وبشكل فاعل على ان يحصل هذا التنظيم على موطئ قدم مهم استطاع من خلاله ان يعيد توحيد صفوفه ويعوض خسائره السابقة في العراق وتحت الشرعية المعلنة من قبل تلك الأطراف والدول، ويرى بعض المحللين ان تدهور الأوضاع الأمنية في سوريا سيسهم بزيادة قوة هذا التنظيم خصوصا مع تدفق آلاف المقاتلين عبر المعابر الحدودية لبعض البلدان المجاورة وهو ما سيغير الكثير من النتائج وسيسهم بقلب موازين القوى في المنطقة، وفي هذا الشأن قال محققون في مجال حقوق الإنسان تابعون للأمم المتحدة إن مقاتلين من أنحاء العالم تسللوا إلى سوريا للمشاركة في حرب أهلية قسمت البلاد على أسس طائفية. وقد يقلص تعميق الانقسامات الطائفية في سوريا احتمالات أي مصالحة بعد الصراع ويزيد تدفق المقاتلين الأجانب احتمال امتداد الحرب إلى بلدان مجاورة تسودها الانقسامات الطائفية ذاتها التي تقسم سوريا.

وقال فريق المحققين المستقلين الذي يقوده الخبير البرازيلي باولو بينيرو في أحدث تقرير له مكون من عشر صفحات "فيما تقترب المعارك بين القوات الحكومية والجماعات المسلحة المناهضة للحكومة من نهاية عامها الثاني باتت طبيعة الصراع طائفية بشكل صريح." وأضاف أنه نتيجة لذلك يسعى عدد متزايد من المدنيين لتسليح أنفسهم في الصراع المستمر.

وقالت كارين أبو زيد عضو فريق التحقيق في مؤتمر صحفي في بروكسل "ما وجدناه في الأشهر القليلة الماضية هو أن الأقليات التي حاولت أن تبقى بمنأى عن الصراع بدأت في التسلح لحماية نفسها." وذكر التقرير أن طبيعة الأعمال القتالية من الجانبين تمثل "انتهاكا متزايدا للقانون الدولي". واضاف "لشعورها بالتهديد وتعرضها للهجوم تزايد انضمام جماعات الأقلية العرقية والدينية لطرفي الصراع مما يعمق الانقسامات الطائفية." بحسب رويترز.

وقال محققو الأمم المتحدة في تقريرهم بشأن ما توصلوا اليه بعد أحدث المقابلات التي أجروها في المنطقة إن أغلب "المقاتلين الأجانب" الذين تسللوا إلى سوريا للانضمام لمجموعات المعارضين أو القتال بشكل مستقل في صفهم من السنة من دول أخرى في الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وقالت أبو زيد إن المقاتلين "يأتون من جميع الانحاء .. من اوروبا وأمريكا ومن الدول المجاورة بوجه خاص." وأضافت أنه جرى تسجيل أسماء من 29 دولة حتى الآن.

القاعدة في سوريا

من جهة أخرى وبعد أفول نجم القاعدة في العراق عاود التنظيم الظهور في سوريا المجاورة فصعود جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا التي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية يمكن أن يؤدي إلى مواجهة طويلة ودامية. وفي سوريا تستغل الجبهة الانقسام الطائفي المتزايد لتجنيد السنة الذين يرون أن الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد والتي تهيمن على السلطة والأجهزة الأمنية في البلاد تحرمهم من حقوقهم. وأعلنت الجبهة مسؤوليتها عن تفجيرات كبرى ودامية في دمشق وحلب وانضم مقاتلوها إلى وحدات أخرى من المعارضة في هجمات على قوات الأسد.

وتقول مجموعة سايت انتليجنس المتخصصة في مراقبة المواقع الإسلامية على الإنترنت إن جبهة النصرة أعلنت مسؤوليتها في يوم واحد فقط عن 45 هجوما في محافظات دمشق ودرعا وحماة وحمص أفادت تقارير بأنها أسفرت عن مقتل العشرات منهم 60 في تفجير انتحاري واحد. وقالت المجموعة "في 18 بيانا صدرت على منتديات جهادية... معظمها تحتوي على صور للهجمات أعلنت جبهة النصرة مسؤوليتها عن كمائن واغتيالات وتفجيرات وهجمات على قوات الأمن السورية."

وقال أعضاء من المجموعة إن جبهة النصرة تهدف إلى إحياء الخلافة الإسلامية. ويدق ذلك ناقوس الخطر لدى الكثيرين في سوريا من الأقلية المسيحية والعلوية والشيعية إلى السنة المحافظين غير المتشددين الذين يخشون أن تسعى الجبهة إلى تطبيق نظام حكم يشبه نظام طالبان. ودفعت المخاوف من القمع الديني الأكراد بالفعل إلى تحصين منطقتهم في مدينة حلب وكانت وراء اشتباكات عنيفة بين مقاتلي الأكراد وجبهة النصرة في بلدة راس العين الحدودية في نوفمبر تشرين الثاني. وتتعارض أفكار النصرة أيضا مع ائتلاف جديد للمعارضة السورية باعتباره بديلا للأسد ويلتزم بتأسيس حكم ديمقراطي يحل محل حكم الرئيس السوري. بحسب رويترز.

وقالت مصادر من المعارضة إن كثيرا من السوريين الذين قاموا بتسهيل انتقال جهاديين من سوريا إلى تنظيم القاعدة في العراق في ذروة حملته ضد القوات الأمريكية هناك يقاتلون الآن مع جبهة النصرة بينما يعمل الجهاديون في العراق على ترتيب نقل الأفراد وتكنولوجيا تصنيع القنابل إلى سوريا.

ويقدر عدد أعضاء جبهة النصرة بالآلاف ويتمتعون بقوة خاصة في منطقتي حلب وإدلب الشماليتين حيث انضموا إلى جماعات إسلامية مثل أحرار الشام ولواء التوحيد أو نفذوا عمليات مشتركة معها. وفي دمشق وحولها يقل عدد أعضاء الجبهة ولكنهم يحتفظون بقوتهم هناك وفي بعض الأماكن يبعدون مسافة 20 كيلومترا فقط عن جبهة الجولان التي تحتلها إسرائيل.

دولة إسلامية

في السياق ذاته يقول مقاتلون إسلاميون أجانب تجمعوا حول نار في مبنى تعرض للقصف في حلب إنهم يقاتلون من أجل إقامة دولة إسلامية في سوريا سواء رضي المقاتلون المعارضون السوريون الذين يسعون للإطاحة بالرئيس بشار الأسد بذلك أم أبوا. وهنالك مخاوف من أنهم قد ينقلبون على حلفائهم السابقين إذا سقط الأسد لمواصلة قتالهم من أجل إقامة خلافة إسلامية.

وأبدى مقاتل تركي في حي كرم الجبل المدمر في حلب عزما لا يلين على إقامة دولة تحكمها الشريعة الإسلامية مما يثير قلق كثير من السوريين والغرب بل وداعمين في المنطقة للمعارضة المسلحة للأسد. وقال المقاتل الذي عرف نفسه باسم خطاب "سوريا ستكون إسلامية ودولة قائمة على الشريعة ولن نقبل غير ذلك. الديمقراطية والعلمانية مرفوضتان كلية." وحذر خطاب الذي هذب لحيته الكثة وكان يحمل بندقية كلاشنيكوف على كتفه كل من يحاول الوقوف في سبيل ذلك. وقال خطاب الذي ترك عمله كسائق ليقاتل لمدة عامين في أفغانستان قبل أن يسافر إلى سوريا "سنقاتلهم حتى لو كانوا ضمن الثوار أو غيرهم." وخطاب عضو في وحدة تابعة لجماعة جند الله ولا يجيد العربية حيث تحدث داخل المبنى الذي تناثر فيه الركام من خلال مترجم سوري ورفض تصويره خشية التعرف عليه في تركيا.

والحكومة التركية نفسها ذات جذور إسلامية لكنها تعارض بشدة الفكر الأصولي الذي يتبناه خطاب والمتشددون الذين يقاتلون إلى جانب الجماعات المسلحة ضد الأسد في الصراع الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 60 ألف شخص. وأدرجت الولايات المتحدة جماعة جبهة النصرة في سوريا التابعة للقاعدة على قائمة المنظمات الإرهابية في ديسمبر كانون الأول بعدما أعلنت مسؤوليتها عن تفجيرات في دمشق وحلب.

وقال ابو الحارث الذي كان يرتدي قناعا ويضع شارة سوداء عليها شعار إسلامي مخيطة على ملابسه العسكرية الخضراء "هذه أول مرة أشارك فيها في الجهاد." وعلى الرغم من ذلك هناك مخاوف من رؤية هؤلاء المقاتلين الأجانب - الذين يصعب تقدير عددهم - لفترة ما بعد الأسد. ويمكن أن يؤدي رفضهم لدولة ديمقراطية في المستقبل الى تأجيج الخلاف مع كثير من السوريين. ويرتاب بعض الجهاديين في الجيش السوري الحر المشكل في أغلبه من مقاتلين أغلبهم من السنة ومنشقون عن الجيش. وبالمثل لا يرون فرقا يذكر بين الغرب والدول الإسلامية التي تدعم الجيش السوري الحر.

وقال ابو معاوية (25 عاما) وهو مقاتل نحيل الجسم ذكر أنه من ريف حلب وقام بالترجمة للأجانب "كل هذا الكلام عن الحرية والديمقراطية والدولة العلمانية ودولة الحريات المطلقة مثل أمريكا والنظام الأوروبي .. الإسلاميون لا يأبهون بهذا الحديث مطلقا." واضاف "توجد بعض الفصائل المقاتلة مثل الجيش السوري الحر على صلة بدول أخرى مثل تركيا والسعودية وقطر وهذه الدول على صلة بالقطب المسيطر .. الولايات المتحدة.

وقال ابو أحمد الليبي الذي قاتل للاطاحة بمعمر القذافي في 2011 إنه جاء إلى سوريا مع مجموعة من 15 ليبيا قبل نحو ثمانية اشهر. إنه درب 40 سوريا في ليبيا قبل أن يأتي بهم وقدر عدد المقاتلين الليبيين في سوريا بنحو 200 مقاتل. وفي حين اعترفت واشنطن بالائتلاف الوطني السوري المعارض باعتباره الممثل الشرعي الوحيد لسوريا فقد أغضب إدراجها جبهة النصرة على قائمة الإرهاب كثيرا من زعماء المعارضة المسلحة. ويقول هؤلاء إن الجماعة تقاتل نفس العدو الذي يقاتلونه سواء كانت تتبنى فكرا متشددا أم لا. وقال أبو عبده وهو مقاتل في حلب إنه سعى للانضمام إلى الجماعة لكنه رفض لكونه مدخنا.

ودافع العقيد عبد الجبار العقيدي قائد المجلس العسكري في محافظة حلب عن جبهة النصرة. وقال "ربما نختلف معهم بشأن فكرهم" لكنه رفض تصنيف واشنطن لها كمنظمة إرهابية. وقال "إنهم أشداء وأوفياء ... وفي النهاية يقاتلون النظام معنا." واضاف "كل من يقاتل النظام هو مجاهد وثائر ونقبل جبينه" وقال إن عددهم في حلب لا يتجاوز 500 فرد. وعلى النقيض تراجع التأييد لما يسمى الجيش السوري الحر بين السوريين في حلب بسبب بعض عمليات النهب. بحسب رويترز.

والمخاوف من نشوب صراع داخلي ما زالت قائمة. وقال مقاتل يبلغ من العمر 24 عاما يعمل تحت اسم صقر ادلب "نخشى أن يحاولوا بعد سقوط النظام فرض رؤاهم على الشعب السوري.  هدفهم هو أن تصبح سوريا دولة إسلامية والجيش السوري الحر يعارض ذلك." ونفث المقاتل دخان سيجارته وهو يشير وسط جزء مدمر في حي السكري في حلب وقال "نخشى أن تثير جبهة النصرة وجماعات أخرى مثلها مشكلات بعد سقوط النظام." ويبدو بعض الناس على الأقل في حلب مستعدون لقبول العقوبات الصارمة التي ينفذها الجهاديون. وقال هادي وهو مقاتل ملتح تحدث في ممر مبنى مدمر يستخدم ممرا إلى إحدى الجبهات "نعم معهم السيف وقطع الرقاب .. لكن فقط لمن يستحقون ذلك."

تناحر الجماعات المسلحة

على صعيد متصل قالت مصادر إن مقتل قائد إسلامي كبير من قوات المعارضة السورية قرب الحدود مع تركيا قد يشير لوجود تناحر بين الجماعات المسلحة وذكرت مصادر من قوات المعارضة السورية أن ثائر وقاص القائد في كتائب الفاروق وهي من بين أكبر الجماعات السورية المسلحة قتل بالرصاص في منطقة تسيطر عليها المعارضة في بلدة سرمين على بعد بضعة كيلومترات من الحدود مع تركيا. وأضافت المصادر أنه كانت هناك شكوك في تورط وقاص في مقتل فراس العبسي وهو قائد جهادي كبير في جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة وقتل العبسي منذ أربعة أشهر.

وقال أحد المقاتلين "جاء القتلة في سيارة بيضاء نزلوا منها وأمطروا وقاص بوابل من الرصاص وهو في مستودع للإمدادات الغذائية." وذكر أن الشكوك اتجهت فورا إلى جبهة النصرة. وأضاف "شقيق العبسي قائد في حمص وتوعد بالثأر لفراس ويبدو أنه نفذ وعيده." وتابع قائلا "كتائب الفاروق في فترة حداد الآن. لكن يبدو انها مسألة وقت قبل أن تندلع الاشتباكات مع النصرة في باب الهوى" وهو معبر حدودي مع تركيا يسيطر عليه المقاتلون وقتل فيه العبسي.

وتهيمن على المعبر كتائب الفاروق ولواء صقور الشام المتحالف معها. ويقول مقاتلون ونشطاء في المعارضة إن مقاتلي النصرة ينتشرون أيضا في المنطقة إلى جانب مهاجري الشام وهو لواء آخر من المقاتلين متحالف مع النصرة. وهناك توتر بالفعل بين جماعات مثل النصرة التي تتشكل في الأساس من مدنيين حملوا السلاح يدعمهم جهاديون أجانب وبين جماعات معارضة مثل كتائب الفاروق التي تضم عددا أكبر من المنشقين عن الجيش النظامي وأجهزة الأمن.

ويبدو أن قيادة المقاتلين الجديدة التي تشكلت بدعم غربي وعربي وتركي في مدينة انطاليا التركية في ديسمبر كانون الأول لم تبذل مجهودا يذكر لانهاء الانقسام بين مئات من الجماعات المسلحة. ولم تنضم جبهة النصرة وكتائب الفاروق وكتائب أحرار الشام وهي أكبر ثلاث جماعات مسلحة في شمال سوريا إلى القيادة الجديدة.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن جبهة النصرة تستغل الصراع السوري لتنفيذ "أغراض خبيثة" للقاعدة ويجب ألا تلعب دورا في الانتقال السياسي في سوريا. وتحظى كتائب الفاروق بمساندة جماعة الاخوان المسلمين التي ظهرت كأفضل اللاعبين السياسيين تنظيما وتأثيرا في أعقاب انتفاضات الربيع العربي وبدأت تستعيد نفوذها في سوريا الذي فقدته منذ أن قتلت حملة عسكرية آلافا من أعضائها في الثمانينيات. بحسب رويترز.

وذكر مسؤول في كتائب الفاروق أن قتل العبسي شابه الغموض لكنه أقر بأنه وتر العلاقات مع جبهة النصرة دون أن يلقي باللوم على الجبهة في مقتل وقاص. وأضاف "النظام يقف وراء مقتل وقاص. ليس لدينا أي سياسة لاستهداف النصرة ونتعاون عسكريا معها في بعض المناطق." وتابع "هناك أحاديث عن أن وقاص كان بصفة شخصية متورطا بصورة ما في قتل العبسي.. الوضع في باب الهوى متوتر جدا حاليا." وقال نشط في المعارضة رفض نشر اسمه إن تزايد الصراع بين المقاتلين أضر بهم مشيرا إلى اخفاقهم في الاستيلاء على قواعد ومطارات عسكرية في إدلب بالرغم من حصارهم لها لشهور.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/كانون الثاني/2013 - 7/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م