الشعب العراقي وتحديات المرحلة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من يطالع صفحات التاريخ العراقي بهدوء وتفحّص، لا ريب انه سيصل الى قناعة، بأن الشعب العراقي لا يستكين للظلم مهما كان قويا وعاتيا، ومهما امتد أمدهُ، إذ سرعان ما يثور هذا الشعب على الفساد والظلم، ويُشعر الحاكم المتسلط وحكومته الباغية بالخوف من الزوال والاطاحة، الامر الذي يدفع هذا الحاكم وحكومته الى مزيد من العنف وسفك الدماء والمطاردة وتضييق الخناق حتى على مصدر الرزق اليومي لهم، ولكن يبقى هذا الشعب كما اثبتت التجارب الكثيرة الموثَّقة، يبقى غير قانع بالحاكم والحكومة الظالمة، ويظل يتحين الفرض لازالة النظام، ولكن ثمة مشكلة كأداء تتمثل بسرقة جهود الشعب العراقي وانتفاضاته من لدن العسكريين والسياسيين الانتهازيين، فيأتي النظام البديل شبيها للنظام الظالم المُطاح به، وهذا ما يجعل جهود الشعب تضيع سدى في معظم الثورات والانتفاضات ليبدأ طريق الكفاح من جديد.

وهناك سبب واضح لضياع جهود العراقيين وتضحياتهم الكبيرة في ازالة الانظمة المستبدة، وأهم هذه الاسباب غياب الرؤية الاستراتيجية للبناء الجديد، بمعنى أوضح أن الثوار والمنتفضين لا يضعون خطط استراتيجة للبناء الامثل بعد إسقاط الحكام والحكومات الدكتاتورية، ولهذا تجد أن هذا الشعب الثائر، الذي لا يقتنع ابدا بالحاكم المستبد ولا يخضع له ولا لبطشه، غالبا لا يجني ثمار انتفاضاته وثوراته، والسبب كما ذكرنا غياب التخطيط الاستراتيجي للبناء.

لذا على العراقيين ان يتصدوا بذكاء وقوة ودراية لمستلزمات المرحلة الراهنة ونتائجها المستقبلية، بمعنى مطلوب من العراقيين الآن وضع الخطط التنظيرية والتنفيذية الكفيلة باستثمار الراهن السياسي والاقتصادي في البناء الامثل للبلاد، منها واكثرها أهمية اشاعة الحريات المدنية دونما عوائق بين عموم الشعب، وعدم المساس بالحقوق، واتاحة الفرصة للانتخاب الحر، ومحاربة اوجه الفساد كافة لاسيما الفساد الذي يتعلق بالتجاوز على المال العام بشتى الطرق، وينبغي مقاضاة الايدي التي تمتد للمال العام فورا وبقوة، لانه السبيل الى حماية ما تحقق للعراقيين من انفتاح وتطور في ميادين الاقتصاد، وازدياد موار البلاد لاسيما ما يتعلق بمضاعفة تصدير النفط.

إن العراقيين كما تشير جميع المؤشرات الوقعة على الارض يستعدون بقوة لمغادرة مرحلة المحاصصة واستخدام ورقة الطائفة وكل طرائق الفتن التي باتت قديمة ومملة وبات الشعب العراقي كله يستهجنها، وهو بذلك اصبح اكثر وعيا من قادته السياسيين الذين لا يزلون متمسكين بأوراق احترقت تماما ولم يعد لها اي تأثير على الشارع، كما يحاول السياسيون استخدامها من اجل كسب الشارع العراقي الذي اصبح اليوم اكثر وعيا من قادته السياسيين، إذ صار الشعب يتطلع للبناء الجديد ويبحث عمّن يجعله مواكبا لعجلة العالم المسرعة باتجاه التقدم والتطور والانتاج الامثل.

إن المحاصصة واثارة الطائفية والنزعات العصبية العرقية او الدينية لم تعد تنطل على الشارع العراقي الذي اثبت انه اكثر قدرة من السياسيين على التمسك بمرحلة البناء الجديد المتطور الذي يتسق مع التطور العالمي المعاصر، لذلك لم يعد أمام السياسيين سوى أن يتطوروا بسرعة، ويرتفع مستوى وعيهم لحركة الشارع العراقي الموَّحد والمتحد في آن واحد، وعليهم أن يعبروا تماما الى متطلبات المرحلة الجديدة، مرحلة البناء الاستراتيجي للعراق، وعلى السياسيين ايضا ان يغادورا الى الابد مرحلة الطائفية والمحاصصة والاوراق السخيفة الاخرى للفتنة والتي باتت مصدر تهكم وسخرية العراقيين جميعا.

إن الشعب العراقي الذي قدم ما يكفي من التضحيات والخسائر، با تشعبا واعيا، وان الشارع صار يفهم بوضوح ألاعيب السياسيين التي تقترب من الخداع وتحاول التلاعب بمشاعر الشعب استنادا الى اساليب باتت بائسة مثل العزف على وتر الطائفية، وقد تم قطع هذا الوتر ولم يعد قادرا على العزف النشاز، وهذا تحديد ما يحتم على السياسيين ان يغادروا المرحلة البائدة، ويتحركوا الى الامام بما يتسق مع تطلعات العراقيين ونزوعهم الحقيقي والكبير نحو البناء والتقدم والتطور في ظل دولة مدنية متحررة باتت جميع المؤشرات تدل على امكانية بنائها استنادا الى الوعي العراقي المستمد من الوعي التاريخي الذي لم يستطع الحاكم الجائر ولا الحكومات الطاغية إطفائه ابدا.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/كانون الثاني/2013 - 7/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م