باكستان... ربيع العرب يطرق ابوابها

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تواجه باكستان اليوم أزمة سياسية خطرة قد تؤثر انعكاساتها على استقرار هذه البلاد في المستقبل القريب، وذلك نتيجة نظام ضعيف سياسيا يعتمد على الأوامر الخارجية في اغلب الأزمات، حيث أدى العنف الطائفي والدامي المتصاعد في باكستان مؤخرا ، إلى إثارة ضجة كبيرة داخل الشعب الباكستاني، إذ تحرك عشرات الآلاف ليتظاهروا ويعبروا عن غضبهم تجاه هذه الجرائم، وتوجهت أنظار العالم إلى انعدام الأمان الذي تعيشه شيعة باكستان يومياً، فقد اختلفت آراء معظم المراقبين حول أسباب معدل العنف المرتفع في مجتمعهم، إلا أن هنالك عدد من الحقائق المعروفة توضح تلك الاسباب، منها انعدام وسائل الأمن المجتمعي في باكستان، وهيمنة المنظمات الارهابية كالقاعدة وطالبان، بالإضافة إلى نظام الامن يعمه الفساد، حيث تسبب موجة العنف الاخيرة  بعاصفة من الانتقادات والاحتجاجات من جانب الشعب، مما أثارت قلق المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي على حد سواء، وقد شكلت هذه الاحتجاجات ثورة كبيرة على الحكومة وهز الثقة بها بشكل كبير، فالشعب اليوم مستاء بشكل عام، وتظاهرات الشيعة في باكستان فعلت مجتمعاً مدنياً قوياً يطالب بحكومة أفضل، فقد تكون من خلاله ربيعاً باكستانيا  يطالب بإصلاح وتغيير حقيقيين، ويمكن لهذا الربيع أن يحقق نجاحاً أكبر من نظيره العربي، إذا ما تعرف المسؤولون إلى الحاجة نحو التغيير الجذري وتحقيق المصلحة الفضلى لمجتمعهم.

شيعة باكستان

فقد دفن المسلمون الشيعة في باكستان ضحايا اكثر الهجمات دموية في تاريخ باكستان الحديث، بعد اربعة ايام من الاحتجاجات المطالبة بحمايتهم واثر اقالة الحكومة المحلية، وامضى الشيعة رجالا ونساء واطفالا اربعة ليال معتصمين في البرد القارس رافضين دفن ضحايا التفجيرين الانتحاريين اللذين اوديا بحياة 92 شخصا في المنطقة الشيعية من مدينة كويتا جنوب غرب باكستان، وفي مدن اخرى في باكستان نظم مئات الشيعة الاخرين احتجاجات تضامنية. ويشكل الشيعة 20 بالمئة من سكان باكستان، وتقول منظمة هيومان رايتس ووتش انهم عانوا من مستويات قياسية من العنف العام الماضي، واعلنت جماعة عسكر جنقوي السنية المتطرفة مسؤوليتها عن العمليتين الانتحاريتين اللتين استهدفتا ناديا للبلياردو يقصده مسلمون شيعة في عاصمة ولاية بلوشستان والذي ادى الى اصابة اكثر من 120 شخصا، وتجمع الاف الشيعة من اتنية الهزارة للمشاركة في عملية الدفن الجماعي لاكثر من 60 قتيلا خلال فترة بعد الظهر، وتعالت اصوات بكاء ونحيب العائلات بينما ضرب الكثيرون على رؤوسهم وصدورهم حدادا على القتلى فيما كانت الاكفان تصل الى المقبرة في كويتا بحماية مئات من عناصر الشرطة والشرطة العسكرية اضافة الى متطوعين شيعة، ونظم الاف من المحتجين الهزارة اعتصامات امام المبنى الذي وقع فيه التفجير لمطالبة الجيش بالسيطرة على بلوشستان التي تعاني كذلك من تمرد انفصالي مستمر منذ تسع سنوات اضافة الى تمرد اسلامي، وواجهت الحكومة المحلية انتقادات واسعة بسبب فشلها في حل المشاكل الامنية المتعددة، ووجهت انتقادات بشكل خاص لرئيس وزراء الولاية اسلام ريساني لزيارته لندن فيما كان الوضع الامني يتدهور، وكان الهزارة منقسمون في البداية حول ما اذا كانت الحكومة قد فعلت ما يكفي لتلبية مطالبهم بترشيح حاكم الولاية الذي يعينه رئيس البلاد. بحسب فرانس برس.

وكان قادة الهزارة قالوا خلال الليل انهم لن ينهوا الاحتجاج الا بعد ان يشاهدوا الاوامر الرسمية التي اصدرها رئيس الوزراء رجا بيرويز اشرفن وتوجه اشرف الى كويتا للقاء المحتجين. واعلن مباشرة على التلفزيون عند منتصف الليل انه سيقيل الحكومة المحلية وان الحاكم سيتولى امور الولاية. وقال ان الحاكم نواب ذو الفقار مقسي يمكنه ان يستدعي الجيش "في اي وقت لتقديم المساعدة" وان القائد الاعلى في بلوشستان سيشرف "مباشرة" على القوات شبه العسكرية التي لديها سلطة اعتقال اي شخص والتحقيق معه، ويعتبر رفض دفن الموتى شكل قوي من اشكال الاحتجاج عند المسلمين الذين يفضلون في العادة دفن الميت في اليوم نفسه او اليوم التالي، وفي كراتشي، عاصمة باكستان المالية، اعلنت السلطات انها علقت خدمات الهواتف النقالة "لعدة ساعات لاسباب امنية"، وتجمع اكثر من الف شخص بالقرب من منزل الرئيس اصف علي زرداري في حي كليفتون الراقي تضامنا مع الهزارة.

الحكومة ومعركة تكسير العظام

في سياق متصل اقال رئيس الوزراء الباكستاني حاكم اقليم بلوشستان (جنوب غرب) وذلك بعد لقائه متظاهرين شيعة في اعقاب اعتداءات، وقال رضا برويز اشرف الذي وصل الى كويتا للقاء المتظاهرين "قررنا فرض قانون الحاكم لمدة شهرين في بلوشستان وستتم اقالة الحكومة الاقليمية"،

على الصعيد نفسه امرت محكمة باكستان العليا بتوقيف رئيس الوزراء راجه برويز اشرف المشتبه في قضية فساد مع نحو 15 شخصا اخرين فيما تواجه الحكومة حركة احتجاج على "فساد" و"عدم اهلية" السلطات في اسلام اباد بمشاركة الالاف وعلى راسهم رجل الدين طاهر القادري، وجرت صدامات بين متظاهرين والشرطة في العاصمة الباكستانية اسلام اباد بعد ساعات على وصول رجل دين واسع النفوذ مع عشرات الالاف من مناصريه للمطالبة بحل البرلمان، وبدأت الحشود بالتجمع مساء في المدينة بدعوة من رجل الدين الباكستاني طاهر القادري الذي يحمل الجنسية الكندية والذي عاد من تورونتو في كانون الاول/ديسمبر الماضي بعد سنوات امضاها في المنفى، وهو يدعو الى "ثورة سلمية" لوقف "الفساد" و"عدم كفاءة" السلطة ولارساء الديموقراطية في البلاد، وقد وصل طاهر القادري الى وسط اسلام اباد للانضمام الى الاف المتظاهرين ووجه انذارا للحكومة لكي تحل البرلمان الفدرالي سريعا والمجالس الاقليمية، وقال القادري "اوجه الى الحكومة انذارا لحل البرلمان الفدرالي والبرلمانات المناطقية. بعدها يأخذ برلمان الشعب هنا قراراته الخاصة"، وعمد انصاره ليلا الى ازالة اول حاجز مؤلف من مستوعبات يفصل مكان التجمع الاساسي عن البرلمان وعن مبان حكومية اخرى وكذلك عن الحي الدبلوماسي.

وقد اطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على الحشود التي كانت تتدفق نحو البرلمان وسمعت طلقات نارية في المكان فيما كانت مروحيات القوات الامنية تحلق فوق المنطقة على علو منخفض، ورشق المتظاهرون بالحجارة القوات الامنية قرب البرلمان. كما حطموا زجاج سيارات متوقفة على الطريق، وتصاعدت حدة اللهجة حيث تبادل الطرفان الاتهامات باطلاق النار، وقال وزير الداخلية رحمن مالك للتلفزيون ان "المتظاهرين رشقوا الشرطة بالحجارة واطلقوا النار على الشرطة" معتبرا ان القادري مسؤول عن شلل وسط العاصمة حيث كانت عدة متاجر ومدارس لا تزال مغلقة وكذلك الطرقات، واضاف "كنا قد اتفقنا مع المتظاهرين لتسهيل مسار التظاهرة. لكن حين وصل القادري تغير كل شيء وطلب من انصاره التوجه الى البرلمان"، وفي رسالة الى الصحافة اتهم انصار القادري الشرطة باطلاق النار على السيارة التي كانت تقل زعيمهم وبانها حاولت لكن بدون جدوى "تحطيم زجاجها". وقالوا "لكن الحشود لم تتراجع ولاحقت الشرطة التي تراجعت".

وهذه التظاهرة هي الاضخم التي تنظمها المعارضة في اسلام اباد منذ انتخابات العام 2008 وفاز فيها حزب الشعب الباكستاني الذي يتزعمه الرئيس آصف علي زرداري. وتسلم زرداري السلطة من النظام العسكري بقيادة برويز مشرف الذي اضطر للتنحي خصوصا بسبب سلسلة تظاهرات نظمها المجتمع الاهلي، وكان طاهر القادري المعتدل ومؤسس منظمة منهج القرآن المنتشرة في البلاد وفي الخارج، قد دعا الى تعبئة واسعة تذكر بالتعبئة في ميدان التحرير بالقاهرة التي ادت الى سقوط الرئيس المصري حسني مبارك عام 2011، وتاتي هذه التعبئة فيما تنهي السلطة المدنية الحالية ولايتها من خمس سنوات، وهي المرة الاولى في بلد تسود فيه الانقلابات وفيما يفترض ان تنظم انتخابات مبدئيا قبل منتصف ايار/مايو، وبموجب الدستور الباكستاني، يجب ان تشكل حكومة انتقالية بعد انتهاء ولاية البرلمان وحله المرتقب في منتصف اذار/مارس، لتصريف الاعمال في البلاد الى حين تولي حكومة جديدة منبثقة عن الانتخابات مهامها، ويدعو القادري الى ان تشكل هذه الحكومة بالتشاور مع الجيش والقضاء وليس مع الاحزاب التقليدية الكبرى فقط. ويرى انه في تلك الحالة فقط يمكنها ان تجري اصلاحات لكي يتم انتخاب اشخاص "شرفاء"، لكن معارضيه يشتبهون في انه اداة للجيش الذي يحظى بنفوذ واسع في البلاد او لدول اجنبية تحاول عرقلة العملية الانتخابية وتجريد الاحزاب التقليدية من مصداقيتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/كانون الثاني/2013 - 5/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م